مما لا شك فيه أن المصالحة الفلسطينية باتت مطلباً وطنياً ملحاً لجميع الأطراف الفلسطينية والإقليمية ، حيث أن المنطقة تواجه عدواً مشتركاً وموحداً بغض النظر عن ظروف كل طرف وخصوماته مع الأخر ولكنه شرساً يحارب بضراوة في المنطقة بهدف التوسع على حساب الجميع وبدون تمييز حتى حول وقع المنطقة الحياتي للجميع إلى جحيم.
من هنا ، سيتوجه اليوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الدوحة وبالتزامن مع ذلك وبالتحديد بالأمس نشرت الجزيرة الإنجليزية التي تبث من هذه العاصمة القطرية الجميلة التي تستضيف الحوار الفلسطيني - الفلسطيني لإنجاز فكرة المصالحة الوطنية ، تحقيقاً صحفياً عن ثروة أحد أبنائه أضحت فيه جوانب تتعلق بالفساد مستبقة زيارته بدون أي تفسير لذلك!.
البعض ذهب بعيداً في تحليله وقال أن الدوحة أعطت الضوء الأخضر لنشر هذا التحقيق لكي تضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس حتى ينصاع لفكرة تحقيق المصالحة كون أن الجميع يدرك أن مفاتيحها في يده لوحده وأن اللاعب الوحيد الذي لا زال يراوغ في تحقيقها، والبعض الأخر يرى أن التحقيق خرج للإعلام باستقلالية ضمن المعطيات التي توفرت كسبق صحفي بعيداً عن رقابة أجهزة الدولة في الدوحة لا بل أحرجها وأن أمر لقاءات المصالحة وهذا التحقيق غير مترابطين!.
البعض الأخر ذهب بعيداً أكثر ورأى أن المصالحة في هذه المرة جدية ولكن أطراف إقليمية كتركيا وقطر ومصر والأردن والسعودية تتحكم في مجرى مفاوضاتها كل حسب مصالحه ولكن باتفاق حول هدف واحد وهو ضرورة إرسائها!، ولكن كون أنه لازالت التناقضات السياسية بين هذه القوى موجودة فإنها ستبقى هي صاحبة القرار في هذا الموضوع وتذليل عقباته أو زيادة تعقيداته لتحقيقه من عدمه وبالتالي لن يكون هناك تقدم جدي وحيوي وجوهري في هذا الملف طالما لم ترفع هذه الأطراف مجتمعة يدها عنه بالشكل القائم وأن يتم اقتصار الدور فقط لهذه الدول في تقديم الدعم والمساندة والتحفيز لإنجازه!.
في تقديري أن كل أصحاب الأراء السابقة محقين فيما ذهبوا إليه كل حسب قراءته لظروف الواقع المتلاحقة وتخوفاته من تكرار فشل الماضي، ولكني أرى أن الدور المحوري في هذه الجولة من لقاءات المصالحة يعود لصلابة موقف القاهرة والرياض وجديته من عدمه ، وبالتالي لربما لا يكون هناك وصولاً إلى نتيجة مبتغاة في هذه الجولة كالوصول للتوافق حول تشكيل حكومة وحدة وطنية وتحديد موعداً للانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية والبرلمانية والتوافق حول دور كل الأطراف في منظمة التحرير الفلسطينية وتبني برنامجها السياسي والاعتراف بها بشكل لا يقبل التفسير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وحل معضلة موظفي قطاع غزة جملة واحدة ، إلا أنه سيكون هناك إعلاناً عن تقدم ما وذلك تحضيرا للقاء أخر قريب ستقوده القاهرة وستعلن فيه مرحلة التوافق حتى لو كان شكلياً من خلال الإعلان عن تشكيل حكومة وحدة وطنية يرأسها شخصية وطنية متوافق عليها محلياً وإقليمياً ودولياً تشير التقديرات بأن عناوينها لم تعد محل خلاف وباتت معروفة بين المتحاورين ومتفق عليها خاصة أن هذه الحكومة ستحتضن جميع الطيف الفلسطيني من فصائل ومستقلين وذلك للتحضير للذهاب للمؤتمر الدولي الذي دعت إليه الأطراف الدولية التي اجتمعت في العاصمة الفرنسية باريس مؤخراً، وذلك من باب إعطاء أمل جديد لإمكانية تحقيق السلام وحماية حل الدولتين من بوادر الانهيار وتحفيز مسارات سياسية صادقة ومتعددة تستخدم قدرتها ونفوذها للضغط على أطراف معادلة الصراع ، والأهم من ذلك هو مصلحة الجميع في تشكيل تحالف إقليمي جديد يقبل تحت مظلته كل الخصوم وذلك للوقوف في وجه تمدد التطرف ومحاربة الإرهاب الذي يجتاح المنطقة!.
لذلك ما يأمله الشعب الفلسطيني اليوم هو أن تتحقق المصالحة وإنهاء الانقسام كمصلحة وطنية عليا وكحلم بات بعيد المنال يتمنى أن يراه حقيقة واقعة تخفف من أعبائه وألآمه وأوجاعه وتعيد للوطن لحمته ومن ثم تفتح الأفاق أمام أبنائه.
نعم يتطلع اليوم أبناء الشعب الفلسطيني للدوحة وهم كلهم أمل بأن يصدر عن لقاءات قادتهم هناك بيان توافقي صادق وأمين يؤسس لمرحلة إنهاء الخلاف والانقسام بشكل جدي ومسؤول لبدء مرحلة الوحدة والتوافق والبناء الحقيقي.
كنت أتمنى أن أعطي أبناء شعبي اليوم أملاً مؤكداً بأن النتيجة التي ستصدر عن هذا اللقاء ستتماشى مع ما يتمنونه، ولكن كوني لا أملك مقومات بناء أمال كبيرة على هذه الجولة ضمن المعطيات المتوفرة من الأطراف المطلعة والقريبة من سيناريو الحوار بالرغم من الأجواء الإيجابية التي يحاول المتحاورين الإيحاء بها، لأن اللاءات التي تخللتها وحملتها بعض التصريحات الفوقية وضيقة البصيرة كانت غير مسؤولة لذلك بقي قلمي متحفظاً اتجاه الأمل الذي يتطلع إليه الجميع ولكن يبقى يقيني من خلال الإيمان بالله سبحانه وتعالى بأنها ليست جولة ولائم لحوم ومجاملات كما أراد البعض أن يصورها ولكني أراها لقاءات جادة تتم تحت ضغط وإلحاح من كل مكونات الشعب الفلسطيني وتعقيدات الظروف الإقليمية المحيطة والأهم من ذلك الشعور بالمسؤولية بأنه لابد من الوصول لنتيجة مبتغاة من حلم لم يتحقق بعد.
نعم الشعب الفلسطيني اليوم ينتظر بلهفة ولا يريد أن تخيب أماله، وعلى قادته المتحاورين أن يقدروا الأمر ويتحلوا بروح المسؤولية وأن يبتعدوا عن المصلحة الذاتية والفصائلية الضيقة لأن التاريخ لن يرحم أحد منهم إن فشلوا واستمروا في هذا الطريق المظلم ، طريق الانقسام والشقاء، بل يتمنى الجميع أن يكون لديهم إرادة حقيقية ليفعلوا كل شيء ينفع شعبهم ليحملوا على الأعناق حينئذٍ ، ولكن إن خيبوا الأمال وكانوا مصادرين الإرادة ويتلقون الأوامر من قوى إقليمية يرهنون إرادتهم عندها وأمال شعبنا وتطلعاته وأحلامه لأجنداتهم، فشعبنا سيلفظهم ولن يسامح أحد فيهم وسيأتي يوم قريب لن يكون فيه رحمة لأي منهم !.
م . زهير الشاعر