مؤتمر هرتسيليا ذو أجندة صهيونية ىإمتياز , تهدف إلى تحصين كيان الإحتلال , من المخاطر المستقبلية , التي قد تواجه الإحتلال ودولته في فلسطين المحتلة , يشارك في هذا المؤتمر خبراء من كافة التخصصات, وأبرزها السياسية والعسكرية والإقتصادية والإعلامية , وتصب كل النقاشات والأبحاث والتقارير التي يقدمها المشاركين من مختلف المشارب السياسية سواء كانت يمنية أو يسارية في خدمة كيان الإحتلال, وتعتبر مخرجات المؤتمر ذات أهمية وإعتبار لذا صناع القرار في كيان الإحتلال , وتساهم مقررات مؤتمر هرتسيليا في تأسيس ورسم إستراتيجية تحاول ضمان إستمرارية وبقاء كيان الإحتلال , وتعمل على وإتقاء الأخطار المحدقة وسبل مواجهتها .
تأسس مؤتمر هرتسيليا في العام 2000 ميلادية تحت هدف استراتيجي رئيسي هو الأمن القومي لكيان الإحتلال , ويرأسه عوزي آراد وهو شخصية عسكرية مخابراتية شغل منصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو, إلى جانب غيئورا آيلاند رئيس مجلس الأمن القومي وهو بمثابة الواجهة العسكرية والأمنية للمؤتمر, إلى جانب عشرات الشخصيات الصهيونية التي ينتمي معظمها لليمين المتطرف , ومن القضايا المركزية التي تداعى لها المؤسسون لمؤتمر هرتسيليا , ما أطلقوا عليه الخطر الديمغرافي الذي يهدد الكيان الصهيوني سواء كان ذلك داخل فلسطين المحتلة أو في محيطها , ومن هذه النقاشات والحوارات تولد مصطلح يهودية الدولة , وما يقتضيه من عمليات ترانسفير للفلسطينيين في الداخل المحتل , لتبقى " إسرائيل " دولة خالصة لليهود فقط , وهنا تبرز عنصرية هذا المؤتمر وأهدافه الخبيثة, والتي تسعى إلى تعزيز السيطرة الصهيونية الإحتلالية على الأرض الفلسطينية , وطمس الهوية الفلسطينية وإقتلاع الفلسطينيون من أراضيهم في الجليل والمثلث والنقب , لإستكمالاً مخططات التزوير للتاريخ والتهويد للأرض العربية .
وما ظهر مؤخراً من ظاهرة ترتقي إلى حد الجريمة الوطنية , مشاركة البعض الفلسطيني والعربي في أعمال مؤتمر هرتسيليا الصهيوني , فهل يعقل أن يشارك الفلسطيني في مؤتمر يسعى إلى ترسيخ كيان الإحتلال في فلسطين ؟! هل يمكن أن نستوعب أن يشارك الفلسطيني في مؤتمر يتفاكر فيها رواده من الخبراء السياسيون والعسكريون من يهود وأوربيون في كيفية مواجهة الأخطار التي يتعرض لها الإحتلال وتهدد وجوده على أرضنا ؟ ! فما هي الرسالة التي سينقلها الفلسطيني لهذا المؤتمر ؟ هل سيقول لهم إن نظركم بعين العطف على السلطة ومنحها دولة منزوعة السلاح ومنقوصة السيادة , من عوامل بقاء كيانكم وإستمرار إحتلاله لفلسطين ؟! أم سيعرض نفسه على أنه يمثل قوى الإعتدال التي ترنو للسلام والمهادنة مع مغتصب الأرض , من أجل أن يهنأ المحتل وأجياله بالتنعم بأرض فلسطين وخيراتها !, هل جاء المشارك الفلسطيني كرسول ترويج لعودة المفاوضات مع سلطة إعترفت للإحتلال بـ 80% من أرض فلسطين وتستعد للقبول بدولة الكنتونات أو سلطة الحكم الإداري ذات الوظيفة الأمنية , وهذا ما يوفر الاستقرار للإحتلال والأمان لمستوطنيه .
ما وقع من مشاركة رسمية لشخصية فلسطينية تتبع السلطة ومنظمة التحرير , هي الردة بعينها عن المشروع الوطني الفلسطيني , الذي نزفت من أجل تحقيقه دمائه الشهداء على إمتداد الثورة الفلسطينية , وهو نكوص عن رفع رايتنا الفلسطينية وبطلان إدعاء تمثيلها , بل تشكل تلك المشاركة إنحدار كبير في مستوى الأداء السياسي الإنبطاحي , ولعلها تأتي في سياق المحاولات لإعادة صياغة العقل الفلسطيني نحو القبول بالإحتلال والتعايش معه , وهي سياسة لم تعد مبررة في ظل إنكشاف الخداع الكبير المسمى بالسلام مع كيان الإحتلال , الذي يستهدف الوجود الفلسطيني بكل أركانه في محالة بائسة لإجتثاث الإرث الفلسطيني من هذه الأرض المباركة , بعد أكثر من عشرون عاما من دخول سرداب التسوية من نفق أوسلو, أصبح من الضروريات الوطنية التوقف عن السير في هذا الضياع , وأن نعمل على قفل الباب سريعاً في وجه محاولات قبول الإحتلال كجزء من منطقتنا عبر الترويج للتعايش المكذوب وأوهام السلام , فالإحتلال لديه مشروعه الإستئصالي الذي يمارسه ضد الإنسان الفلسطيني الذي لن يكون جيداً في نظر الإحتلال الا اذا كان ميتاً , والموت قد يكون بمعناه المتعارف قتلاً أو نهاية طبيعياً للإنسان, و الأخطر هو موت الإنتماء لفلسطين القضية في نفوس البعض وإختفاء الخارطة الفلسطينية التاريخية من ذاكرة البعض وأجندتهم الخبيثة, ومن أجل إعادة بوصلة الأمور لنصابها الحقيقي , يجب أن تتوقف عملية تجميل المسار التفاوضي عبر أدوات السلطة الإعلامية ومنظريها , فالبرنامج السياسي الذي يرى في " إسرائيل " جارة لا يمثل الشعب الفلسطيني , ولا يمكن إجبار أصغر طفل فلسطيني على القبول به , وعلى الفصائل الفلسطينية ورجال الفكر وأصحاب الرأي عدم الإستمرار بالمجاملة في هذه المسألة الوطنية التي تمس في العمق جوهر الحق الفلسطيني الثابت , وأن تسمي الأشياء بمسمياتها فالحماية للوطن والحفاظ على الهوية يحتم عليهم ذلك , وحتى لا يوفر الصمت حجة للمهرولين نحو بوابة التطبيع مع الإحتلال , بالقول بأن القيادة الفلسطينية المعترف به رسمياً تعترف بـ "إسرائيل " وتمارس أجهزتها الأمنية التنسيق على أعلى المستويات مع قوات الإحتلال , ويشارك وزرائها وقادتها في المؤتمرات واللقاءات الصهيونية , ولسان حال الإنظمة العربية الرسمية , وبعض ما يسمون أنفسهم بالنخب العربية التي سارت في قطيع التطبيع بأننا لسنا أكثر ملكية من الملك ! , فإذا كان الفلسطيني سالم وصافح العدو الصهيوني , فلماذا تلوم على المصري أو الأردني أو غيرهما ؟! أن يكون لهم إتصالات أو علاقات مع كيان الإحتلال , وهنا يتضح لنا خطورة الأداء السياسي الذي تمارسه قيادة السلطة وتصر عليه , والذي يفتح الباب على مصراعيه للتطبيع مع كيان الإحتلال , ولعل هذا ما يحاول قادة الإحتلال إستغلاله من أجل الوصول إلى حالة من القبول للكيان الصهيوني في المنطقة , ورغم اللوحة السوداوية التي يحاول البعض فرضها عبر قنوات إعلامية تحاول فرض الكيان الإسرائيلي كجزء من الشرق الأوسط الجديد, وإعتباره شريك في الحلول للكثير من الأزمات التي تعصف بالمنطقة , في محاولة للعبث بالعقل العربي , الا أن المناعة القوية التي تمتلكها الشعوب العربية تشكل حالة واسعة من الرفض للجسم الغريب وعدم القبول به , وتأكيد الجماهير العربية العريضة في الوطن العربي على أن " إسرائيل " هي العدو المركزي للأمة , ولا يمكن بأي حال من الأحوال وتحت أي ظرف من الظروف الإعتراف بها أو تأسيس شراكة معها , فهي قوة إحتلال غاشم إستغلت لحظة تاريخية من الضعف لتغتصب فلسطين بمباركة من دول الإستعمار العالمي , وأن المسار الطبيعي للأمور يقتضي رحيل الإحتلال الغاشم وزواله , وهذا ما أجمعت عليه الأمة وتسعى بمجموعها لإنجازه , وأن التاريخ لن يرحم كل من هادن أو ساوم على الحق الفلسطيني العربي في أرضنا الطاهرة .
بقلم/ جبريل عودة