في منطقة غراس في جنوب شرق فرنسا فن إعداد العطور تقليد تتناقله الأجيال منذ ثلاثة قرون..ويرص مزارعو الأزهار ومحولوها الى مواد أولية وصانعو العطور الصفوف لاعتراف اليونسكو بهذا التراث الحي.
فكما في كل سنة في الربيع، يراقب جوزف مول (77 عاما) وريث مزرعة أزهار أنشأها أحد أجداده في العام 1840، الحصاد اليدوي لأزهار "روزا سينيفوليا" التي تبعث رائحة لطيفة على امتداد ستة هكتارات.
ونقل مول هذا التقليد الزراعي العائلي الى صهره "الذي اصبح شغوفا بهذه الزراعة في اليوم الذي تزوج فيه من ابنتي".
ويوضح الصهر فابريس يانكي وهو يقطف زهرة متفتحة "التدريب تم على الأرض في الحقول انه تبادل متواصل بين الجيلين ونقل للدراية".
في نهاية صفوف الورود يقع مصنع يسمح بمعالجة الزهور في غضون ساعة بعد القطف. المسؤول عن المصنع جان-فرنسوا فيي الخبير في تحويل الزهور الى "كونكريت" اي المادة الصلبة الأولى المستخرجة منها والى مركز سائل يدخل في تركيبة العطور، يتحدث عن تأثير جده العطار المرتبط في مخيلته بعطر زهور الليمون.
وقد اتى العطار اوليفيه بولج المولود في غراس من أجل الترويج لعطره الجديد الذي يحوي زهر الليمون والأرز والبرغموت والايلانغ ايلانغ والياسمين. ويقول "انه تجسيد جديد" لعطر شانيل رقم 5 الذي وضع قبل قرابة القرن. وهو خلف قبل ثلاث سنوات والده جاك العطار لدى دار شانيل منذ العام 1978.
هذه السلسلة المتواصلة من الزهرة الى الزجاجة صامدة "بفضل العطور القديمة التي لم يشأ العطارون ان يغيروا في مكوناتها" على ما يؤكد جوزف مول.
وهو يبيع خصوصا ورد شهر أيار والياسمين المحلي (يقطف بين آب وتشرين الأول) الى دار شانيل لعطرها الشهير "شانيل رقم 5" في إطار عقد يمتد على عشر سنوات يجدد منذ العام 1987.
في القرن السابع عشر، راح الدباغون العاملون في غراس منذ القرون الوسطى يعطرون الجلود ولا سيما القفازات بزيوت زهرية عطرة، ما أدى الى ظهور حقول الزهور. الا ان الضغوط العقارية الكبيرة في السبعينات عرضت الإنتاج المحلي للزهور للخطر وبات يلقى منافسة من إنتاجات أجنبية اقل كلفة.
الا ان غراس تبقى قطبا أساسياً في قطاع انتاج العطور والمنكهات الغذائية مع اكثر من ثلاثة آلاف فرصة عمل في شركات مثل روبيرتيغ ومان وفراغونار.... وثمة الكثير من العطور الشهيرة التي تنتج مباشرة في غراس وهي تضم مواد اولية طبيعية من العالم باسره ومن منتجات مركبة. وتدشن مجموعة "لوي فيوتون" في ايلول في غارس مختبرا لابتكار العطور لماركتي ديور ولوي فيوتون.
ويقول جاك كافالييه-بيلترود الذي ينتمي الى عائلة عطارين منذ اجيال عدة "هذا التركز للمهارات غير موجود في اي مكان اخر في العالم. وبات جاك "أنف" دار "لوي فويتون" التي تريد ان تستحدث عطرا خاصا بها.
وبصفة شخصية يدافع عن ملف "المهارات المرتبطة بالعطر في منطقة غراس" لتدرج في "قائمة التراث الثقافي غير المادي" للبشرية. ورفعت فرنسا الملف الى اليونسكو في آذار 2015.
وقد أدرجت هذ المهارات في قائمة التراث غير المادي في فرنسا العام 2014. إلا ان اعتراف اليونسكو قد يحتاج الى سنوات عدة.
ويهدف الطلب الى تشجيع نقل هذه المهارات ضمن العائلات وكذلك من خلال لقاءات بين معلم ومتدرب في أجواء خاصة جدا.
ويقول جاك كافالييه بيلترود "ثمة لغة محددة بين العطارين تزخر بالصور المجازية وتسمح لنا بالتعبير عن مشاعر جياشة بسرعة. إن الفهم المتبادل مع والدي فوري".
ويؤكد "أن العطر هو فكرة ومحصول عواطف يمكن تشاطرهما".