ما الجديد بالإجراءات والعقوبات الإسرائيلية المتكررة؟

بقلم: غازي السعدي

شابان من بلدة يطا جنوب الخليل، هما "محمد أحمد موسى مخامرة" البالغ من العمر (21) عاماً، وهو عامل بناء يعمل في بئر السبع، وابن عمه "خالد محمد موسى مخامرة" البالغ من العمر (22) عاماً، وهو طالب متفوق في كلية الهندسة في جامعة مؤتة بالأردن –شاهد هدم منزل عائلته حين كان في الصف الثالث ابتدائي- اخترقا الحدود الفاصلة بين الضفة الغربية، إلى داخل المنطقة المحتلة منذ عام 1948، بتاريخ "8-6-2016"، ووصلا إلى المركز التجاري "شارونا ماركت" وسط تل-أبيب، القريب من وزارة الدفاع الإسرائيلية "هكريا"، دخلا إلى مطاعم "ماكس برنر" وتناولا الطعام، وتصرفا كزبائن عاديين كانا كل منهما يرتدي بدلة وربطة عنق، ويحمل حقيبة وكأنهما محاميان، وبعد برهة من الزمن، نهضا من مكانهما، أخرجا سلاحهما من الحقائب، وأخذا بإطلاق النار على رواد المركز في كافة الاتجاهات داخل المطعم وخارجه، وسط فرار وذعر المتواجدين، وأدت العملية إلى مقتل أربعة إسرائيليين، وإصابة (16) بجراح، اثنين منهم إصاباتهم خطيرة، كل ذلك أدى إلى تخريب نمط الحياة في العاصمة الاقتصادية لإسرائيل، فقد كانت عملية نوعية جريئة ورسالة إلى الإسرائيليين أنه طالما هناك احتلال، هناك مقاومة، وبقي الشابان على قيد الحياة، وجرى اعتقالهما.
رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، ووزير جيشه الجديد "أفيغدور ليبرمان" –التي كانت هذه العملية استقبالاً له- سارعا إلى زيارة موقع العملية، وإلى عقد جلسة طارئة للبحث في كيفية الرد عليها، فاتخذت الحكومة مجموعة من القرارات التي سبق وجربت، أهمها العقاب الجماعي على الفلسطينيين، وإيقاف تصاريح دخول لأكثر من (83) ألف فلسطيني، لزيارة أقربائهم بمناسبة شهر رمضان المبارك، والاستمرار بهدم البيوت، وسياسة الإبعاد، وإغلاق شامل للضفة الغربية وتجميد منح التصاريح، ومحاصرة بلدة يطا بشكل خاص، البلدة التي خرج منها المهاجمان، وإلغاء تصاريح (500) من مواطني قطاع غزة للصلاة في المسجد الأقصى، بمناسبة الشهر المبارك، واتخاذ مجموعة من الإجراءات العسكرية لمواجهة المقاومين، ونشر كتيبتين عسكريتين إضافيتين في الضفة الغربية، و"نتنياهو" يتعهد ويتوعد بالرد، ويطلب من مواطنيه اليقظة التامة.
"نتنياهو" و"ليبرمان" يعرفان قبل غيرهما أن مثل هذه الإجراءات، والعقوبات الجماعية جربت ومورست على الفلسطينيين منذ عشرات السنوات، دون تمكنها من القضاء على الفلسطينيين الذين يطالبون بحريتهم واستقلالهم، ففي أعقاب انتفاضة الأقصى، أقام الاحتلال جدار الفصل العنصري، تحت ذريعة منع العمليات "الإرهابية" من قبل الفلسطينيين، فهل منع الجدار هذه العمليات؟ فالإجراءات العقابية الإسرائيلية، هدفها إرضاء الرأي العام الإسرائيلي، الذي يتهم حكومته بفشلها في تحقيق الأمن لمواطنيها، وأن سياسة الانتقام والرد فشلت أيضاً، فجميع الإجراءات الإسرائيلية جربت، فماذا كانت النتيجة؟ المزيد من الصمود والمقاومة، رغم أن المسؤولين الإسرائيليين يتنافسون فيما بينهم بتصريحاتهم النارية العنصرية ضد الفلسطينيين، حتى أن "ليبرمان" سارع إلى الإعلان، بأنه لن يكتفي بالأقوال، ونائبه "أيلي بن دهان"، هدد بأن حياة المواطنين في بلدة يطا لن تتواصل كالمعتاد، والوزير "نفتالي بينت"، شبه "المخربين" من يطا بمنظمات "الإرهاب" في سوريا، ووزير المواصلات "إسرائيل كاتس"، دعا إلى علاج جذري لم يذكر في التاريخ ضد الفلسطينيين، ووزير العلوم "اوفير أكونيس" دعا إلى إبعاد عائلات "المخربين" إلى غزة، وهدم منازلهم، ووزيرة الثقافة "ميري ريغف" دعت إلى كي وعي العدو، فجميع هذه التهديدات والإجراءات والعقوبات جرى تجربتها فماذا كانت النتيجة؟
يبدو أن عملية تل-أبيب، ساهمت في إيصال رسالتها إلى شرائح واسعة من الإسرائيليين، فرئيس بلدية تل-أبيب، "رون خولداني" قال معقباً على العملية:"أن احتفال الفلسطينيين بالعملية هي كنتيجة للاحتلال، في إشارة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فهذه الأقوال لرئيس البلدية أغضبت المستوطنين، خاصة بتكراره لأقوال فلسطينية سابقة، والقول لرئيس البلدية:"نحن الدولة الوحيدة في العالم، التي لا تزال محتلة دون أي حقوق مدنية، دون اتخاذ خطوات جدية لإنهاء الاحتلال، بعد (49) عاماً، ودون إعطاء أي آفاق للفلسطينيين في إنهائه"، أما "عمير بيرتس"، وزير سابق وأحد أقطاب حزب العمل الإسرائيلي، فقد أعلن:"أن موقف رئيس الوزراء "نتنياهو" مخيب للآمال، لأنه لم يقدم للجماهير الإسرائيلية، رؤيا حقيقية لإحداث تغيير في هذه المنطقة، وأن الإجراءات التي اتخذها مجلس الوزراء كانت متوقعة، مثل إغلاق الضفة الغربية، الحرمان من التصاريح، وقف التسهيلات وغيرها، هل يعتقد "نتنياهو" أن هذه الإجراءات ستحل المشكلة، عبر هذه الخطوات الروتينية؟ فالعقوبات الجماعية والقول لـ "بيرتس" لا تسهم في تحسين الوضع الأمني لإسرائيل، دون أفق سياسي حقيقي.
على الصعيد السياسي، فإن الحكومة الإسرائيلية تفهم إلى أين تتجه دول العالم، فالاحتفال الذي جرى في وزارة الخارجية لأن مؤتمر باريس لم يخرج بشيء، ويرون الأمر بمثابة عمل انتهى، لكنهم يعرفون أيضاً أن مؤتمراً آخر وبعده آخر، سيكون في العالم من يصرخ كفى لن نلعب بعد اليوم، وهذا ما يخشاه رئيس الوزراء "نتنياهو"، الذي يحاول في هذه الأيام توسيع مجال سيطرته، وإسرائيل تعتبر أن الأسوأ قادم، إذا أصبحت "هيلاري كلينتون" أو "دونالد ترامب" لرئاسة أميركا، فإسرائيل متعلقة جداً بالولايات المتحدة على جميع الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية، فالعالم كله تقريباً، مل الانشغال بالشرق الأوسط، الذي أصبح بنظره كومة من الجمر يجب إطفاؤها، حتى أن العالم يئس، على ما يبدو، من الدعوة الإسرائيلية للفلسطينيين بالمفاوضات المباشرة التي ثبت فشلها، وأن دول العالم قد تتوجه بفرض الحل على الجميع.
"نتنياهو" المخادع أخذ يعلن بأن المبادرة العربية للسلام بها عناصر إيجابية، وكأنه يريد من هذا القول، تلطيف الأجواء الدولية الغاضبة على إسرائيل، لكنه بعد أيام بق الحصوة بإعلانه أن إسرائيل لن تقبل بها إطلاقاً، وخاصة بعودة اللاجئين، والانسحاب من القدس الشرقية، والعودة إلى حدود عام 1967، ومع ذلك يتحدث "نتنياهو" عن أجواء السلام، الذي يحاول تسويقه على كل منبر، فلا يوجد ما يوحي بأنه مستعد لانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، أو القبول بالمبادرة العربية، بل أنه ما زال يعتبر الأراضي المحتلة جزءاً من الوطن اليهودي.
وكما هو متوقع، فإن الحكومة الإسرائيلية، لا تستخلص الدرس، وتستوعب ما كان عليها أن يكون واضحاً منذ زمن بعيد، بأن المقاومة ستستمر، طالما يوجد احتلال، وطالما لا يوجد أمل للشعب الفلسطيني في انتزاع حقوقه، فلا يمكن لأي خطوات عسكرية القضاء على المقاومة، ولن تتمكن أي تبجحات إسرائيلية من أن تضع حداً له، ومع أن الطريق الوحيد لتحقيق الأمن لإسرائيل، تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال، فإن الحكومة الإسرائيلية مستمرة في نهب الأراضي والاستيطان، وتطويق نفسها بالجدران، لتصبح كالغيتوات التي كانت في ألمانيا النازية، حتى أنها أقرت –حسب "يديعوت احرونوت 16-6-2016"- بناء جدار أمني على حدود قطاع غزة خشية من الأنفاق بطول (60) كيلومتراً، يحفر تحت الأرض بعشرات الأمتار، ويعلو فوق الأرض، بتكلفة تبلع (2.2) مليار شيكل، وأن أكثر ما يشغل بال الاحتلال، من عملية تل-أبيب، كيف وصلا منفذا العملية إلى موقع العملية، والتوقعات بأنها لن تكون الأخيرة، طالما هناك احتلال.
انتهى...

بقلم: غازي السعدي