كما كان متوقعا لم تستمر القطيعة بين تركيا واسرائيل طويلا والتي بدأت بعد اعدام اسرائيل لتسعة من الناشطين الاتراك الذين كانوا في طريقهم الى غزة بهدف كسر الحصار المفروض هناك , وكما كان متوقعا توصل الطرفان اخيرا الى اتفاق عنوانه استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين مع ان الاتصالات بين اسرائيل وتركيا لم تنقطع خلال تلك الفترة ولكنها كانت تتم بشكل سري وفى اروقة متعددة , اليوم خرج الاتفاق الى الملء ولعل الفلسطينيين فهموا ان لا رهان في اي موضوع يمت للصراع على غير الفلسطينيين والجهد الفلسطيني وعدم الاخذ بالوعود والعهود مع الغير على حساب الذات الوطنية والهوية النضالية , كان طرف من الفلسطينيين وخاصة حركة حماس الى وقت قريب يعتقد ان بيد تركيا مفاتيح كل شيء وخاصة رفع الحصار عن غزة وكانت على ثقة ان تركيا لن تتخلي عن هذا الشرط نهائيا مقابل اي اتفاق بينها وبين اسرائيل, لكن ما حدث كشف مدي تفضيل تركيا لإسرائيل بالدرجة الاولى ومدي بقاء تركيا على تواصل مع حماس وبقاء هذا الاتصال في المستوي المطلوب ليخدم اسرائيل ايضا في قضايا تيسر لها تركيا مع حماس , الحقيقة ان كل من اسرائيل وتركيا لا تريدان خسارة الاتفاق واستعادة العلاقات بقوة لغرض اقتصادي وسياسي هام وخاصة تركيا التي تريد ان يبقي لها موطئ قدم في كل مكان , هذا يعني ان علاقة تركيا بحماس ايضا ستبقي جيدة لكن دون اسناد سياسي كبير يؤثر على العلاقة مع اسرائيل .
نشرت يديعوت احرنوت العبرية البنود العلنية للاتفاق بين تركيا واسرائيل ولخصتها في ثمانية بنود نقرئها كالتالي , استعادة التطبيع بين البلدين بما في ذلك استبدال السفراء والتهيئة لان تنضم اسرائيل لحلف شمال الاطلسي دون معارضة تركيا , اطلاق يد تركيا حرة تعمل في غزة دون رفع للحصار وحدد الاتفاق بعض المشاريع التي ترغب تركيا في تنفيذها في غزة واهمها انشاء محطة لتوليد الكهرباء واخري لتحلية المياه وانشاء مستشفى ,والاهم ان هذا العمل سيتم بأيدي وخبرات تركية ولابد ان تمر الادوات والاجهزة والخبراء عبر الممرات الاسرائيلية كالموانئ والمطارات اي ان اسرائيل التي تتحكم في دخول اي دعم تركي لغزة , اما فيما يخص الاتراك الذين اعدمهم الجيش الاسرائيلي فان تركيا قبلت بأن تدفع اسرائيل 21 مليون دولار لأسر الضحايا وتقوم تركيا بالمقابل بسحب اي دعاوي قضائية بحق الضباط الإسرائيليين المشاركين في عملية الاقتحام لسفينة مرمرة وبالتالي اعدام الضحايا الاتراك , اما عن عمل حماس في تركيا فإن الاتفاق اكد على الزام تركيا لحماس بعدم العمل هناك فيما يخص تخطيط وتنفيذ عمليات ضد اسرائيل وتخفيض تمثيل حماس السياسي الى ادنى مستوي ومراقبة ومتابعة كل نشاط ينطلق من الارض التركية , المهم في الاتفاق والاهم ان اسرائيل حصلت على ما تريد واكثر فقد حصلت اسرائيل على تعاون امنى استخباراتي اسرائيلي تركي غير محدود وحصلت على سوق دائم للغاز الاسرائيلي في تركيا والدول الاوروبية وخاصة ان الاتفاق يهيئ لمد خط غاز احتياطي اسرائيلي لتركيا خلال السنوات القريبة القادمة.
لو وضعنا الاتفاق على مسطرة التقييم الدقيق والعميق لوجدنا ان الاتفاق يصب في مصلحة إسرائيل كثيرا واسرائيل المستفيد الاول امنيا وسياسيا واقتصاديا من هذا الاتفاق والمقابل فقط 21 مليون دولار تعويض للضحايا الا ان تركيا فضلت هذا الاتفاق بالرغم وتخلت عن الامل الاخير للفلسطينيين برفع الحصار عن غزة وبالتالي فإن قيمة اي دور تركي يبذل في الصراع لم يعد له اهمية وبات مشكوكا فيه , اسرائيل هنا ابقت على حصار غزة وقيدت عمل حماس في انقرة , وضمنت دعم تركي هام في الانضمام لحف شمال الاطلسي واستطاعت ان تنسق مع تركيا في التدخل في الشأن السوري ,واستطاعت بناء جسر مع العالم عبر تركيا وهي الرغبة الاسرائيلية الجامحة والتي كانت تركيا بمثابة حجر عثرة امام ذلك وهذا يعني ان اسرائيل وقوتها العسكرية على موعد مع التفوق والتطور النوعي في الاقليم بما يزيد من قوة الردع الاسرائيلي للخصوم في المنطقة ويعزز مكانة اسرائيل السياسية في العالم وخاصة فيما يتعلق بالصراع لان اسرائيل سوف تثبت ان العالم يريد لإسرائيل البقاء قوية ولن ينفذ اي عقوبات بحقها , بل ان اسرائيل هنا سوف تستفيد من تجارة السلاح والتكنولوجيا العسكرية مع دول الناتو وبالعكس, ولعل الغاز الاسرائيلي كان المحرك الحقيقي وراء الاتفاق بين البلدين وخاصة ان رجب طيب ارغان كان قد اجتمع لمدة 30 دقيقة مع وزير الطاقة الاسرائيلية (يوفال شتاينتز) على هامش قمة للأمن النووي التي عقدت في واشنطن اذار الماضي وبعد الاجتماع سارت خطوات التقارب واستعادة العلاقات بشكل سريع جدا الى ان تضمن الاتفاق في اهم نقاطه رفع مستوي التبادل التجاري والصناعي بين اسرائيل وتركيا واعتماد تركيا ناقلا وسوقا للغاز الاسرائيلي الى دول اوروبا مما يحقق لإسرائيل مليارات الدولارات ويكسر قرارات الاتحاد الاوربي من خلال تركيا فيما يتعلق بالمقاطعة التجارية والاكاديمية لإسرائيل على خلفية استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية .
بقلم/ د. هاني العقاد