القيمة الحقيقية للإنسان

بقلم: عباس الجمعة

الأمثال الشعبية التي نرددها، لها مغزى ومعنى، وهي في أحيان كثيرة تشكل معتقدات لها جذور فكرية لدينا ولدى شعوب المنطقة وخاصة المنطقة العربية، فمثلا "معك قرش تساوي قرش" مثل شائع يردده كثيرون انطلاقا من إيمانهم بأن قيمة الإنسان فيما يملكه من أموال، لكن نحن نقول لهم ان تكون انسانا تكافح في سبيل قضية محقة هذا معناه أنك تفرح في لحظة انك تمكنت من تأمين مساعدة لانسان هو في امس الحاجة لها ، وبهذا تكون قد حققت ما تسعى اليه على المستوى الانساني.

ولكن امام ما نراه هو بالفعل مأساة حقيقية اذا قدم البعض لشعبك مساعدة او قدم لمؤسسة مساعدة يريد ان يملك قرارك ، وهذا ما يجري اليوم موقفك السياسي مرهون ، وتجربتك مرهونة ، ومن يقدم لك شيئ يريد مقابله اشياء ، ولهذا ندرك أن قيمة الإنسان ليس بالذي تقدمه هذه الدولة او تلك او هذه الجهة او تلك ، فالشعب الفلسطيني قيمته ثابتة، ولكن علينا ان نسأل البعض لنقول لهم من الذي يشتريك بعد اليوم يبعيك غدا ، تساؤل كبير يخطر في بال الكثيرين، كلمات قالها الشاعر الفلسطيني الأصيل بألم وهمّ وحزن قبل عشرات السنين، ورددناها كثيراً في الكتب والمدارس، طربنا لسماعها، تباهينا حينئذ بأننا الأصحاب الفعليين للقضية فقط، وسط المؤامرات الخارجية التي كانت تحاك علينا، وهذه المرة نرددها ولكن بواقع جديد وبمعنى مختلف تماماً، نرددها بألم وحسرة، عتاب وخوف من المستقبل، لان بعض الدول تتاجر وتطبع وتريد بيع القضية الفلسطينية ، هناك جهة تريد ان يباع الوطن الجريح اليوم من أناس دخلوا معترك الحياة السياسية واستولوا على جزء منه ، وهم على قرار وقناعة واضحة بأن بيعك محلل ومشروع، استغلوا كل شيء بمسميات وشعارات كثيرة، قتلوا ونكلوا وهو يصفقون للاتفاق التركي – الإسرائيلي بتطبيع العلاقات ، إننا نعيش واقعاً مريراً يلمً بالجميع. الوطن الجريح أضحى إثنين بجناحين تقطعت أوصاله، وبات مطلوب من الجميع أن يلتزموا الصمت وسط غياب تام للقانون. أبناء غزة يصرخون ألماً، أمام الكابوس ، أو أنه الحلم المؤرق الذي لم ينته بعد، والضفة جريحة حزينة على ما حلّ، ولكن الصمت والخوف من العدوى التي ألمت بغزة ما زالت في الأذهان.

من هنا نحن دفعنا ثمن ذلك في أكثر من اتجاه، سواء بالمحاصرة السياسية في أحيان عديدة، أو في الحرمان حيث تعطى اغلبية الفصائل مساعدات مالية من دول عديدة ، بينما نحن ننتظر ما يصرفه الصندوق القومي الفلسطيني لفصائل منظمة التحرير بناء على قرار من المجلس الوطني الفلسطيني، لهذا نحن عندما نقيم علاقات مع احزاب وقوى نقيمها انطلاقاً من النضال المشترك ، وبالتالي لا تخضع العلاقة لعوامل او مصالح او فترات زمنية محددة، بل تخضع مرة أخرى للرؤية المشتركة تجاه العدو الصهيوني وحقوق الشعب الفلسطيني، وتجاه القوى المعادية لمصالح الامة العربية وشعوب المنطقة.

وفي إطار العلاقات الرسمية مع الدول ، لم نسعى الى إقامة علاقات مع بعضها نتيجة موقفها من لوحة الصراع بين المعسكرين، واعتراضا على سياساتها فيما يتعلق بقضايا الامة، ثم نتيجة قيام بعضها بالاعتراف والتطبيع مع إسرائيل، وهذا بكل تأكيد أفقد الجبهة دعماً مالياً مهماً وهو

نقيض للسياسة التي تغلب المصالح الخاصة في العلاقات مع الدول، لذلك نؤكد إن القيمة الحقيقية للنضال هو كيف نحافظ على خطابنا السياسي وواقعنا وممارستنا, وهذا غير ممكن إلا إذا استطعنا النهوض بواقعنا نهوضاً شاملاً وهذا هو التحدي الذي يواجهنا, فهل سنكون بمستوى هذا التحدي.

إن الإنسان لا يقيم بما يملك من أموال بل إن للإنسان قيمة حقيقية أسمي وأرفع من هذا وإن قيمته في ما يحمل بداخله من أفكار ومشاعر صادقة أمينة سامية هذا ما تعلمناه من القادة الشهداء وفي مقدمتهم فارس فلسطين ابو العباس، ولهذا نقول ان ما يقدم للشعب الفلسطيني من مساعدات لا تساوي نقطة دم وموقف ورأي يدافع به الانسان عن خياراته بكل شجاعة، نقول من وحي تجارب أمتنا العربية بأن ما يحصل اليوم في المنطقة من هجمة امبريالية صهيونية رجعية ارهابية تكفيرية تتطلب من الجميع استنهاض الطاقات والعمل من اجل ترسيخ وتعزيز المقاومة بمواجهة الهجمة والارهاب التكفيري، وهذا يستدعي تثوير الهامات ، لان ما تسطره المقاومة في سوريا سيكتب التاريخ عنه بأحرف من نور ونار، كما كتبت هذه المقاومة النصر المؤزر في تموز ، عبر الإرادة وبالتصميم وبالوعي، كما كان له أعمق الآثار والنتائج السياسية والعسكرية والمعنوية والاستراتيجية ، واليوم شعبنا الفلسطيني، الذي يرزح تحت احتلال بغيض ومجرم، يستمر في نضاله ويرسم بدماء شهدائه طريق النصر، كي يتسع كإشعاع الحرية على طول مساحة الصراع.

ونحن اليوم نقف على عتبة يوم تاريخي انه يوم القدس العالمي ، نقول مطلوب من الجميع استهناض الطاقات وخاصة من الذين يؤيدون حقوق الشعب الفلسطيني وكل مَن يقاوم الإحتلال الصهيوني وجرائم العدو الصهيوني عليه أن يقفوا بهذا اليوم بإهتمام كبير ومسؤولية نحو هذه القضية التي أصبحت القضية الوحيدة في العالم التي لم تحل رغم مرور ثمانية وستين عاماً ولم يستعيد الشعب الفلسطيني وطنه ولم تقام له دولة فلسطينية على أرضه كاملة السيادة ، لذلك هذا اليوم الذي أكد عليه سماحة الامام الخميني رحمه الله، هذا يوم لابد من أن يلمس الشعب الفلسطيني تأييد كل أحرار العالم لحقوقه الثابتة والمشروعة وحقه في إسترداد كل فلسطين لأنها وطن الفلسطينيين وهي جزء من الأمة وفي نفس الوقت مقدسات المسلمين والمسيحيين.

وأخيرًا : قيمتنا في أعمالنا وداخلنا، ومخطئ وواهم من يظن أن قيمته خارجا عنه، ونحن ندرك أن المرحلة صعبة ، وقرارنا الصمود والتشبث بمنظمة التحرير الفلسطينية والحقوق وبالانتفاضة والمقاومة وبالجماهير صانعة التاريخ .

بقلم/ عباس الجمعة