في ذكرى يوم القدس العالمي .. للخروج عن المألوف

بقلم: عباس الجمعة

يوم القدس العالمي يجب ان يشكل محطة استنهاض لكافة الشعوب العربية والاسلامية واحرار العالم باعتبار ان القدس تحظى بمكانة رفيعة لدى الشعوب ، ونحن نؤكد بأن هذا اليوم ليس مجرد ذكرى إنما مناسبة عربية وإسلامية واممية لفك الحصار عن القدس وأهلها، لان ما يجري في المدينة أبشع واخطر مخطط يجري تنفيذه في ظل الانشغال العربي والإسلامي في قضاياهم الداخلية التي حركتها القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية ،ما أعطي إسرائيل فرصة الاستفراد بالقدس وأهلها لتنفيذ اخطر مشروع تهويدي للمدينة وتصفية الوجود الفلسطيني في المدينة المقدسة.

إن يوم القدس العالمي هذا العام يأتي في ظل التطورات التي شهدتها المنطقة والعالم، حيث يأتي الاتفاق التركي – الإسرائيلي بتطبيع العلاقات بين الدولتين بينهما من خلال تطبيع العلاقة بين الدولتين ، حيث يشكل هذا اعادة رسم تحالف إقليمي تكون "إسرائيل" مكوناً رئيسياً فيه، واعطاء الكيان دور سياسي مشترك في الإقليم، وهو ما يدحض الادعاءات التركية التي لم تتوقف بشأن فك الحصار عن قطاع غزة كشرط لتطبيع العلاقات، وهو ما تم تجاوزه ، اضافة الى ما رأيناه من تنصيب كيان الاحتلال الصهيوني رئيساً للجنة القانونية في الأمم المتحدة، والمشاركة العربية والفلسطينية مؤتمر "هرتسيليا" الصهيوني الـ 16، هذا المؤتمر الصهيوني الخطير يناقش السبل الأنجع لحماية الصهاينة وكيانهم العنصري،وما يجري ايضا في العالم بأسره الذي يئن من تنامي الجرائم الارهابية، حيث تدفع الشعوب العربية والعالمية ثمناً باهضاً ، وخاصة ان القوى الارهابية تحولت الى قوى فتاكة تهدد امن الشعوب واستقرارها،وتؤجج المشاعر المعادية للاسلام والمسلمين، وتساهم في تخفيف الضغط على اسرائيل التي ترتكب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، ومن هنا نؤكد أن الإرهاب لا حدود له ما لم تتم مواجهته باستراتيجية شاملة تؤدي لاجتثاثه من خلال التصدي لمنابعه الفكرية المتطرفة وإغلاق منابره، ووقف كل أشكال الدعم المباشر او غير المباشر له، وخاصة أن الشعب الفلسطيني الذي إكتوى بنار الإرهاب الصهيوني، وبنار الإرهاب في أكثر من بلدٍ عربي يطالب جميع الاحزاب والقوى العربية واحرار العالم والشعوب العربية والاسلامية اليوم باستنهاض الطاقات لمواجهة الخطر الداهم ، كما يستدعي من جميع فصائل العمل الوطني الفلسطيني بالتوحد لمواجهة الاخطار التي قد تترتب على التحالف الجديد الصهيوني التركي وما يجري من عملية تطبيع مفضوحة من قبل انظمة عربية والهدف من كل ما يجري هو تصفية المقاومة الفلسطينية القضية الفلسطينية.

إن شعوب العالم ستثبت مرة أخرى بمشاركتها الحماسية في مسيرات يوم القدس العالمي، بأن الاحتلال الصهيوني لا مكان له على ارض فلسطين والاراضي العربية المحتلة ، ونحن نؤكد بأن القدس تحتاج إلى أكثر مسيرة ويوم وخطاب ل بدعم معنوي ومادي فعال مع حضور عربي وإسلامي وممارسة ضغط على مراكز القرار المؤثر في العالم ودعم أهالي القدس ودعم صمود الشعب الفلسطيني وخيار الوحدة الوطنية والانتفاضة والمقاومة .

إن هذا اليوم يعتبر احد المفاتيح الهامة للشعوب العربية والإسلامية وللضمائر الحية المؤمنة بالعدالة الإنسانية، وعلينا جميعا إنجاح بالدعو الى انهاء الانقسام الكارثي والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية وحماية منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني والتمسك بكافة وسائل النضال ، وبذلك نكون اوفياء لتلك الصرخة المدوية التي اطلقها الإمام الخميني في 7/8/1979،بإعتبار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان من كل عام، يوماً للقدس العالمي ، حيث شكلت هذه الصرخة لدى الشعب الفلسطيني وقيادته وفي مقدمتهم الرئيس الشهيد ياسر عرفات علامة مضيئة في تاريخ العالم العربي والاسلامي والعالمي، حيث اصبح هذا اليوم يوم تاريخي لدى كل أحرار العالم ليتذكروا حقوق الشعب الفلسطيني وتضحياته.

من هنا نرى انه في ظل تعاظم الصعوبات والتحديات, أن لا نكتفي باليوم العالمي للقدس, بل حتى يكون هناك كل يوم هو يوم القدس العالمي ليشكل هذا اليوم ملحمة كفاحية لدى الشعب الفلسطيني وكل حر وشريف في هذا العالم يسعى للانخراط الجدي الحازم في مواجهة المخططات والمشاريع الصهيونية, ومن هنا تبرز قيمة ما تدعو إليه الجمهورية الإسلامية الإيرانية, من تقديم برنامج مقاومة وتحرير يواجه المحتلين الغزاة على كل الأصعدة, والمستويات السياسية, والعسكرية, والاقتصادية.

وامام يوم القدس العالمي الذي يتزامن مع انتصار تموز الاسطوري نرى ما يقوم به حزب الله الذي جعل من فلسطين وقضيتها بوصلته الأولى, نعم إن أي قوة مهما تقول عن نفسها, أن لم تجعل من فلسطين والقدس بوصلتها الرئيسية فهي تقع بخطأ كبير, لأنه ينبغي الإمساك دائماً بالحلقة المركزية والتي تمسك بمجموع السلسلة،وفلسطين والقدس هما معيار الجدية, ومقياس المواقف في مواجهة الكيان الصهيوني الذي يدنس يومياً كل المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس ويسعى لتغيير معالم المدينة المختلفة التاريخية, وغير التاريخية, والاستيلاء على مساكن أبناء القدس العرب, وطردهم منها واحتلال مستوطنين صهاينة بدلاً منهم.

وامام هذا اليوم العظيم يوم القدس العالمي لا بد من التأكيد أن معركة الأسرى في ظل الانتفاضة الفلسطينية المستمرة هي رافد أساسي في مقاومة الاحتلال من خلال عمليات الاضراب أو بكل ما يقام به من خطوات نضالية على ساحة الأسرى، إن الشعب الفلسطيني في كل تجمعاته مطلوب منها دعم الحركة الاسيرة لأن الأسرى يمثلون مفخرة الشعب الفلسطيني فهم الفدائيون الحقيقيون الذين ناضلوا في صفوف فصائلهم وفي صفوف الثورة الفلسطينية، وهم من عبَّر تعبيراً حقيقياً عن أهداف وآمال الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتهم القادة مروان البرغوثي وأحمد سعدات وقامات الأسرى والمعتقلين وأسيراتنا وأطفالنا ،مما يستدعي ان تبقى قضية الأسرى قضية مركزية وركن أساسي من أركان مسيرة النضال الوطني الفلسطيني لدى الشعب الفلسطيني.

إن الحلول والمفاوضات أصابت القضية بالضرر الكبير وخاصة ما تقوم به حكومة الاحتلال من تكريس مخططاتها الاستيطانية بالتهويد الشامل لمدينة القدس, مع الاستفادة القصوى من الظروف العربية (المجافية) بسبب ما يجري في أغلب بلدان الطوق, وفرت للاحتلال أن يمارس مخططاته بكل سهولة وأريحية،ولكن رغم حجم التآمر على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة بسبب الصعوبات, والصراعات الجارية في أغلب بلدان الطوق العربي, الا ان انتفاضة الشعب الفلسطيني ترسم خارطة فلسطين بالدم.

ان ما نراه اليوم من تصعيد المواجهة بين الشعب الفلسطيني رداً على جرائم الاحتلال الصهيوني المتصاعدة ، خاصة الاعدامات الميدانية التي ينفذها جنوده الجبناء ضد شبابنا وأطفالنا، والتي كان اخرها الشهيد يدعى محمد الطرايرة من بلدة بني نعيم شرق مدينة الخليل،تؤكد فاشية وعنصرية هذا الكيان العاجز على مواجهة قوة وقدرة الشباب الثائر، مما يستدعي الالتزام بالخطاب السياسي الذي لا يتعارض مع حالة الإجماع الوطني والمزاج الشعبي الفلسطيني، ومستوى تضحيات الشباب الفلسطيني الذين يقدّم روحه من أجل الوطن.

ختاما : نؤكد على اننا بحاجة الى الخروج عن ما هو مألوف،نحن بحاجة الى مواقف عملية،تخرج عن كل الأشكال والسياقات القديمة،بدل المبالغ التي تصرف للصراخ والهتاف وغيرها، تبرعوا من اجل إقامة مشاريع إسكان في القدس،تحمي الأرض من خطر المصادرة،تبرعوا من اجل بناء مدارس في القدس،تثبت الطلبة في مدينتهم،وتحمي ذاكرتهم ووعيهم من خطر التشويه والإحتلال، فإحتلال الوعي يعادل إحتلال الأرض ، وتشكيل جبهة شعبية عربية وعالمية داعمة للجان مقاطعة الاحتلال ومقاومة التطبيع ، لأن كل ذلك يشكل رافعة حقيقية تسهم في التصدي للمخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية عموماً والقدس على وجه الخصوص, وباقي التحديات الكبيرة التي تواجه الأمتين العربية والإسلامية.

بقلم/ عباس الجمعة