من عجز عن تحرير أسراه، خسر دينه ودنياه

بقلم: فايز أبو شمالة

كم كان مهيناً لحقوق الإنسان حديث الدكتور صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وهو يقول رداً على تقرير الرباعية المجحف بحق الشعب الفلسطيني: إن استئناف أي عملية تفاوضية ذات جدوى يتطلب تنفيذ جميع الاتفاقات الموقعة، والالتزام بالشرعية الدولية ومرجعيات التسوية ضمن سقف زمني محدد، بما في ذلك وقف الاستيطان بشكل كامل، والإفراج عن الأسرى وخاصة أسرى ما قبل أوسلو.
فكيف تخص أسرى ما قبل أوسلو بالإفراج يا دكتور صائب، وقد مضى على الأسرى الذين سجنوا بعد أسلو أكثر من 23 عاماً خلف القضبان؟ فأي إهانة لحقوق الإنسان هذه، حين تطالب بالإفراج عن أسرى ما قبل أوسلو، وتتخلى عن أسرى ما بعد أوسلو؟ في الوقت الذي لا يلهث فيه المحتل الغازي على مفاوضات كما تشترط منذ أكثر من عشرين عاماً، دون جدوى، فالمحتل الإسرائيلي الذي يعمل كل يوم على ترسيخ المستوطنات لن يجلس معك، ولن يفاوضك، لأنه لا يراك نداً، ولا يعترف بك كفؤاً، وهو موقن بأنك غير قادر على فعل أي شيء يؤذيه، أو يحرفه عن تحقيق أمنه، أو يشغله عن تحقيق أطماعه الاستراتيجية التي تقوم على ضم الأراضي التي يزعم أنها تعود لأجداده، وقد اغتصبها أجدادك لمئات السنين بالقوة والظلم.
إن تقرير الرباعية الذي رأي فيه البعض إهانة للقضية الفلسطينية، حين ساوى بين الجلاد والضحية، هذا التقرير من وجهة نظري لم يأت بجديد، فهو يحاكي الواقع السياسي الذي أوصلتنا إليه القيادة السياسية، التي ما كان عليها أن تتوقع تقريراً أحسن حالاً من هذا التقرير، الذي يحاكي المعطيات القائمة على الأرض، والتي أنتجتها السياسة الفلسطينية عبر السنين.
وللعلم فإن الرباعية الدولية قاضٍ عاقل موزون رزين، لا يحكم بين المتخاصمين على ضوء الحقوق الشرعية وقرارات الأمم المتحدة، الرباعية الدولية تقرر على ضوء موازين القوى القائمة على الأرض جيداً، وتعرف عناصر الضعف لكل فريق، وهي تقضي بين المتخاصمين على ضوء البينات وليس وفق حسن النوايا، مثلما حدث مع الأعرابي الذي لجأ إلى القضاء يشكو ظلم شيخ العشيرة له، ويطلب منه حقه.
وكان الأعرابي قد أحضر فرسه المميزة الرائعة إلى مضارب شيخ العشيرة الغني القوي القادر، وقال الأعرابي لشيخ العشيرة: سمعت أن لديك حصاناً موصوفاً بالقوة والسرعة.
قال شيخ العشيرة: نعم، هو كذلك.
قال الأعرابي: أريد لفرسي هذه المميزة الرائعة أن تتلقح من حصانك المميز الرائع.
قال شيخ العشيرة: اترك فرسك في مراعينا، وتعال بعد عام لتأخذها هي ومهرها الرائع.
وفي الموعد، عاد الإعرابي، وطلب فرسه ومهرها، وكان شيخ العشيرة قد أعجب بالمهر، وطمع فيه لنفسه، فقال للإعرابي: اذهب مع الرعيان، وخذ فرسك، ووليدها.
وتفاجأ الإعرابي أن فرسه قد ولدت خروفاً، فاندهش، وتعجب، وذهب للقضاء.
استمع القاضي إلى حجة الإعرابي، الذي لا يمتلك شاهداً واحداً، واستمع القاضي إلى حجة شيخ العشيرة، الذي جلب عشرات الرعيان؛ ليشهدوا بالله العظيم أن هذه الفرس قد ولدت هذا الخروف الذي يعتلي ظهره الصوف.
وحين اجتمعت الرباعية لتقضي بين الإعرابي وشيخ العشيرة، صدر عنها العبارة التالية: إذا كان الحيل قد الحيل، الخيل يا أعرابي تلد الخيل، وإذا ما كان الحيل قد الحيل، الخيل يا قيادة السلطة الفلسطينية تلد خرافاً وماعزاً وقد تلد أرانب، وتقريراً يصدر عن الرباعية ينتقده البعض، ويظنون أنه مجحف بالحقوق الفلسطينية، دون أن يراجعوا سياستهم الفاشلة التي أعطت للرباعية كامل الصلاحية كي تصدر تقريراً ظالماً فاسقاً.
ولو أدرك أعضاء الرباعية أن الانتفاضة العملاقة متواصلة بعنفوانها، وتشكل خطراً على المستوطنين، لكان تقريرهم مغايراً تماماً لما جاء عليه، ولكن إسهامات السلطة في قمع الانتفاضة، وسجن المنتفضين، وتفتيش حقائق طلاب المدارس أسهم في صدور تقرير الرباعية على هذه الحالة التي تتطابق مع السياسة الفلسطينية.
فإذا قال البعض: هيا إلى المصالحة، لمواجهة العدو صفاً واحداً، أقول: هيا إلى المحاسبة، ومعرفة الأسباب التي أوصلت قضيتنا إلى هذا المستوى من التجاهل الدولي والإهمال، هيا لنعالج الأخطاء أولاً، ثم نبدأ معاً من جديد على طريق رشيد.
د. فايز أبو شمالة