للفلتان والفوضى صور متعددة في المجتمع الفلسطيني

بقلم: سهيله عمر

يدور الحديث اليوم حول الفلتان الامني الذي نشا في الضفة على اثر الخلافات العائلية. وانا اكتب مقالي هذا للتذكير ان الفلتان الامني ليس بالضروري ان يكون يشكل مسلح بين اطراف متنازعة، لكن قد يأخذ صور اقبح بكثير تبرز من خلال الاهمال والفوضى في كافة المؤسسات والتقارير الكيدية واستشراء الواسطة والحزبية. لعل الذي يعيش في غزه ويخرج للدراسة او العمل بدوله بالخارج، سيلفت انتباهه النظام في كافة العالم مقارنه بفلسطين. كل شيء عندهم بالطابور والدور، اما عندنا فالفوضى فقط ما يسود الموقف بسبب غياب الرقابة والمحاسبة. واليكم بعض صور الفوضى التي نراها في المجتمع الفلسطيني:

1. الفوضى خلال معاملاتنا: لا وجود للطابور في العرف الفلسطيني. تتحدث مع موظف فاذا بشخص اخر يقاطعك ويأخذ دورك فيعطيه الموظف اهتمامه، وتنتظر ان يتم معاملته ثم تتفاجأ بشخص اخر ومن بعده اخر. هنا تجد ان عليك ان تنتظر طويلا حتى يوليك الموظف اهتمامه فتفقد اعصابك وتتشاجر مع الموظف ويلتفت جميع من في المكان للمشاجرة وقد تحملك ادارة المكان الذنب وتخرج غاضبا بدون انجاز المعاملة. للأسف يسود هذا حتى في اكثر الاماكن التي مفترض ان تتمتع بالنظام كالبنوك والمؤسسات الحكومية والشركات الخاصة والعامة. ويمتد حتى للمحلات التجارية والمطاعم. وصلب المشكلة هو ان الموظف او العامل نفسه لا يحرص على ترتيب الدور ويسمح لمقاطعته خلال تعامله مع المواطن.

2. الفلتان الامني على اثر الخلافات العائلية. رايت هذا النوع بعيني قبل الانقسام حينما تهجمت عائله كبيره تربطنا معها قرابه ونسب عميق على عائلتنا الصغيرة، فاستخدم احد افراد العائلة سلاحه ليطلق طلقه في الهواء وكان يعمل بالأمن لتفريق العائلة الاخرى، فأصابت خطأ احد افراد العائلة الاخرى. هنا اشتد النزاع وحاولت العائلة الاخرى حرق بيوتنا وقامت بترحيل جميع الافراد الذين يحملون نفس اسم العائلة من المدينة. استغربت ان تحاسب اسرتنا والكثير من الاسر الاخرى على عمل يقوم به شخص لم يكن يربطنا به أي قرابه دم وكل ما يربطنا معه اسم العائلة. كما ان القتل خطأ بشهاده جميع الشهود بعد تهجم العائلة الاخرى واستقوائها علينا. استنجدت كثيرا بالأجهزة الأمنية فقالوا لي انهم لا يستطيعون اعادتي للبيت لا ن العائلة الاخرى مسلحه وكبيره جدا ويجب ان نبقى بعيدا عنهم حتى يحدث صلح. بقينا مرحلون لمده عام من بيوتنا حتى قبلت العائلة الاخرى الديه واضطرت ان تدفع كل اسره 1000 دينار اردني لتعود لمنزلها. بعد مجيء حماس كانت تعرف ان هذه المشكلة تؤرق امن قطاع غزه فقامت بسحب الأسلحة من جميع العائلات وان كان تهدف التقليل من الفلتان الامني من ناحيه، لكن كانت تهدف ان تبقى مسيطره على القطاع من جهة اخرى.

3. الفلتان الذي يحدث خلال العمل في المؤسسات الحكومية والأهلية حيث يوضع الموظف تحت رحمه مديره ان شاء فعله وان شاء همشه واشاع عنه انه لا يصلح. والذي يحدث ان المدير الذي اخلاقه سيئة ومؤهلاته ضعيفة عندما يرى ان الموظف الذي تحته عالي في مؤهلاته يلجأ لتهميشه، وعندما لا يتحمل الموظف ذلك يبدأ بالشكوى للإدارة يطالب بنقله لا داره اخرى ولكن يجب ان تمر بالتسلسل الوظيفي من خلال المدير الذي يبرر تهميشه كما يشاء، فيدعي انه لا يصلح للعمل وسلوكياته سيئة، ومن هنا تأخذ ادارة المؤسسة موقف ضده ويبدا مسلسل تصفيته. يضطر الموظف الشكوى على من يكيدون ضده في المجلس التشريعي ومجلس الوزراء او النيابة او مؤسسات حقوق الانسان، فيوصدون الباب بوجهه بحجة انها مشكله داخليه. هذا مسلسل للقهر الوظيفي الذي يتعرض اليه كافة الموظفين في الدولة، فمن يحمي الموظفين من المؤامرات.

4. الفلتان الذي يحدث من خلال التعيين بالواسطة والحزبية في المؤسسات. ابرز صوره هو معاناتي للتوظيف في سلطة الطاقة وشركات الكهرباء في غزه بسبب احتكار هذا القطاع من قبل مجموعه من المتنفذين من فتح قبل الانقسام، ثم من حماس اليوم، مع انني حاصله على دكتوراه بالطاقة وخبيرة في مجال تكنلوجيا المعلومات، خشيه وصولي لمنصب عالي. مع ان جميع من يعملون غير حاصلين على أي درجه في هندسة القوى حتى بمستوى البكالوريوس. كان يتم استقبالي كلما توجهت لطلب بالعمل لديهم منذ عام 1998 بأساليب استخفافيه مريبة والعبارة الدارجة للزحلقة لديهم: " بما انك حاصله على دكتوراه في الطاقة، لماذا تطلبين العمل بسلطة الطاقة او شركات الكهرباء، ابحثي عن جامعه او هاجري"، وبهذا يشعرونك وكأنك اتيت للعمل في المكان الخطأ ويكرهونك اليوم الذي تخصصت فيه بالطاقة. ويستطيع القارئ العودة لمقالي حول هذا الموضوع "من فنون نهج الاقصاء الوظيفي في سلطة الطاقة وشركات الكهرباء في غزه". وسؤالي لمن يستطيع المؤهل ان يشكوا من النفوذ المطلق وظلم المسئولين الذين يعينونهم لنا بدون أي محاسبه ؟؟

5. الفلتان الذي يحدث من خلال وضع شروط تعجيزيه في الاعلانات الوظيفية بعيدا عن المهنية. اعلانات التوظيف الحالية في اليلديات وشركة الكهرباء للتوزيع ومعظم المؤسسات الحكوميه قائمه على اساس اقصاءي بحت حيث يتم اشتراط السن اقل من 30 عام لتوظيف موظفين جدد مما يمنع قطاع واسع من الشباب من التقدم للعمل ، وان وجدت اختبارات فهي خيار من متعدد ومليئة بالأخطاء –حسب ملاحظتي- وكأنهم يبحثون عن عرسان وعرائس . اما اعلانات مدير فهي ايضا تحدد السن اقل من 40 عام او 45 سنه وتكون اعلانات وهميه بمقابلات شكليه وبدون أي اساله مهنيه او معايير حتى على مستوى الشهادة العلمية ومن ثم نجد ان الكرسي محجوز مسبقا.

6. فلتان الاهمال الطبي الذي يحدث في المستشفيات. وابرز مثال انه بمجرد ان يعجز طبيب من علاج مريض لتعقد حالته، يفتعل مشكله معه ويزحلقه بدل تحويله. واحد صور الزحلقة ان يطالبه بتحويله من مستوصفه او من مستشفى اخر قريب لبيت المريض متجاهلا ان لديه ملف يراجع عليه في القسم من مده طويله لنفس الحالة. يخرج المريض ليرفع الشكاوي لمدير المستشفى ووكيل وزارة الصحة من اساءة معاملته واخذ حقه من التحويل بالخارج ولكن لا حياه لمن تنادي ويضيع حقه فأطباءهم لهم النفوذ المطلق حتى لو زهقت ارواح بسبب اهمالهم.


7. الفلتان الذي يحدث بالجامعات. جامعاتنا تتبارى في الدعاية بشفافيتهم ودقه عملهم، الا انهم اول من زرعوا فوضى الكذب والواسطة والمحسوبية في المجتمع وباتت جامعات تجاريه بالمقام الاول. جامعات فتح لتعيين ابناء فتح حصرا وجامعات حماس لتعيين ابناء حماس، وكل منهما يتباهى بشفافيتة في تعييناتهم وهم يعرفون ان تعييناتهم تتم بالواسطة والحزبيه . واذا تذكرت الجامعة دكتور جامعي فهي تطالبه بالعمل التطوعي حتى تمن عليه بشيء مستقبلا. واذا اشتكى دكتور من سياساتهم يضعون عليه مليون علامة اكس لان الشكوى من الظلم في عرف الجامعات تشهير.

8. معبر رفح صوره خاصه للفلتان والفوضى. من يسجل للسفر ينتظر سنتان حتى يخرج اسمه للنور بالقوائم فتكون المصلحة ضاعت. ترى أي جهة ممكن تتعاقد مع شخص في غزه وهي تعلم انه سيحتاج على الاقل سنتان للخروج من غزه، ومع كل معاناتنا وتعطل مصالحنا بسبب اغلاق المعبر نجد ان حركة حماس تتمسك به وقد احتلته فرفضت مبادرة معبر رفح مطالبه ان بتم دفع رواتب كافة موظفيه لتسمح بعوده حرس الرئيس لتجعل مصالحنا العامة رهينه لمصالحها الفئوية. ترى من يعوض الناس على ضياع مصالحهم ؟؟

9. كهرباء تفتقد ادنى درجات الجودة. تعلن الشركة عن جدول ال 8 ساعات وصل و8 ساعات فصل الا ان المواطن يتفاجأ معظم الايام ان الكهرباء لا تصله الا 6 ساعات باليوم بحجج واهيه من الشركة. وحتى عندما تجيء تكون جدا ضعيفه ولا تستطيع ان تشغل نيون. وفي نفس الوقت تطالب الشركة المشترك بفاتورة عالية وكانه يحصل على كهرباء 24 ساعه. من يستطيع محاسبة مسئولي الطاقة على اهمالهم ؟؟



من ينقذ فلسطين من كل اشكال الفوضى التي ذكرتها، مجلس تشريعي معطل و كتله حماس تستقبل الشكاوي بالحفظ فهي لا يمكن ان تساءل وكلاء وزراتها القديسون الذين قامت بتعيينهم في ضياع حق أي مواطن. دوائر مكافحة الفساد وحقوق الانسان والرقابة الإدارية والمالية جدا ضعيفة خاصه في وضع الانقسام وتستقبل الشكاوي بالحفظ بحجه ان هذا ليس في نطاق عملها. النيابة والقضاء لا تستقبل الا شكاوي بخصوص مخالفات جنائية. حكومة الوفاق نطاق صلاحياتها في مناطق معينه من الضفة وعندما تريد ان تلاحق مجرما تجده يهرب الى مناطق C وهي تحت السلطة الإسرائيلية، اما غزه فحماس ترفض تمكينها بها الا في حدود تمويل سيطرتها بها.

سهيله عمر
[email protected]