يعتبر "ماكس فيبر" أن (البترومونيالية) تمثل توسعاً وامتداداً عسكرياً وإدارياً للسلطة العائلية أو العشائرية أو الاسرية. ولا يعاني الباحث في إدراك مضمون النظام السياسي الفلسطيني عن حقيقة أنه نظاماً بترومونيالياً . بحكم ما يتضمنه هذا النظام لأغلب العناصر والسمات التي تنطبق على النظم البترومونيالية. فالشخصانية ( (personalismسمة رئيسية للنظام السياسي الفلسطيني. إذ أن الرئيس هو الحاكم الذي يمثل محور النظام السياسي. وهو يقوم من خلال شبكة علاقاته الشخصية بتوجيه واتخاذ جميع القرارات السياسية. والقرارات التي يتم اتخاذها من قبل عناصر القيادة بشكل ذاتي -إذا حدثت- فإنها عادة تكون قرارات تعبر عن إرادة الرئيس.
ولا يتمتع ذوو المناصب الحكومية أو المؤسسات بأي وزن ذاتي. بيد أن المسألة في إطار النظام الفلسطيني تنحصر حول تعميم للعلاقات الأسرية وفى غياب لدور المؤسسة في اتخاذ القرار. ويظل الأهم في توزيع الأدوار والمهام على الأعضاء هي شبكة العلاقة الشخصية مع الرئيس.
تستند سلطة الرئيس في النظام البترومونيالي إلى الاعتراف بالسلطة الشخصية له من جانب المعاونين والأنصار والموظفين. كما أن علاقته بأتباعه ليست علاقات تسوية. بل تقوم على اعترافهم المطلق بشرعية حكمه. ولا يشتغل المحيطون به بوظيفة إدارية معينة أو وضعاً تقليدياً عادياً0 إنما يدور الأمر حول أتباع شخصيين يتصرفون بدافع الحماسة أو الولاء لشخص الرئيس أو يتلقون تفويضاً لأمر ما أو ينجزوا لحسابه مهمات خاصة يكلفون بها.
من جهة أخرى يتميز النظام السياسي الفلسطيني بـ(النسبية) التي تعتبر أحد مكونات النظام البترومونيالى. ويقصد بها: أن شبكة العلاقات الشخصية -وهى الحلقة المحيطة بالرئيس- والمكونة من المستشارين والوزراء والأشخاص الثقاة للرئيس هي حلقة غير ثابتة. وتعتبر مكانة الأشخاص القريبين من الرئيس أو ذات النفوذ الكبير، وأولئك الذين يلعبون دوراً هاماً في صناعة القرار وعمليات التأثير وتقديم الاقتراحات والانتقاد هي الفئة التي تشكل النخبة الحاكمة بصورة فعلية -رغم أنها غير رسمية-. إلا أن ذلك لا يلغى مركزية الرئيس الذي يكون هو من فوضهم من ناحية، وإمكانية فصلهم أو تهميشهم من الرئيس نفسه إذا أراد من ناحية ثانية، بمعنى، وجود المركزية بمفهومها المزدوج من حيث مركزية شخص الرئيس في النظام باعتباره المرجعية العليا لكافة المؤسسات الفلسطينية، ووجود مركزية أيضا لنخبة السلطة على المجتمع. وهذا ما جعل مسار العلاقة والاتصال بين السلطة الفلسطينية والمجتمع تمر عبر هذه الإدارة البيروقراطية.
ويتسم النظام السياسي الفلسطيني بسمة بترومونيالية أخرى حيث أنه نظام (غير رسمي) ، فأغلب عمليات التخطيط والمفاوضات تتم خارج أطر المؤسسات الوطنية الفلسطينية بدءً من المجلس التشريعي الذي يفترض أن يقر السياسات والبرامج واستراتيجيات السلطة مروراً بمجلس الوزراء الذي يجتمع بشكل روتيني ودون إشراكه بأية قضايا رئيسية في المفاوضات أو قضايا التمويل الخارجي أو الأمن أو خطط التنمية. ولا يلتزم الرئيس عادة بالتشريعات أو القوانين. فالرئيس الفلسطيني يلعب دوراً مركزياً كبيراً من خلال ترأسه لعدد من المؤسسات الهامة فهو رئيس م ت ف، ورئيس السلطة الوطنية، ورئيس اللجنة المركزية لفتح، ورئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، ورئيس اللجنة العليا للمفاوضات وغيرها من المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية.
وتماهياً مع المضمون البترومونيالي، تأتي اختيارات الرئيس انتقائية. وكثيراُ ما تستند إلى العلاقات الشخصية التي يقيمها. فتتجاوز عندئذ المعيار الطبقي والاجتماعي. ويلاحظ أن الأفراد المنتمين إلى أوساط طبقية متواضعة أميل إلى التدبر في علاقتهم مع السلطة بالمقارنة مع البرجوازية التقليدية. خاصة تلك التي لديها طموح يتجاوز العمل الاقتصادي إلى تعزيز مكانتها وتقوية نفوذها. فيصطدمون بتخوم محظور عليهم اختراقها. خاصة تلك التي يرى الرئيس أنها تعارض سياسته ومناطق نفوذه أو تسعى لتعزيز علاقاتها في مواقع لا تخدم سلطته.
وأخيرأ، يلاحظ تفشى الزبائنية في نظام الحكم الفلسطيني التي عززتها آليات عمل النظام السياسي للسلطة الفلسطينية، ونظام الانتخابات القائم على تعددية الدوائر التي تعزز الولاءات التقليدية مما يسمح بنشاط أوسع للتضامينات القرابية والجهوية على حساب الوحدة الوطنية . أو من خلال مفاعيل وديناميات الآليات التنظيمية لفتح التي كرست مفهوم الزبائنية بعمق لدرجة ارتبطت بثقافة تنظيم بأكمله، خاصة مع تراخي أو غياب معايير ناظمة للعمل الحركي. أو مؤسسات رقابية حقيقية. أو فعالية جدية لمؤسسات فتح الحركية. وتتدرج هنا الزبائنية بطريقة تبدأ بالقائد ورئيس الحركة الذي يقتسم مجموعات زبائنية كبيرة مروراً بأعضاء اللجنة المركزية ، ثم بالتوالي وصولاً لأعضاء الاقاليم وأمناء سرها.
د. عبدربه العنزي