قبل أن نفشل

بقلم: محمد المصري

استدراكاً لما ذكرته حول احتكار أدوات القوة واستخدامها من قِبل السلطة – أي سلطة وكل سلطة – فإن ذلك يعني على المستوى النظري أن السلطة وبغض النظر عن كونها سلطة ذات مرجعيات ديموقراطية أو ديكتاتورية ، فإنها لابد لها من استخدام أدوات القوة لتستطيع تنفيذ مهام السلطة أو مهام الدولة .

والفرق بين السلطة الديمقراطية والسلطة الديكتاتورية ، أن الأولى تستثمر القوة من أجل التقدم ، ومن أجل المستقبل ، ذلك أن تداول السلطة واحترام القوى الفاعلة وتدوير الحكم يعني الحفاظ على فعالية المجتمع وقدرته على المحاسبة والجدل والاختلاف واكتشاف أسباب التقدم والازدهار ، وعلى العكس من ذلك ، السلطة الديكتاتورية التي تستخدم القوة وأدواتها من أجل الحفاظ على مصالحها وأجنداتها التي لا تفرق بينها وبين ما تدّعيه أنه مصلحة الوطن .

النظم الديكتاتورية عادة ما تُطابق بين مصالحها ومصالح الدولة ، والفرق في هذه الحالة بين السلطتين –الديكتاتورية والديمقراطية – فرق في مفهوم الدولة ومفهوم المجتمع ، وبالتالي مفهوم استخدام القوة .

ولهذا ، وعودة إلى ما ذكرته سابقاً حول مواقف حماس تجاه بعض العائلات في قطاع غزة ومن ضمنها عائلتي ، فإنني أقول وأكرر أنني على المستوى الشخصي أعتقد أن ما فعلته حركة حماس تجاه هذه العائلات كان استثماراً سياسياً خاطئاً جداً ، لأنه استثمار يصب في مصلحة الحركة ولا يصب في مصلحة القطاع ، ولم تُفرّق الحركة حتى اللحظة بين المصلحتين ، وهذا هو خطأ كل من لا يعتقد ولا يؤمن ولا يمارس تدوير الحكم من خلال آليات وأدوات ديمقراطية حقيقية ، هذا أولاً ، ثانياً فإن عائلات غزة وأهلها الكرام الطيبين هم الذين حملوا وتحمّلوا الهَمّ الفلسطيني من ما قبل النكبة وحتى الآن ، واستطاعت غزة أن تكون الرائدة في ذلك من خلال أول حجارتها وأول رصاصاتها وأول إنجازاتها ، وفي ذلك ، فإن عائلة مثل عائلة حلس ، لا يمكن أن تُجازى أو تُقابل بمثل هذه التصرفات ، فهي عائلة كريمة وممتدة ، وقدمت الشهداء والقادة والنماذج العالية في كل المجالات ، وكانت وما زالت قِبلة العائلات ، ومرجعاً لحل المشاكل ، وشكّلت وعلى مدى تاريخها رافعة اجتماعية ونضالية ساهمت وما تزال في العمل الوطني والاجتماعي ، وبالتالي لا يمكن فهم أو تبرير التصدي لها بهذه الطريقة تحت اسم محاربة الفلتان .

إن اللجوء للحل الأمني باعتباره الحل والأداة هو من علامات ومزايا السلطة الديكتاتورية ، وهذا فرق آخر بين السلطة الديكتاتورية والديمقراطية ، لأن الحل الأمني هو ممر إجباري ومؤلم ومكلف قد لا يقود إلّا إلى مزيد من التأزيم والاشتباك ، الحل الأمني هو مجرد حُقنة مساعدة ومهدئة ومهيئة للحلول ، تُعطى في الوقت المناسب وبالشكل المناسب ومع الجهة المناسبة .

إن هذا الكلام يجرّنا مرة أُخرى إلى الكلام عن الفلتان الأمني ، وأسبابه ودوافعه ونتائجه والمستفيدين منه ، وفي هذه الصدد أقول أن الحل الأمني لا يكفي إطلاقاً وأن استخدام رجل الأمن كيفما اتفق وأينما اتفق مسألة خطيرة ، إن الحلول الأمنية هي إجراءات وليست وصفات سحرية ولا نهائية ، وبهذا الصدد ، أليس من الواجب الآن بل من الضرورة الوطنية تعيين الشواغر المطلوبة في وزارة الداخلية بصلاحيات واسعة ومحددة ، تلك الشواغر التي تُركز القرار وتُنسق الجهود وتستطيع وضع سياسات أمنية استباقية واعتراضية ، لا تمنع الفلتان أو تقلله ، وإنما تقطع الطريق على أية سياسات أخرى قد تجعل من أمن الوطن والمواطن عُرضة لكل التدخلات .

إن من أهم مكونات العقيدة الأمنية لدى أجهزة الأمن في السلطة هو حماية الوطن والمواطن ، وعليه ، فإن الفشل في هذه المهمة قد يعني الكثير الكثير ، وأنا هنا أحذر من التبعات .

لماذا لا يكون لدينا وزير داخلية متفرغاً لهذا العمل ، ونحن الآن بحاجة لضبط الأمن الداخلي ، مع كل الاحترام لمعالي رئيس الوزراء الذي يبذل جهوداً كبيرة على كافة الصعد ، ولماذا لا يتم تعيين مدير عام الأمن الداخلي وهو منصب شاغر ، ولماذا لم يتم تعيين القائد العام وهو منصب شاغر ، كل هذه المسميات إن وجدت وبصلاحيات وكما حددها القانون ، ستساهم في ضبط الأمن الذي نحن بحاجة إليه .

قبل أن نفشل ، يجب أن نرسم السياسات الواضحة ، ونحدد وجهتنا ، ونضرب بيد من حديد على كل من يحاول أن يلعب في الاستقرار الداخلي ، يكفينا ما لدينا من مشاكل مع الاحتلال وما نعانيه من وضع اقتصادي سيء ، فالأمن هو مسئولية السلطة فقط ، ولا سلاح غير سلاح السلطة الشرعية ، وهنا نحن نؤكد على أن لا شرعية لسلاح العائلات والزعران والذين يهددون السلم الأهلي .


اللواء د. محمد المصري

المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية
4/7/2016