الحمد لله رب العالمين الذي أنعم على عباده بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، وجعل للمؤمنين أعياد يحتفلون فيها تذكرهم بنعم الله وفضله وتذكرهم بأمر الآخرة ، فالعيد يأتي بعد شهر من الصوم والعبادة وفي هذا الشهر تكثر الصدقات ويخرج المزكون زكاة أموالهم وتكثر فيه صلات الرحم ،
يأتي العيد ليذكرنا بأحبائنا الذين فقدناهم وقضوا إلى ربهم سبحانه وتعالى ويذكرنا بأحبتنا ممن هم في سجون الاحتلال وأحبتنا في ألغربه
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين، فقال: (كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما، يوم الفطر، ويوم الأضحى) رواه أبو داود والنسائي. والعيد شعيرة من شعائر الإسلام ومظهر من أجلِّ مظاهره.. تهاون به بعض الناس وقدموا الأعياد المحدثة عليه.. فترى من يستعد لأعياد الميلاد وأعياد الأم وغيرها ويسعد هو وأطفاله بقدومها ويصرف الأموال لإحيائها.. أما أعياد الإسلام فلا قيمة لها بل ربما تمر وهو معرض عنها غير ملتفتإليها.. قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب} الحج:32.
إن يوم العيد يوم فرح وسرور لمن طابت سريرته، وخلصت لله نيته.. ليس العيد لمن لبس الجديد وتفاخر بالعدد والعديد.. إنما العيد لمن خاف يوم الوعيد واتقى ذا العرش المجيد.. وسكب الدمع تائبا رجاء يوم المزيد..1
أيها المسلمون: إن الأمة الإسلامية تستقبل عيد الفطر السعيد وهي في أسوأ حالتها وتغرق في صراعات ونزاعات وقتال وتشريد وتعيش حاله من الهلع والفزع وفقدان الثقة لأنها ابعد ما تكون عن الإيمان المطلوب
نستقبل العيد وقد افتقدنا الاحبه وافتقدنا القيم والأخلاق وابتعدنا عن تعليم ديننا حيث الإرهاب ينتشر في أرجاء المعمورة وطغت ثقافة الموت على ثقافة الحياة وخرج البعض من العلماء عن تعاليم الدين وطغوا في تفسيراتهم وتأويلاتهم لحد نشر ثقافة غريبة عن أصول وتعاليم الإسلام السمح بحيث سمحوا لأنفسهم بتشريع قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق واقروا بفتاوى للفتنه المذهبية الشيعية السنية جاهروا بالفحش والمنكر بعيدا عن تعاليم الإسلام وأخلاقياته ومثله التي يجب علينا أن نقتدي بها
. وقد قيل: من أراد معرفة أخلاق الأمة، فليراقبها في أعيادها. إذ تنطلق فيه السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها. والمجتمع السعيد الصالح، هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة. وتمتد فيه مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى، حيث يبدو في العيد متماسكاً متعاوناً متراحماً، تخفق فيه القلوب بالحب والود والبر والصفاء.
أيها المسلمون: إن العيد في دين الإسلام، له مفهومه الخاص، وله معناه الذي يخصه دون سائر الأديان ودون سائر الملل والنحل.
إن العيد في الإسلام تمسك في الدين، وفي طاعة لله، وبهجة في الدنيا والحياة، ومظهر القوة والإخاء، إن العيد في الإسلام فرحة بانتصار الإرادة الخيرة على الأهواء والشهوات وانتصار على الفتن والشرور وهو نشر المحبة والإخاء بين الجميع بلا تمييز وتفرقه .
إن العيد في الإسلام، خلاص من إغواءات شياطين الإنس والجن، والرضا بطاعة المولى. والوعد الكريم بالفردوس والنجاة من النار.
إن العيد في الإسلام لا كما يتصوره البعض، انطلاقاً وراء الشهوات، وحلاً لزمام الأخلاق وتفسحاً على شواطئ البحر، وعرض للفتن والمنكر هنا وهناك. إن العيد في الإسلام، ليس فيه ترك للواجبات، ولا إتيان للمنكرات.
قد يأتي العيد على أناس، ذاقوا من البؤس ألواناً بعد رغد العيش، قد يأتي العيد على أناس تجرعوا من العلقم كؤوساً بعد وفرة النعيم، فاستبدلوا الفرحة بالبكاء وحل محل البهجة الأنين والعناء.
فاتقوا الله أيها المسلمون في عيدكم، لا تجعلوه أيام معصية لله، لا تتركوا فيه الواجبات، ولا تتساهلوا في المنكرات. لا يكن نتيجة عيدكم غضب ربكم عليكم. فإن غضب الله شديد، وعقوبة الله عز وجل، لا يتحملها الضعفاء أمثالنا.
اتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ في عيدكم، واجعلوه عيد عبادة لله، عيد طاعة، عيد توبة صادقة، عيداً ترتفع فيه أخلاق الأمة. عيداً نثقل فيه ميزان حسناتنا، عيداً نكفر فيه عن خطايا سابقة، ارتكبتها جوارحنا. قال الله تعالى: {قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} الزمر:53. وقال سبحانه: {وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ} طه:82. وقال عز وجل: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} يونس:58.
أيها المسلمون، كذلك أيضاً يجب أن لا تُنسينا فرحة العيد أن هناك آلاماً وجروحاً في الأمة لم تلتئم بعد. هناك من أبناء الأمة الإسلامية أناس أبرياء مظلومون. سوف يدخل عليهم العيد، وما زالوا تحت وطأة الظلم والقهر والعدوان. كم من يتيم يبحث عن عطف الأبوة الحانية. ويتلمس حنان الأم. وأبوه قد ذهب وقطعت أوصاله بسبب رجم القنابل وأعمال التفجيرات الارهابيه . وأمه لا يعلم مصيرها إلا الله.
يحل العيد بأمة الإسلام، وهناك من يرنو إلى من يمسح رأسه، ويخفف بؤسه. جاءنا العيد، وهناك الألوف من الأرامل اللاتي توالت عليها المحن فقدت زوجها، تذكرت بالعيد عزاً قد مضى تحت كنف زوج عطوف.
وفوق كل هذا أيها المسلمون، سوف يقدم العيد، ومازالت هناك أراضٍ للمسلمين مغتصبه ، فالقدس تحت الاحتلال والأقصى يدنس من قبل المستوطنين وقادة ألامه الاسلاميه يعيشون صراع البقاء ، رغم ان المسلمين ايوم امام حرب صليبية تستهدف تشويه صورة الاسلام الحنيف وتستهدف المسلمين في عقيدتهم والتشكيك في امر دينهم ..
فأي عيد هذا الذي نفرح فيه. وسهام الشر وسموم العدو يفتك في أجسامنا من كل ناحية. فحق على كل مسلم، حق على كل من في قلبه شعلة إيمان مازالت متوقدة، أن يتذكر كل هذا وهو يستقبل عيده. حق على كل مسلم أن يتذكر هؤلاء، فيرعى اليتامى ويواسي الأيامى، ويرحم أعزة قوم قد ذلوا. كم هو جميل أن تظهر أعياد الأمة، بمظهر الواعي لأحوالها وقضاياها. فلا تحول بهجتها بالعيد دون الشعور بمصائبها التي يرزح تحتها أبنائها.
يجب ان تتحد ألامه الاسلاميه ويطغى الشعور بالإخاء قوياً، فلا تنس أخي المسلم أن فلسطين محتله مغتصبه وان تحريرها واجب مقدس وهي الأرض التي خصها الله تعالى بقوله سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ولا تنسى معاناة أهل فلسطين وهم مرابطون صامدون بوجه الطغاة من الصليبيين اليهود ، ولا تنسى العراق ومعاناة شعبه ولا تنسى سوريا وما تواجهه من هجمة تستهدف الإسلام في ارض الشام وتستهدف اهل الشام ولا تنسى اليمن وتعرضها لحرب بغيضة من قبل التحالف السعودي ولا تنسى ليبيا ومعاناة شعبها وأراضٍ للمسلمين أخرى منكوبة بمجاهديها وشهدائها. بأيتامها وأراملها. بأطفالها وأسراها. كم هو جميل أن نتذكر ونحن نستقبل العيد أن هناك الألوف من الأسر المنكوبة، من يقدم يد الاستجداء والمساعدة، بلقمة طعام، أو كساء لباس، أو خيمة غطاء. وفي المسلمين أغنياء وموسرون.
ولكن مع الأسف، استغل الغرب هذه الحاجة الملحة عندهم، لسد جوعتهم، فقاموا بإطعامهم وكسوتهم ضمن مخطط يستهدف النيل من الإسلام والمسلمين وتشويه صورة الإسلام وظهورهم بمظهر الخادم الأمين لاحترام الانسانيه وهم سبب كل المصائب
وكم هو جميل كذلك أن يقارن الاستعداد للعيد، لفرحته وبهجته، استعداداً لتفريج كربة، وملاطفة يتيم، ومواساة ثكلى. يقارنه تفتيش عن أصحاب الحوائج، فإن لم تستطع خيلاً ولا مالاً، فأسعفهم بكلمة طيبة وابتسامة حانية، ولفتة طاهرةٍ من قلب مؤمن.
إنك حين تأسوا جراح إخوانك إنما تأسوا جراح نفسك، وحين تسد حاجة جيرانك إنما تسد حاجة نفسك، قال تعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلاِنفُسِكُمْ} البقرة:272. وقال سبحانه: {مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ} فصلت:46.
نحن -أمة الإسلام- جعل الله لنا من الأعياد عيدين فقط نفرح فيهما، عيد الفطر وعيد الأضحى. يفرح المؤمن أولا، لهداية الله تعالى له، وإنعامه عليه بدين الإسلام الذي ارتضاه له فقال {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (3) سورة المائدة، يفرح لأن الله تعالى هيأ له مواسم طاعة وعبادة مستمرة متعاقبة، يغتنمها العبد ، فيجني الثواب تلو الثواب، ويحوز الخير كل الخير.
وأعيادنا أيها المسلمون تأتي بعد هذه المواسم، فالصائم يفرح لأنه صام رمضان وقامه، وتخرج من مدرسته العظيمة، وحصل على شهادة " التقوى" حين قال الله تعالى في آية الصيام (لعلكم تتقون) وهذه " الأيام العشر من ذي الحجة" ما أعظمها وأجلها عند الله تعالى ، هي أفضل أيام السنة على الإطلاق لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام)، قالوا : يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)3 فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العشر إلى الإكثار من التهليل والتكبير والتحميد.
إن يوم العيد يوم شكر لله تعالى على إنعامه، يوم يفرغ العبد فيه من أداء فريضته فيكافئه سيده ومولاه، هذا هو مفهوم العيد في الإسلام وهكذا يجب أن يكون فهمنا للعيد، إنه يوم طاعة فلا تجعله يوم معصية4.
نسأل الله بمنه وكرمه أن يرفع الضر عن المسلمين في كل مكان، وأن يعيد عليهم العيد وقد تحقق لهم النصر والتمكين،،
اللهم عليك بأعداء الإسلام من اليهود والنصارى وجميع الكفار وعملائهم من الزنادقة والمنافقين، اللهم أرنا في أعدائك عجائب قدرتك..
اللهم اجعل العيد على المسلمين خيرا وبركة وعلى الكافرين المعتدين جحيما ونارا.. لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم..
أيها المسلمون في كافة أرجاء المعمورة صلوا على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين،
وكل عام والمسلمون في كافة أنحاء المعمورة بألف خير وطمانينه وسلام وقد نصرهم الله على أعدائهم أعداء الدين.
بقلم/ علي ابوحبله