إستحالة شفاء الأمة .....بدون شفاء عقولها

بقلم: راسم عبيدات

ما يحدث من دمار وخراب وعمليات قتل وتفجيرات في الأماكن العامة والمؤسسات الدينية والتعليمية وحتى المشافي ودور العبادة في المجتمعات العربية.... ليس بالخروج عن النص،فالفكر "الداعشي" الوهابي التكفيري ،اولاً هو وليد بيئة،وهو موجود في سياقاتنا الإجتماعية والسياسية والفكرية والتاريخية..وهو نتاج لوعي فكري وديني مشوه....ونتاج أيضاً لسيطرة احدى القراءات الإسلامية المتطرفة على الفضاءات الاعلامية والثقافية والمجتمعية بفعل أموال البترودولار والكاز والنفط...هذه القراءات التي بثت ونفثت سمومها في كامل ارجاء الوطن العربي عبر شراء الذمم لنخب دينية واكاديمية وصحفية واعلامية وسياسية،بحيث جعلت منها ابواقا لنفث تلك السموم،وكذلك عبر حنفيات المال المضخوخ على تلك الجماعات والذي استثمرته في إقامة وانشاء بنى مجتمعية ومؤسساتية خاصة بها،وكذلك الشيء الأخطر هو السيطرة على المؤسسات الدينية والتعليمية،وما تزرعه في عقول الفتية والشباب من فكر اقصائي انغلاقي متطرف،يقوم على الحجر على العقول ومنع وإغلاق باب الإجتهاد خارج النص وعلى رفض الاعتراف بالآخر واقصاؤه بالقوة حتى لو كان من نفس الملة او الدين،فكيف بأصحاب الديانات الأخرى،وهذه القراءة قائمة على رؤية التاريخ على اساس انه خاضه لهندستها الاجتماعية،وليس مجموعة من الحقائق المترابطة،وبالتالي على الناس استحضار القديم كنهج حياة والعيش على اساسه باعتباره هو النهج السوي والقويم ومن يرفض ذلك لا مجال للتعايش معه بل يجب اعمال السيف والسكين والساطور في رأسه او جسده.
صحيح أن هذا الفكر يكون في البيئات الأكثر تخلفاً وجهلاً وفقراً،ويجد في المجتمعات المغلقة والأنظمة الديكتاتورية والوراثة والكهنوتية مرتعاً خصباً لكي ينمو ويتطور،حيث نجد ان هذه الأنظمة تعمل على إحتكار الثروات الإجتماعية في يد حفنة من أتباعها،وتغيب العدالة الإجتماعية،وتحتكر السلطة وتصادر الحقوق والحريات وتكمم الأفواه،ويطارد المعارضون ليكون مصيرهم إما السجن او المنافي وأعواد المشانق.
ولكن ما هو أصح ان الثقافة العربية منذ عهد الإستعمار او الإنتداب على فلسطين واتفاقيات سايكس- بيكو هي ثقافة الإستعمار،حيث دخلت تلك الثقافة العربية بما فيها الفلسطينية في دينامية التأقلم والتكيف والتبجح والتباهي بالخاص والقطري على حساب القومي،وهذا يفسر لنا ما يحدث ويحصل في الواقع العربي،حيث يتقدم الفكر الإنغلاقي والتكفيري والثقافة المشبعة بالتطرف والعنصرية،والدعوات المذهبية والطائفية والتحصن والتحلق حولها،وكذلك تغييب العقل والفكر والحجر عليهما لصالح فقه البداوة وفكر الكهوف والسجون والكتاتيب والمدارس المتشددة والمذاهب الإقصائية وغيرها،فلا غرابة من وجود الفكر "الداعشي"والظواهر والأفكار التكفيرية الأخرى بمختلف تسمياتها وتشكيلاتها،فهي ماركات متعددة لنفس المصنع والمنبع والجذر الفكري،فمثل هذه الظواهر والحركات في ظل بنية ذهنية عربية قاصرة وفي ظل ديناميات سلوكية وثقافية ووعي عربي وفلسطيني مشوه،وغير محصن ومحمي،فإن ذلك حتماً سيشكل حاضنة وتربة خصبة لنمو ووجود مثل هذه الظواهر والحركات،ويستحيل علينا بفكر ووعي وسلوك مشوهة ان ندافع عن مشروعنا القومي العروبي،الذي يتعرض لحرب شاملة من الداخل من قبل قوى تغلب الأيديولوجي على الوطني،وتعلي مذهبيتها فوق وطنيتها وقوميتها،وكذلك قوى خارجية استعمارية مستفيدة من وجود مثل هذه الظواهر والحركات تسمنها وتحتضنها وتزودها بكل مظاهر القوة،لكي تخدم مشاريعها ومصالحها الإستعمارية،ولكي تفعل فعلها في تدمير المجتمعات العربية،وتعلم على تفتيتها وتشظيتها وتذريرها.

في مرحلة التراجع والإنهيار،وغياب دور رجال الفكر والنخب السياسية والإعلامية والأكاديمية والثقافية وعجزها عن التصدي للفكر المذهبي والطائفي والعشائري والقبلي وما تبثه وتنشره تلك الحركات الإقصائية من أفكار هدامة وتدميرية ،فلا غرابة ان نجد من يدعون لبعث روح القوميات الآرامية والكنعانية والفنيقية وحتى القبليات العشائرية والجهوية والطائفية وغيرها،ولذلك وجدنا ونجد من يتحدث مثل المطران الشاذ جنسياً المتصهين نداف وغيره من شواذ فلسطينيين وعرب مسلمين ومسيحيين من يدعون من اجل تذويب الفكر القومي العربي وسلخ المسيحين العرب وغيرهم من الأثنيات العربية الأخرى عن قوميتهم لصالح قومية مصطنعة.
نحن في مرحلة ضعف وإنهيار وتشوه الوعي وفقدان للبوصلة،وغياب للمفكرين وعقم للأحزاب الثورية والتقدمية والقومية والعلمانية،وكفها عن انتاج فكر ومفكرين،فإنه ليس من الغرابة في ظهور ظواهر انفصالية وشعبوية وعشائرية وقبلية فالكل يرقص على إيقاعات الطائفية المرعبة: سني – شيعي – يزيدي – أشوري- كلداني – شافعي – مالكي – حنبلي- روم أرثوذكس – لاتين – موارنة – دروز – سريان – لوثري – أرمني...
إذن هي النتيجة الطبيعية والمنطقية للتكيف والتساوق الواعي أو غير الواعي مع البنى السياسية والجغرافية والسكانية والثقافية التي تفرضها قوى الهيمنة الاستعمارية على المجتمع وما تعنيه في النهاية من تشكل الحاضنة لمختلف الظواهر الشاذة المناقضة لمصلحة الأمة أو الشعب.
قادة الفكر والسياسة والإعلام والصحافة والثقافة وغيرهم،يبذلون المستحيل لكي تصبح إسرائيل بأيديولوجيتها الصهيونية بوتقة صهر عملاقة (سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا ولغويا..) ليهود العالم من أمم وثقافات مختلفة وسياقات تاريخية ولغات مختلفة... وفي ذات اللحظة يوظفون الأكاديميا الإسرائيلية لكي يبرهنوا على سبيل المثال لا الحصر بأن الأرامية هي قومية لكي يغري مئات"المسيحيين الفلسطينيين" بالخصوصية والأهم بالامتيازات بأنهم قومية خاصة... وهي ذات السياسة التي اتبعت تجاه الدروز والبدو الفلسطينيين، وفي فترة ليست بالبعيدة في ظل إحترابنا العشائري والقبلي والجهوي والطائفي سيقترحون وجود قومية مقدسية، وقومية غزاوية، وقومية خليلية... وغيرها،ويجري تضييق ذلك وتفتيته مثل ساحوري،صورباهري،سلواني،عيسوي،شعفاطي،حنيني،طوري وهكذا،لذلك لا يستغربن أحد ذلك إذا ما تنافخنا شرفا وفخرا بهذا الانتماء الضيق على حساب فلسطين الوطن والقومية العربية"،وكذلك اليس نحن بدون استثناء حتى في القوى الأكثر تقدمية وثورية من نقدم انتماءاتنا العشائرية والقبلية على انتماءاتنا الحزبية،والإنتماءات الحزبية على الإنتماءات الوطنية؟؟.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
7/7/2016
[email protected]