عندما يقف الشعب الفلسطيني ليعمد بدمائه طريق الانتصار عبر تشبّثه بحقوقه المشروعة، لم نتفاجأ بما تقوم به اللجنة الرباعية بدور مباشر تحت عباءة ألإدارة الأمريكية ، وتجديد دورها في تغطية السياسيات والممارسات العدوانية الاحتلالية لدولة العدو من خلال التركيز على إعادة إحياء "محادثات السلام" على ذات الأسس والمرجعيات التي مكّنت دولة العدو من استثمارها وتعميق احتلالها للأراضي الفلسطينية، ومساواتها في المسؤولية بين الضحية والجلاد.
ونحن من هنا نؤكد بأن انتفاضة فلسطين تستدعي من الجميع انهاء حالة الإنقسام التي ما زالت قائمة على الرغم من توقيع اتفاقات المصالحة ، لأن التحرك الفلسطيني الدبلوماسي مقيد بالعديد من القيود الداخلية ، وفي حال عدم الوصول الى توافق فلسطيني لانهاء الانقسام يجب ترك الامر النهائى للشعب الفلسطينى ليقرر ويختار مصيره ، وخاصة انه يقود نضاله في انتفاضة تواجه القمع الوحشي قتلا وإرهابا واعتقالا وتهجيرا، حيث تحولت الى رمزيّة نضاليّة، وصمود، ووحدة مصير وتمسّك بالحقوق المشروعة والعادلة، ولتصبح مقاومة الشّعب الفلسطيني رمزا للصّمود والتّمسّك بالحقّ في الحياة.
ان القضيّة الفلسطينيّة اليوم، لا يمكن أن تفهم بمعزل عن محيطها العالمي ومصالح النّظام الاستعماري الجديد، إن كان مباشرا عن طريق الاستيطان أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الوكلاء من اللجنة الرباعية وغيرها ، لأنّها قضيّة شّعب يقاوم على واجهتين، واجهة عالميّة في ظل انحياز امريكي وحلفائه، والذي لا ينتصر للحق الفلسطيني بعد الاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب، وواجهة وطنيّة تناضل من اجل عدالة وتقرير مصير لشعب يقاوم ويقدم التضحيات، تتجاوز استحقاقاته مسألة الهويّة أو الصراع الدّيني أو الحضاري، كما يراد التّرويج له، لأنّ الصّراع الحقيقي هو صراع مع الدّولة الصّهيونيّة، التي لا تخرج عن السّياق الاستعماري العالمي المستهدف للشّعوب في حقّها في الحياة، والنّضال ضدّها يمرّ، حتما، عبر نضال كلّ الشّعوب ضدّ الهيمنة ووحشيّة النّظام الرّأسمالي العالمي، وهي القضيّة التي تشترك فيها، اليوم، كلّ الشّعوب والقوى التّحرّريّة والتّقدّميّة، والتي ترى نفسها فيها، باعتبارها قضيّة إنسانية عادلة تتجاوز منطق الخصوصيّات والهويّات الضّيقة. فلا غرابة إذا:
وامام ذلك نرى حركة التضامن العالمي ولجان المقاطعة قد عززت ثقافة المقاطعة كجزء من ثقافة المقاومة والصمود في مجتمعنا، وهذا يؤكد ان الشعب الفلسطيني ما زال في مرحلة تحرر وطني تتطلب استخدام كافة اشكال النضال ومنها حلمة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض عقوبات على دولة الاحتلال، إلى جانب تصعيد حملة التضامن الشعبي والدولي وتعزيز المقاومة الشعبية على الارض في الميدان وكذلك العمل على عزل دولة الاحتلال بالمحافل الدولية كدولة استعمار استيطاني تقوم على فكرة التمييز العنصري.
ولهذا نرى ضرورة تطوير الحملة التضامنية مع الاسيرات والاسرى في سجون الاحتلال وتفعيل دور حركة التضامن الدولية مع الشعب الفلسطيني والمطالبة بالافراج الفوري عنهم من
خلال حملة شعبية ضاغطة لنصرة قضية الاسرى في كافة اماكن تواجد الشعب الفلسطيني في الشتات والمنافي وخاصة في اوروبا والولايات المتحدة وكندا واستراليا وغيرها ،وفضح الممارسات الصهيونية بحق الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين وما تمارسه قوات الاحتلال من انتهاك يومي ومتواصل لكل الاعراف والمواثيق الدولية والجرائم التي تقترفها الاجهزة الامنية الصهيونية ، من قتل وتعذيب منهجي وحجر للحرية بحق الاسيرات والاسرى وحرمانهم من ابسط الحقوق الانسانية وعدم توفير العلاج لعشرات المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة.
وفي ظل هذه الظروف نرى ما تتعرض له المنطقة من ارهاب تكفيري متنقل ومدعوم من قبل الحركة الصهيونية ، بحيث بات المشهد العام يثير القلق والخوف مما يهدد أوطاننا من تفتيت المجتمعات ومن تقسيم الدول، خاصة بعد ترافق هذه الحالة مع مشاريع أمريكية صهيونية ورجعية، تحت عنوان “شرق أوسط جديد”، يعتمد على تقسيم الدول على أسس مذهبية وعرقية بحجة حل الصراعات بها.
لقد كشفت طبيعة الصراع ثم طبيعة الاصطفافات والتحالفات الناشئة عن طبيعة الأهداف الحقيقية التي تذكي نيران الصراع، من أنه صراع ضد القوى المقاومة للمشروع الأمريكي الصهيوني، الذي يسعى إلى تقسيم الدولة العربية، أو استنزافها وصولاً إلى فرض خيارات إستراتيجية عليها، وفي المقدمة منها، التخلي عن المقاومة للمشروع الصهيوني، وفرض الاعتراف به، والتطبيع معه، ولعل الهرولة لبعض الانظمة العربية الرسمية للتطبيع مع العدو الصهيوني، والاستعداد للتحالف معه ،أكبر دليل على طبيعة هذا الصراع، وطبيعة الأهداف المعادية لطموحات أمتنا بل وتخدم العدو الصهيوني.
لقد سقطت ورقة التوت، وصمدت المقاومة وسورية وصدقت نبوءات الكثيرين من أن سورية وصمودها ستحدد ملامح النظام الدولي الجديد، وستؤسس لتحالف إقليمي جديد، يخدم شعوبنا واستقلالها وتحررها، وستسقط كل المشاريع المعادية.
ختاما : ان التّناقض الحقيقي يبقى بين إرادة الشّعب الفلسطيني المقاوم، وهذا يستدعي من كافة القوى العربية المناضلة والمقاومة ومن احرار العالم دعم صمود الشعب الفلسطيني باعتباره جزء من النّضال الأممي للشّعوب المضطهدة والمحرومة كافّة،لأن المصير والنّضالات ستكون حتما واحدة، فلا يمكن اليوم الفصل بين مطالب الشّعب الفلسطيني وحقوقه في العودة والاستقلال وتقرير مصيره واقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وحقّه في العيش الكريم، بعدالة اجتماعية، ولهذا اصبح المطلوب من جميع الفصائل والقوى وضع خطة شاملة للنهوض بالموقف الوطني الفلسطيني على الصعيدين العربي والدولي والتصميم على تنفيذها سيدفع مجمل النضال العربي خطوات كبيرة الى الامام وبذلك تبقى فلسطين الاستثناء.
بقلم/ عباس الجمعة