حملة إسرائيلية شرسة، واتهامات لا أول لها ولا آخر، على الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، بأنه ليس معنياً بالتوصل لاتفاق مصالحة مع إسرائيل، ويعمل وفق أجندته الشخصية، وأخذت الأبواق الإسرائيلية تكيل التهم المختلفة للرئيس، وكل من يخالف وينتقد مواقف إسرائيل ويعارضها، يتهم بمعاداة السامية، مع أن شعوبنا هي أصل السامية، وهذه التهمة من كثرة استخدامها من قبل إسرائيل، فقدت تأثيرها في الحلبة الدولية، كل ذلك تعقيباً على خطاب "عباس" في البرلمان الأوروبي في بروكسل، والذي استقبل من قبل البرلمانيين الأوروبيين بالتصفيق والاهتمام والترحاب، ومن بين ما جاء في هذا الخطاب أن الرئيس سمع بأن الحاخام"شلومو ملميد"، رئيس مجلس حاخامات المستوطنين في الضفة الغربية، دعا إلى تسميم مياه الشرب في القرى والبلدات الفلسطينية، فقد كان من الأجدر بأبواق الإسرائيليين الرسمية أن تكلف نفسها البحث عن حقيقة ما قاله الرئيس "عباس"، قبل شن حملة التحريض على الرئيس، وليرجعوا إلى جريدة "معاريف" الصادرة بتاريخ "14-6-2016"، التي نشرت ما كشفت عنه منظمة "يكسرون الصمت الإسرائيلية"، الفتوى المنسوبة للحاخام "شلومو ملميد"، وجاء فيها –حسب الجريدة الإسرائيلية المذكورة- إجازة تسميم مياه آبار الفلسطينيين، لافتاً –هذا الحاخام حسب "معاريف"- أن المستوطنين يعكفون على تسميم مياه الشرب في القرى والبلدات الفلسطينية، في أنحاء الضفة الغربية، وأن هذا الحاخام يسعى من خلال التسميم –حسب ما جاء في "معاريف"- إلى دفع السكان الفلسطينيين لترك قراهم وبلداتهم والرحيل، ليتسنى للمستوطنين السيطرة على أراضيهم، لكن "أبو مازن"، من وجهة نظري، أخطأ بسحب اتهامه للمستوطنين بتسميم آبار الفلسطينيين، دون الرجوع إلى مصدر ما جاء في جريدة "معاريف"، دون أن يغفر له الإسرائيليون اتهاماته.
لقد أغضب خطاب الرئيس أمام البرلمان الأوروبي، الجهات الإسرائيلية، خاصة رفضه الاجتماع مع الرئيس الإسرائيلي "روبي ريفلن"، الذي ألقى أيضاً خطاباً في البرلمان الأوروبي، مكرراً-في خطابه- مواقف الحكومة الإسرائيلية حول المشكلة الفلسطينية، فالرئيس الإسرائيلي لا يملك صلاحيات، بل هو أشبه بملكة بريطانيا، فما الفائدة من اجتماع الرئيس "عباس" معه، سوى مثل هذا الظهور بين الاثنين، سيرى به المجتمع الدولي، بأن الأمور بين الفلسطينيين وإسرائيل طبيعية، وأن كل شيء على ما يرام، بينما أكد "عباس" في خطابه أمام البرلمان الأوروبي، العمل على التخلص من الاحتلال الإسرائيلي، بالطرق السياسية والدبلوماسية والسلمية، والبقاء على أرض فلسطين والصمود داخل الوطن، وبظني أن إسرائيل كانت تتمنى أن يشير الرئيس في خطابه، إلى إنهاء الاحتلال بالمقاومة المسلحة، لتستغل مثل هذه الأقوال أبشع استغلال، مؤكداً أنه مع حل الدولتين، وفق حدود عام 1967، وتكون عاصمتها القدس الشرقية، مع عدم ممانعته من التبادلية الطفيفة والمحدودة بالأرض بالقيمة والمثل، وأن تتم معالجة قضية اللاجئين وفق القرار (194)، كما نصت على ذلك المبادرة العربية للسلام، بقولها حل عادل ومتفق عليه، وكانت رسالته أنه إذا أرادت إسرائيل السلام، عليها إنهاء احتلالها وسيطرتها على الشعب الفلسطيني وعلى وطنه.
من ضمن الهجمة الإسرائيلية على "أبو مازن"، إصدارها بياناً جاء فيه: أن رفض "أبو مازن" الاجتماع مع الرئيس الإسرائيلي، كشف وجهه الحقيقي في بروكسل، ورفضه إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وأن زعم "عباس" أن يده ممدودة للسلام زعم زائف، متجاهلين أنه جرت مفاوضات مباشرة بين الجانبين لم تؤدي إلى أي نتائج، فكيف العودة إلى استئناف المفاوضات المباشرة، قبل أن تغير الحكومة الإسرائيلية موقفها من الحل، واستمرارها بالاستيطان، ويعلنون صراحة أن الضفة الغربية جزء من أرض إسرائيل التوراتية التي سيجري ضمها إلى إسرائيل، أما "نتنياهو" فاعتبر أن الأنباء التي تناولت التصريحات المزعومة عن فتوى الحاخام لتسميم المياه الفلسطينية، هي افتراء دموي عارية عن الصحة، فلماذا لم يعد إلى جريدة "معاريف" التي نشرتها والحاخام الذي أفتى بها؟ ومن ضمن الحملة، أن موقع واللا العبري، جاء فيه بتاريخ 26-6-2016، أن "أبو مازن" نجح في الإساءة مرتين: الأولى ارتكب خطأ فادحاً حين قال أن حاخامات إسرائيل طلبوا تسميم آبار الفلسطينيين، والثاني أنه سجل "غول" لنفسه وفي ملعبه، ونشرت محللة الشؤون العربية في جريدة "يديعوت احرونوت 26-6-2016"، في هجومها على الرئيس: هل سممنا آبار المياه؟ أذهب إلى البيت، كفى، انتهى زمنك، مللنا سماع صوتك المزدوج والضرر الذي تنزله بشعبك أكبر من الفائدة، اقرأ استطلاعات الرأي لديكم بأن 65% من أبناء شعبك لا يريدون استمرار سلطتك.
إن فتاوى الحاخامات العنصرية والتحريضية والمجازر التي قامت بها عصابات التنظيمات اليهودية قبل قيام إسرائيل والجيش الإسرائيلي بعد قيام إسرائيل ليست جديدة، فلدينا سجل شبه شامل لهذه الفتاوى بقتل الفلسطينيين، وسرقة أراضيهم، والاستيلاء على أموالهم، وتخريب محاصيلهم الزراعية، فلماذا الاستغراب من تسميم مياههم؟ فقد كان الشائع في المجتمع العربي، التمييز ما بين الصهيونية واليهودية، لكن واقع الحال لا فرق بينهما، فهذه الفتاوى تجسد السياسة الرسمية الإسرائيلية، إلى جانب عشرات التشريعات العنصرية التي تشرعها الكنيست، فحكومة "نتنياهو" المتطرفة، تواصل حربها المفتوحة على الشعب الفلسطيني، وفي هذا السياق تأتي فتوى الحاخام "شلومو ملميد"، التي تجيز تسميم مياه الفلسطينيين، مما يؤكد أن اليهود المتدينون، أشد تطرفاً من غيرهم، ونقدم فيها يلي نماذج من هذه الفتاوى: الحاخامان "اسحق شابيرا" و"يوسف اليتصور" والأخير رئيس مدرسة دينية، تحمل اسم "يوسف ما زال حياً"، وهذا الاسم مستوحى من اسم الإرهابي "كهانا حي"، ألف كتاباً منذ عام 2009، وصدر بعدة طبعات، يدعو لقتل العرب، اعتمد على الشريعة اليهودية، التي تسمح بقتل أطفال الفلسطينيين الرضع، قبل التقدم بالنمو ويصبحوا أشراراً مثل آبائهم –حسب الكتاب-لم تقم السلطات الإسرائيلية بمنعه.
-دعت مجلة أسبوعية صادرة عن التيار الديني اليهودي، إلى إقامة معسكرات إبادة للفلسطينيين-حسب جريدة "يديعوت احرونوت 17-1-2011"-حسب فتوى وقع عليها عدد من كبار الحاخامات، وجاء بالفتوى أن هذه مهمة اليهود الأطهار.
-الحاخام "عوباديا يوسف" الزعيم الروحي لحزب شاس الديني، أصدر فتوى أن العرب يتكاثرون كالنمل، فليذهبوا إلى الجحيم، وتمنى للمستوطنين النصر على الفلسطينيين الاغيار، وفي فتوى أخرى وصف فيها العرب بالأفاعي وأن الله نادم على خلقهم، وأنه عندما يظهر المسيح، سيقوم بإرسال العرب إلى جهنم وإبادتهم، وأفتى "يوسف" باستعمال الأسلحة النووية ضد إيران، وخلال درسه الديني بتاريخ 3-11-2003، قال: يوجد لدينا إسماعيليون مثل القمامة.
-الحاخام "بن تسون موتسيبي" أحد كبار الحاخامات، أصدر فتوى تجيز قتل الفلسطينيين بطريقة أشد إيلاماً، يمكن الإمساك برأسه وضربه مراراً بالأرض حتى يتفتت، "موقع واللا العبري 6-10-2015"،
-الحاخام "موشيه بن توف" المتخصص بتفسير التوراة أعرب في فتواه –حسب "يديعوت احرونوت عام 1995"، قبل بضعة أشهر من اغتيال "اسحاق رابين"- أن يتم قتل رابين وشمعون بيرس وياسر عرفات، وأنهم سيموتون قريباً.
-الحاخام الشرقي الأكبر "اسحاق يوسف" في خطبته حسب "هآرتس 28-3-2016"، قال: لا يسمح لغير اليهود التواجد في إسرائيل.
-الحاخام "أوري رورو نيتسك"، يفتي بعدم معالجة العربي من قبل الأطباء والممرضين، والتهرب من معالجة المخربين، "هآرتس 10-11-1992",
-الحاخام "أهارون سولو بيتسيك"، قال لرابين، أنت متهم بالقتل بصورة قاطعة، ويداك ملطختان بالدم لأنك صافحت يد كبير القتلة ياسر عرفات "21-12-1993.
-أفتى الحاخام "دوف ليتور" حاخام مستوطنة كريات أربع، بجواز أخذ بضاعة من عربي، لأن العربي لا يحافظ على فرائض أبناء نوح السبعة.
-الحاخام "ايدو البا": وفقاً للتوراة يجوز قتل أي شخص من الاغيار، اي من غير اليهود، وعندما سئل عن العرب الأبرياء، قال وفقاً للشريعة اليهودية لا وجود لشيء كهذا.
-امتدح الحاخام "دوف ليتور"، سفاح مذبحة الخليل باروخ غولدشتاين، متمنياً لابنه أن يسير على طريق أبيه البطل الكبير.
-الحاخام الأكبر "إسرائيل مئير لاو"، أباح ممارسة تصفية الفلسطينيين، وأيد الدعم الكامل لسياسة التصفيات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي.
-وأخيراً وليس آخر، لا ننسى خطف الشاب محمد أبو خضير من قبل ثلاثة مستوطنين من جماعة دفع الثمن الإرهابية، وحرقه وهو حياً، وحرق عائلة الدوابشة لا تزال في ذاكرة الجميع.
هذا غيض من فيض، فما الغريب في فتوى تسميم الآبار التي ينفونها ويشنون الهجوم الوقح على الرئيس الفلسطيني، فالإرهاب والتحريض إسرائيلي بامتياز.
بقلم/ غازي السعدي