قرات تعليق من رائد العطل يحض الطلاب ان لا يدخلوا هندسه وهو كالتالي: ((الى طلاب توجيهي في غزة...لا أنصحكم بأي تخصص ضمن كلية الهندسة... انصحكم بالطب والبرمجيات و تخصصات الحاسوب وبعض التخصصات العملية التي يمكن المناورة بها في بيئة مثل غزة.....كاللغة الانجليزية وتصميم الجرافيك والادارة المصرفية ...ابحثوا عن تخصص يمكنكم بواسطته افتتاح مشروعكم الخاص.... اياكم والتفكير بالوظيفة الحكومية.....))
طبعا التعليق غريب ان يصدر من شخص مثقف بمستوى رائد عطل يعيش في بلد متقدم كبريطانيا ومفترض انه درس هندسة ديكور ويعرف خفايا مهنة الهندسة، الا انني لا ارى انه من الخطأ ان ينصح به في اقعنا المؤلم في غزه حيث يسيطر على مهنه الهندسة مجموعه من المتنفذين الوصوليين الذين ينقصهم الكفاءة والنزاهة ويتعمدون اقصاء الكفاءات.
بما انني قد درست معظم مواد هندسة الكهرباء والكمبيوتر والاتصالات واعرف كافة تفاصيلهم، يسالني العديد من الاشخاص ان كان يجب عليهم الالتحاق بمهنه الهندسة، فلا انصحهم الا بهندسة الكمبيوتر او هندسة البرمجيات. اما عن باقي انواع الهندسة خاصه الكهرباء والاتصالات، فأقول لهم انه لا يوجد لدينا فرص للعمل للمهندسين الا ان يكونوا محظوظين في واسطه ويستطيعون ان ينفذوا من وسط الالغام التي يزرعها المسئولين المتنفذين في مجال الهندسة وقد يضطروا للهجرة.
حتى اكون صادقه في الظروف التي تحيط بمهنه الهندسة سأسرد الالغام التي واجهتني في هذا المجال.
تخرجت من البكالوريوس وماجيستير هندسه كهرباء حيث كنت اقيم بدوله خليجيه. الا ان هذه الدولة كانت تقوم بتوطين الوظائف وقانونها يمنع توظيف أي اجنبي طالما يوجد خليجي ممكن يحل مكانه. مع انني كنت جدا متفوقه، الا انه اصابتني الخيبة عندما وجدت جميع الخليجيين استطاعوا الحصول على فرص عمل بينما بقينا الفلسطينيون محرومون من أي فرصه عمل، والذين نجحوا في الحصول على فرصه كانوا يعملون في مؤسسات خاصه باجر جدا زهيد باقل من مؤهلاتهم. منتهى العنصرية. بل حتى التدريب كانوا يمنعونه عنا. كان يوجد اعلانات توظيف سنوية في كافة قطاعات الهندسة سواء الحكومية او الخاصة الا انها تشترط ان يكون الشخص مواطن. استطعت بعد تخرجي من الماجيستير ان اقنعهم باستيعابي للتدريب في كافه اقسام وزارة الكهرباء والماء ومن ثم جميع اقسام شركة الاتصالات السلكية واللاسلكية وبعض شركات الكمبيوتر
عدت لا رض الوطن غزه عام 1998. وتوجهت لطلب العمل في وزاره الطاقة، فتفاجأت ان الله قد ابتلانا باسوا وزاره بكل وزارات الوطن. تم استقبالي بكل انواع الزحلقة ومحاوله مستميته للتقليل من مؤهلاتي. بل كان يتم التهزأ على شهادة الماجيستير في الطاقة مع انه لم يكن يوجد أي شخص متخصص بالطاقة حتى على مستوى البكالريوس. لم استطع استيعاب طبيعة سياستهم القائمة على الوصولية وتهميش الكفاءات. اما شركة جوال والاتصالات فكانت شركات خاصه وجميع الذين يتوظفون يأتون من تحت الطاولة بدون أي اعلانات وظيفيه.
حصلت على منحه دكتوراه في هندسه القوى، ولم اعرف ماذا اعمل حيث كنت ارى ان الذي يدير قطاع الطاقة عصابه متمرسة في اقصاء الكفاءات والوصولية. الا انني قررت الاتكال على الله وذهبت. رجعت من الدكتوراه عام 2003 وحاولت التخلص من المأزق بالكتابة الى وكيل وزارة الطاقة في رام الله د عمر كتانه حيث كنت اعتقد انه سيكون اكثر تفهما باعتباره متخصصا بالطاقة، الا انه تهرب من مسئوليته بالطلب من مسئولي الطاقة في غزه في مقابلتي. ذهبت للمقابلة وكان يدير سلطة الطاقه في غزه م يحي شاميه و كان د عبد الكريم عابدين مدير مكتبه لا تفاجأ باساليب مريبة للزحلقة حيث اتت د ليلى لتقول لي انها متخصصه بهندسة الميكانيكا ولن تستطيع تقييمي وتم التهرب من اعطاءي أي رد سواء من رام الله او غزه. توجهت لشركة الكهرباء للتوزيع بإدارة م ابو ستمهدانه فتفاجأت به يزحلقني ويقول لي اذهبي ابحثي جامعه لان مؤهلاتي اعلى من احتياجاتهم فقلت له اني اتيت لا بحث عن عمل في شركة الكهرباء للتوزيع ومن حقي العمل بها، فرد متوترا انه لا يوجد لي عمل عنده. اما الجامعات فكانت فقط الجامعة الإسلامية من تطرح تخصصات هندسه حينها وتعين سنويا شخص واحد من ابناء حماس بإعلانات وهميه حيث كانت تستدعيه هو فقط للمقابلة. حاولت مع كليه تكنلوجيا المعلومات بجامعه الازهر وكان رئيس القسم د سامي ابو ناصر يوزع المواد من تحت بطن، ونفس السيناريو بالجامعات الاخرى
اما الوكالة فكانت ترفض توظيف مواطنين. اما شركة جوال والاتصالات فكانت شركات خاصه وجميع الذين يتوظفون بها يأتون من تحت الطاولة بدون أي اعلانات وظيفيه
اما الشركات الخاصة في مجال الهندسة كشركة الكهرباء للتوليد وشركة سكسك وشركات الكمبيوتر والانترنت والاستشارات الهندسية كانت ترفض توظيف فتيات بحجج واهيه ان طبيعة عملهم لا تناسب الفتيات
اما الواقع اليوم بعد حكم حماس فليس افضل من الامس، بل اتوا بقواعد جديده للعنصرية من خلال اعلانات التوظيف البعيدة من المهنية. اعلانات التوظيف في البلديات وشركة الكهرباء للتوزيع والعديد من المؤسسات قائمة على الاقصاء الوظيفي، فيتم اشتراط السن اقل من 30 عام وكأنهم يبحثون عن عرسان وعرائس وان وجدت امتحانات تكون خيار من متعدد وبها اخطاء فلا يمكن ان تقيم احد. اما اعلانات وظيفه مدير فتكون وهميه بدون امتحان، حيث تكون المقابلة شكليه بدون اساله مهنيه او معايير ومن ثم تجد ان المقعد محجوز لاحد عناصرهم ولا جدوى للتقدم لها من الاساس.
شركة جوال والاتصالات تحججوا بالانقسام لا يقاف التوظيف الا من تحت الطاولة، ولا يتم الاعلان في شركة جوال وهي شركه ربحية تكسب الملايين شهريا الا على فرص عمل مؤقته لمده سنه ونصف لشباب صغار في السن يقل عمرهم عن 23 سنه أي لم يتخرجوا بعد.
اما المؤسسات الخاصة فتستغل الشباب ليعملوا باجر جدا زهيد حتى الساعة الرابعة. واسمع عن سبيل المثال عن مبرمجين يعملون ب 400 دولار شامل المواصلات في حين ان في الخارج يحصل المبرمج على 4000 دولار. احد اقرباءي اضطر ان يدخل كليه شرطه بعد ان صدم بعدم وجود فرص عمل عند تخرجه من كليه الهندسه في جامعه الازهر. ولي قريب اخر يعمل محاضر في الامارات يريد ان يعود لغزه ويخشى ان لا يجد فرصه عمل في أي جامعه بغزه، ففكر في الزواج من بنت احد المدرسين بالجامعة الإسلامية ليساعده في فرصه عمل بالجامعة ؟
حتما لا انصح الشباب بالهندسة وسط الفساد الذي يجتاح جميع قطاعاتها بكافة المقاييس، سواء بتهميش الكفاءات او الاقصاء او استبعاد الفتيات من العمل او وضع شروط غير مهنيه في اعلانات التوظيف بهدف الاقصاء. وللاسف لدينا نقابه مهندسين جدا ضعيفه تتهرب من مساعده أي مهندس او الرقابه على أي مؤسسه، ودورها يقتصر بإصدار بيانات تهنئه للزواج او الانجاب.
ارجو ان استطعت ان ابرز الالغام التي توضع امام المهندسين. لكن لكل قاعده شواذ، فانا اخويا رفضا عروضا مغريه لدراسة الطب وقررا دخول الهندسة بسبب رغبتهما بالعمل في هذا المجال، الا انهما اصطدما بعد التخرج بعدم وجود فرص للعمل في غزه. بحثا على فرصه عمل في الامارات، وتفوقا في مهنتهما، وتنهال عليهما العروض. واعتقد ان هذا هو خيار الذي يجب ان يضعه أي شخص يتغلب عليه حب مهنه الهندسة ولا يجد واسطه، لكن السؤال كيف ستجد فرصه عمل بالخارج ان لم يكن لديك صديق او قريب يساعدك ؟؟
سهيله عمر
[email protected]