إسرائيل تعود إلى أفريقيا!

بقلم: غازي السعدي

وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، الاثنين 4/7/2016، والوفد المرافق له، إلى أوغندا، في جولة تضم أربع دول إفريقية، وتتطلب حماية للوفد لم يسبق لها مثيل، زيارة معقدة تصل تكاليفها إلى (28) مليون شيكل، في أربع طائرات مدنية، الأولى مستأجرة لنقل "نتنياهو" وحاشيته، والثانية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي لنقل (140) شخصاً، وتضم وحدات الجيش الإسرائيلي –الذين شاركوا في عملية تحرير الرهائن في مطار "عنتيبي" في أوغندا، للطائرة الفرنسية قبل (40) عاماً، التي انطلقت من تل-أبيب، إلى باريس، وكان معظم مسافريها من الإسرائيليين- كما تحمل الطائرة الثانية، أقارب وعائلات الذين قتلوا في عملية الكوماندو الإسرائيلي، الذي قاده شقيق "نتنياهو" "يونتان"، وقتل في العملية، إضافة نقلها وفداً من رجال الأعمال، يمثلون (50) من الشركات الإسرائيلية الكبرى، أما الطائرة الثالثة، فكانت من طراز هيركوليز، لنقل تجهيزات الحماية لـ "نتنياهو" والوفد المرافق، والطائرة الرابعة تحمل مستشفى متحرك، تحسباً من وقوع هجوم على الوفد، إضافة إلى نقلها سيارات مصفحة لاستخدامها في تنقل "نتنياهو" وكبار المسؤولين بالوفد، هذه الزيارة الإفريقية، شملت أوغندا، رواندا، كينيا، وإثيوبيا، واستغرقت خمسة أيام، ويعزي ديوان رئيس الحكومة، أهمية كبيرة لها.

في سنوات الستينات كان عصر إسرائيل الذهبي في القارة الإفريقية، إلا أنه بسبب العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية عام 1967، وحرب تشرين عام 1973، قطعت جميع الدول الإفريقية تقريباً-التي كان لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل- هذه العلاقات، إضافة إلى علاقة إسرائيل الحميمة بنظام الابرتهايد العنصري مع جنوب إفريقيا، ووضع جنوب إفريقيا على القائمة السوداء، فكانت إسرائيل تقيم علاقات دبلوماسية معها، ومع(40) دولة، من أصل (48) دولة إفريقية، وحاليا تعمل سفارات إسرائيل في عشر دول إفريقية بالإضافة إلى مصر، وهذه الدول هي: جنوب إفريقيا، كينيا، نيجيريا، الكاميرون، انغولا، إثيوبيا، اريتيريا، غانا، ساحل العاج، والسنغال، وفي إسرائيل (15) دولة إفريقية لها سفارات دائمة.

رحلة "نتنياهو" الإفريقية، سياسية اقتصادية أمنية، وحسب جريدة "يديعوت احرونوت"، طلب "نتنياهو" عشية الزيارة من وزارة الخارجية الإسرائيلية، تزويده بمعلومات عن السيرة الذاتية لرؤساء الدول التي سيزورها ويلتقي بهم، ومعلومات عن نسائهم وعشيقاتهم والمحظيات لهم، إضافة إلى توفير كوافير وخبير ماكياج، على أن يكون من أصل غربي من الذكور، ولزوجته المرافقة له في هذه الجولة من الإناث، فالتوقعات بأن هذه الزيارة ستعود إلى إسرائيل بأرباح طائلة، لكن محللين إسرائيليين يقولون بأن تجارب الماضي لا تحمل أي بشرى لإسرائيل في القارة الإفريقية، فهي دول فقيرة، لا تتمتع بتدريج مالي لضمان دفع الديون، وأن التوقعات بأن تكون خيبة الأمل أكبر من الأمل.

يسعى "نتنياهو" من خلال هذه الرحلة-إضافة لتحسين العلاقات مع الدول الإفريقية، وتقريبها لإسرائيل في المنابر الدولية، والأمم المتحدة، لجعلها زيارة تاريخية، ومحللون إسرائيليون يصفونها بـ "الفستبال" أي بالمهرجان، لكن العلاقات والاستثمارات الإسرائيلية لم تنقطع، صحيح أنها تراجعت، لكنها قائمة، وهناك مكاتب اقتصادية لإسرائيل في بعضها، وأن استثمارات إسرائيلية ويهودية قائمة، وخاصة في مشروع سد النهضة الإثيوبي، الذي له طابع اقتصادي وسياسي، فتخصيص الحكومة الإسرائيلية مبلغ (50) مليون شيكل، أي ما يعادل (13) مليون دولار، لإقامة علاقات عمل مع شركات إفريقية، يعتبر مبلغاً زهيداً جداً، فإسرائيل في أعقاب مقاطعات كثيرة، لاستيراد المنتجات الإسرائيلية، وخاصة المصنوعة في المستوطنات الإسرائيلية، فإنها تحاول فتح الأسواق الإفريقية، أمام منتجاتها، لكن القوة الشرائية، والسيولة في الدول الإفريقية ضعيفة جداً، لكن إسرائيل تعرض على هذه الدول، مرشدين زراعيين، وأطباء، ومستشارين عسكريين، وممثلين عن شركات البناء الإسرائيلية، وفتح الوكالة الإسرائيلية للتنمية الدولية، مكاتب في البلدان الأربعة، التي زارها "نتنياهو"، وتتقاسم هذه الوكالة مع البلدان النامية، التكنولوجيا والخبرات الإسرائيلية، ومن أهم ما تبيعه إسرائيل لهذه الدول السلاح.

لقد عقد "نتنياهو" قمة مصغرة حضرها سبع رؤساء دول: كينيا، ورواندا وإثيوبيا، وجنوب السودان، وزامبيا ومالاوي وأوغندا، ركز "نتنياهو" فيها على الملف الأمني، ومحاربة الإرهاب، وطلب "نتنياهو" مساعدته للحصول على عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي، لتعميق الحوار بين إسرائيل والدول الإفريقية، وباعتقاده إذا حصل على عضوية مراقب، سيكون تحول إستراتيجي هام بنظر العالم نحو إسرائيل، وتحولاً في علاقة إسرائيل مع القارة السمراء، ويرفع "نتنياهو" شعار أن إسرائيل عادت لإفريقيا، وإفريقيا عادت لإسرائيل، فإسرائيل تسعى إلى ضمان دعم الدول الإفريقية في الأمم المتحدة لجانبها، أو على الأقل تحييدها أثناء التصويت في الأمم المتحدة ولجانها، بشأن القضايا العربية، وبخاصة القضية الفلسطينية، فقد أثارت هذه الزيارة، جدلاً في الأوساط الإسرائيلية السياسية والإعلامية عن جدواها.

لقد استغل "نتنياهو" هذه الزيارة، للتذكير بمرور (40) عاماً على عملية مطار عنتيبي، التي نفذها الجيش الإسرائيلي بتاريخ 4/7/1976، لتحرير ركاب الطائرة المخطوفة، ومصرع شقيقه "يونتان" الذي قتل في عملية الكوماندو الإسرائيلي، وأخيراً ... فإن هناك تقصيراً عربياً، في ترك الساحة الإفريقية، لتلعب بها إسرائيل كما تشاء، في احتواء الدول الإفريقية، لفك عزلتها العالمية، مع أن دولاً عربية عديدة لها مساهمات اقتصادية، وتقدم المساعدات المالية، وتدعم دول إفريقية، لكن دون برنامج سياسي واقتصادي موحد لهذه الدول، وكل دولة تعمل بمفردها، ودون تنسيق مع بعضها البعض، وبدون برنامج وإستراتيجية موحدة، مما يكون الحصاد محدوداً، وترك الفراغ للأطماع الإسرائيلية المعلنة، لتعود في هيمنتها على الدول الإفريقية.

انتهى.....

بقلم/ غازي السعدي