استطاع الشعب التركي العظيم الحفاظ على الشرعية الديمقراطية بكل صورها ومعانيها، فالديمقراطية هي الضمانة الوحيدة للاستقرار والأمن، والتي تنمو فيها حرية الفرد، وتوطد فيها أركان الحكم الدستوري من خلال التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، وبكل مسؤولية نجح الشعب التركي أن يقلب الأمور رأساً على عقب في وجه الانقلابين، وتجسد ذلك جلياً بوقوف الشعب التركي بكل أطيافه واتجاهاته ومعارضته السياسية الراقية موقفاً مسانداً للحكومة التركية المنتخبة وقيادته الشرعية ضد حركة الانقلاب العسكرية الفاشلة، التي كانت تهدف إلى تدمير تركيا، وجرها إلى حرب أهلية طائفية طاحنة، تأكل الأخضر واليابس، في صورة حضارية تخطت كل الحدود، وكان لها الوقع الأقوى في إعادة الحياة إلى طبيعتها، رغم أن واجهة الانقلاب تتحدث عن تركيا الإنسان والبلد.
وأثبت الشعب التركي من جديد، أنه جدير بالديمقراطية، وأنه يحظى باحترام شعوب العالم الحر، برفضه الخضوع والاستسلام لقوة العسكر حرصاً منه على المكاسب الشعبية التي حققها، واستشعاراً بعظم المسؤولية الوطنية، لأنهم يثقون بأن الهدف أسمى وأثمن، وأنه يستحق التضحية بكل معاني الكلمة وأشكالها، ولا يبالي بما قد تؤول الظروف والأحوال إليه، لكنهم ظلوا يؤمنون بتركيا الموحدة، وحتى لا ينزلق الشعب التركي كما انزلقت بعض شعوب المنطقة، خاصة أن تركيا مستهدفة من الغرب.
الحالة التركية، بعثت في النفوس أملاً جديداً، وأعطت إلى كل الشعوب المقهورة درساً بليغاً في التصدي للمخططات الهادفة لتدمير تركيا، والتمسك بالوحدة الوطنية كطوق نجاة، والوقوف أمام التحديات والتناقضات التي تعيق سير الحياة، والعمل على استراد مكانة تركيا، والتأكيد على هويتها، وإنّ الشعوب قادرة على حسم الأمور لصالحها في التغيير، مهما تلبد الأفق بالغيوم وطال الدرب وتأخر زمن القطاف.
وإنَّ حكمة الحزب الحاكم في تركيا جنبت البلاد والعباد من الدخول في وحول الطائفية، ومتاهة الاحتكام للسلاح، وفي ذلك درس بليغ أيضاً في تحكيم لغة العقل والمنطق، وتغليب مصلحة الوطن على المصلحة الحزبية والفئوية، وأتمنى استخلاص الدروس والعبر مما حصل في تركيا، وإعادة اللحمة إلى الشعب الفلسطيني بتحقيق الوحدة الوطنية، والتصحيح والتصويب والترشيد في السياسة الداخلية، بكل ما يتطلبه الحكم على أساس الكفاءة والمساءلة والشفافية واحترام المؤسسات، والأخذ بيد الشعب نحو مدارج الرقي والتغيير والاصلاح المنشود، وإدراك حقيقة الخطر الذي بات يتهدد الجميع، فلا فضيلة لحاكم أشرف من الرحمة.
بقلم/ نعمان فيصل