تركيا توقظ ذاكرة المصريين

بقلم: فايز أبو شمالة

ما فشل في تركيا قبل يومين نجح في مصر العربية قبل عامين، فالشعب التركي تعلم من التجربة المصرية، ولم يكتف بالاعتصام في ميدان "تكسيم" وإنما نزل بالملايين إلى الشوارع، وحاصر المؤسسات والدبابات، ومارس الرفض العملي للانقلاب، بينما احتشد مئات آلاف المصريين الرافضين للانقلاب في ميدان رابعة، وانتظروا أن يأتي إليهم المنقلبون تائبين صاغرين، وذلك لن يتحقق أبدا.
في تركيا وقفت كل الأحزاب التركية والمؤسسات المدنية ضد الانقلاب، فهي على درجة راقية من الوعي والقناعة بالديمقراطية التي تحتكم إلى صناديق الاقتراع، وليس إلى دبابة المنقلبين، بينما تحالفت كل القوى السياسية والأحزاب والشخصيات المصرية ضد الديمقراطية، وأجرم الجميع في حق صندوق الاقتراع، بعد أن وقعوا في شرك تصحيح المسار.
في تركيا اكتوى الناس بنيرات الانقلابات السابقة، حتى صار ذكر الانقلاب رعب يطفئ فرح الأطفال، لذلك خرج الأتراك بعنف وقوة لمجرد ذكر انقلاب، وفي مصر وقع بعض الناس في حسن الظن، وتعرضوا لغسيل دماغ مبرمج، بعد أن لبس الانقلاب عباءة الإصلاح، واحتمى بشعار حماية المجتمع من الانقسام، والحفاظ على مصالح مصر.
في تركيا كان التحرك الرسمي والشعبي سريعاً لرفض الانقلاب، وقد تمت محاصرته قبل أن يبسط أذرعه على المؤسسات والميادين ، بينما كانت ردة فعل الحزب المنتخب في مصر العربية متأخرة، ولم تتخذ الرئاسة في ذلك الوقت أي إجراء احترازي، وساد الصمت والانتظار حتى أغلقت الدائرة على الديمقراطية الناشئة في مصر.
في تركيا نمت الديمقراطية في قلوب الشعب التركي كأشجار النخيل الباسقة، سنوات من الرعاية والاهتمام، حتى أعطت ثمراً، استعصى على الانقلاب اقتلاعها، بينما عاشت مصر تجربة ديمقراطية قصيرة المدى، فهي لم تضرب جذراً، فاجتثتها الرياح العاتية بسهولة ويسر.
في تركيا كانت المواجهة الحاسمة، وكان التصدي للانقلاب بكل قوة، وكان هنالك استعداد مسبق لكل طارئ، فكان الأمن الداخلي والشرطة على أهبة الاستعداد للمواجهة، بينما التزم أنصار الديمقراطية في مصر بالسلمية طوال الفترة الحرجة من عمر الانقلاب.
في تركيا لم يسقط الانقلاب، وإنما أغلق الشعب التركي مدرسة الانقلاب في كل بلاد المشرق، بعد أن أكد الشعب التركي على أن الديمقراطية ليست شعاراً، ولا كلمة، ولا أمنية، الديمقراطية ممارسة يجب أن يحميها الشعب بروحه ودمه، ويجب أن يحميها بالقوة، فالقاتل لا يتخلى عن سكينه للقتيل طوعاً، والديمقراطية لا تحتاج إلى صوت الناخب فقط، الديمقراطية تحتاج إلى زند الناخب كي يلوي بعضلاته عنق المجرمين.
في تركيا لم ينقلب العسكر على الديمقراطية كما يقولون، في تركيا كان العسكر رأس الحربة، وكان النصل والمقبض في يد أعداء الإنسانية، تلك الوحوش الشرسة المنتشرة على مساحة الأرض، أولئك الذين يرتدون ربطات العنق، ويمتلكون المال ووسائل الإعلام، ويرتبون الانقلاب في هذا البلد العربي، ويدبرون الانقسام في ذاك البلد، ويمولون الحرب الطائفية هنا وهناك، ويطلقون فضاءهم الإعلامي ليرش العطر فوق برك الدم التي حفرتها أطماعهم.
في تركيا لم ينتصر الشعب التركي فقط، وإنما انتصرت الديمقراطية، وانتصرت إرادة الإنسان الرافض للعبودية والتبعية، ولهذا النصر الإنساني ارتداداته الجغرافية والسياسية التي ستهتز لها دول المنطقة، وعلى رأسها إسرائيل؛ التي قطعت سكون السبت اليهودي المقدس، وسهر إعلامها كل الليل لإطفاء النجوم، فجاء صباح تركيا مزهراً كشمس الحرية التي فضحت المؤامرة، وأشرقت على شعوب الدول العربية التي ترفض الانقلابات العسكرية، وترفض أن تعطيها الشرعية، فسقطت مع سقوط المؤامرة على تركيا.
لماذا رفع أردوغان شعار رابعة العدوية أثناء إلقائه كلمة النصر؟
وهل صار شعار رابعة هو العلامة الفارقة لرفض الانقلابات العسكرية؟
الأيام القادمة ستؤكد أن الشعب المصري لا يقل عظمة ونخوة وكرامة وكفاءة ووفاء وعشقاً للديمقراطية من الشعب التركي.

د. فايز أبو شمالة