من اللحظة التي قررت فيها الحكومة إجراء الانتخابات الديمقراطية في أكتوبر من هذا العام، كتبت مقالين أحرض فيها حركة حماس على ضرورة المشاركة في الانتخابات المحلية، وذلك لعدة أسباب فصلتها سابقاً، ولأن الانتخابات ستشكل فرصة استثنائية لحركة حماس، ستمكنها من نقل موقد النار الذي تمثله الخدمات اليومية إلى حضن حركة فتح، صاحبة المشروع السياسي، وقد تكون الانتخابات فرصة مناسبة لحركتي فتح وحماس كلتيهما؛ لاستثمار المشاركة في تحقيق الوحدة الوطنية عملياً، من خلال التوافق على قوائم انتخابية موحدة، وفق المثل الشعبي القائل: "لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم" على أن يكون هذا التعاون الميداني مقدمة لتعاون أكبر، يأخذ بيد المجتمع إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهي فيصل السياسة.
التوافق على قوائم مشتركة لخوض الانتخابات المحلية يجنب حركتي فتح وحماس النتائج السلبية للعملية الانتخابية، ولاسيما أن المنافسة بين التنظيمين ستكون حادة، وتصل إلى حد كسر العظم، على قاعدة العدم التي تقول: "إما أنت في الميدان وحدك وأخرج أنا، وإما أنا في الميدان وحدي وتخرج أنت" وهذه القاعدة كانت السبب في إغلاق الضفة الغربية لفتح، وأغلقت غزة لحماس.
القوائم الانتخابية المشتركة بين حركتي فتح وحماس قد تكون مقدمة لتعاون أوسع، وشراكة عملية في أكثر من ميدان، ولاسيما أن الوطن فلسطين ملك لجميع أبناء الشعب الفلسطيني، ولا يحق لتنظيم مهما كان أن يدعي حق الملكية المطلق لكل الوطن، وحق التفرد بالقرار وحيداً، لذلك فالمسئولية عن خدمة الناس جماعية أكانت في إشعال الأمل، أو في إطفاء الانقسام.
ودون القوائم المشتركة بين تنظيمي فتح وحماس، والتوافق مع بقية التنظيمات الراغبة في خدمة الجماهير، فإن من حق الفائز في الانتخابات المحلية الادعاء بأنه الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فالانتخابات المحلية ستحدد الحجم الفعلي للقوى السياسية على الأرض، وستكون بمثابة قرون الاستشعار التي ترسم معالم المستقبل لكل تنظيم، وستقدم قراءة دقيقة لمزاج الشارع، وتحدد رؤيته السياسة، والتي يكمن خطرها في نقطتين:.
الأولى: في حالة فوز حركة حماس بأغلبية المجالس المحلية في الضفة الغربية وغزة، فإن من حقها أن تطعن في شرعية السيد محمود عباس، وأن تطالب بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية فوراً، في الوقت الذي ستتلكأ السلطة في ذلك، وتعاود القراءة من جديد.
الثانية: في حالة فوز حركة فتح بالأغلبية، فمن حقها أن تدعي أنها مالكة الشارع، وهي صاحبة القول الفصل، وعليه ستسارع إلى تحديد موعد قريب لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، في الوقت الذي ستتلكأ حركة حماس في ذلك، لتعاود قراءة الواقع من جديد.
لما سبق من نتائج غير مطمئنة، فإن التوافق على عدم كسر العظم، والخروج بمجالس محلية توافقية بين حركتي فتح وحماس وباقي التنظيمات والقوى السياسية؛ قد يشكل رافعة للعمل السياسي الفلسطيني، ولاسيما أن المجالس البلدية هي مجالس خدمية، ورئيس البلدية ليس أكثر من خادم مطيع وأمين إذا كان أداؤه محكوماً برقابة مجلس بلدي متعدد التنظيمات، ليكون رئيس البلدية دكتاتوراً بكامل الصفات إذا كان أداؤه قرين الأعضاء الزملاء في التنظيم، الذين سيقولون آمين. كلما قال رئيس البلدية ولا الضالين.
د. فايز أبو شمالة