انقلاب على انقلاب!!!

بقلم: أيوب عثمان

مع بالغ تقديري لقلم الكاتب الأستاذ/ أكرم عطا لله – الذي أحب وأحترم – فإنني أختلف معه في رأيه الذي عبر عنه في مقاله بعنوان:" ملاحظات على هامش محاولة انقلاب أنقرة!!"، حيث يقول:" نحن في غزة نعرف ماذا يعني الانقلاب وما هي نتائجه على الوطن والمواطن...."

فالقول بأننا " نحن في غزة نعرف ماذا يعني الانقلاب"، إنما هو قول ينصرف إلى الظن والادعاء لا إلى اليقين المعمد بالفعل والممارسة، ذلك أن القول الأصوب والأقوم والأعدل هو أننا " نحن في فلسطين (الضفة وغزة وليس غزة فقط) لا نعرف ماذا يعني الانقلاب ولا نعرف كارثية نتائجه على الوطن والمواطن!

فلو كنا نعرف ماذا يعني الانقلاب، لعرفنا ماذا كان يعني الانقلاب على الحكومة الفلسطينية العاشرة التي توافقنا على وصفها وتسميتها بأنها "حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية" التي ما كانت إلا ثمرة للشرعية الديمقراطية الانتخابية ونتاجاً لها!. لو كنا نحن – في غزة والضفة تحديداً – نعرف ماذا يعني الانقلاب وما هي نتائجه المدمرة والخطيرة لعرفنا – كما عرف الأتراك وفعلوا – كيف نواجه الانقلاب على الشرعية التي عمدتها الديمقراطية الانتخابية في عام 2006 والتي أفرزت حكومة الوحدة الوطنية! لو كنا - في كل من غزة والضفة وليس في غزة وحدها - نعرف ماذا يعني الانقلاب على شرعية الحكم والحكومة بصفتها شرعية مستمدةً من - ومستندةً على - انتخابات ديمقراطية شهدت الدنيا بأسرها على سلامتها ونزاهتها، لما كان منا– في غزة والضفة تحديداً– ما كان ضدنا حين اقتلعنا- نحن الفلسطينيين في غزة والضفة– أعيننا بأيدينا. ألم يكن التحريض على نتائج الانتخابات انقلاباً أو إشارات أو نذر أو مقدمات لانقلاب؟! ألا تُعَد المسيرات التحريضية الموجهة توطئةً لانقلاب؟! ماذا فعلنا للتعامل وطنياُ مع إشارات الانقلاب ونذره ومقدماته؟! ألم نَبْقَ نتفرج على أنفسنا ونحن نتلاوم ثم بالاتهامات المتبادلة نتقاذف ثم نتقاتل ونقتتل؟! ماذا فعلنا نحن الفلسطينيين – بفصائلنا ومثقفينا ومؤسسات مجتمعنا المدني – لإخماد نيران الاقتتال بغية تدارك الموقف والانتباه للمصلحة الوطنية العليا التي كان ينبغي أن يكون عمادها والقاسم المشترك الأعظم فيها هو العودة إلى الشرعية التي عمدتها انتخابات نيابية ورئاسية انتجت حكومة وحدة وطنية أقيمت في وجهها – منذ باكورة قيامها– كل العوائق والسدود والحواجز والمصدات بدءاً من المسيرات التحريضية الموجهة وقرع الطبول والطبل على الطناجر وحمل أرغفة الخبز ومواعين الطعام الفارغة للتدليل على الجوع الذي سببه حصار ظالم أراد بعضنا الركوع أمامه والاستسلام إليه بدلاً من الصمود أمامه ومقاومته. هل من أحد ينكر هذا؟! هل من أحد يذكرنا إن كنا – بفصائلنا ومثقفينا ومؤسساتنا وقوانا – قد فعلنا ما فعله الأتراك لقتل الانقلاب في مهده؟! كل ما فعلناه أننا بقينا نتفرج على أمل أن يأتينا الله بفرج من عنده، دون أن نعمل من أجله، جاهلين أو متجاهلين أن الله يفرج كرب من آمن بقوله تعالى:"وقل اعملوا"، فيما نحن لم نعمل، ولم نعمل لأننا لم نعرف، ولم نعرف لأننا لم نعمل من أجل أن نعرف! ولأننا بقينا كذلك – لا نعمل ولا نريد أن نعمل ولا نعرف ولا نريد أن نعرف – فقد بقيت كرة النار تتحرك بسرعة في كل اتجاه. وأتذكر هنا كيف كنت وزوجي – يرحمها الله رحمة واسعة – نرافق ابنتنا إلى امتحان الثانوية العامة تحت القصف والنار والكر والفر المتبادل بين الإخوة الأعداء، وكيف كنا نبقى لساعتين أو ثلاث ساعات ونحن في حيرة من أمرنا، مترددين في اختيار مكان آمن ننتظر ابنتنا فيه بالقرب من مكان الامتحان، ثم نتردد في اختيار شوارع آمنة كي نسلكها عائدين إلى بيتنا. هكذا كان كل الآباء والأمهات والإخوة والأخوات وأولياء الأمور مع أبنائهم في أوقات الامتحانات. وهكذا – ورغم هذه المعاناة التي تستنهض همة من قٌدَّت من الحجارة قلوبهم وصيغت من البلادة ضمائرهم – فقد بتنا لا نفعل شيئاً غير أن نتفرج على سقوطنا وخيبتنا.، وبقيت كرة النار تطير بسرعة في كل اتجاه لتكبر وتكبر وتكبر فيما الخسائر تزيد وتزيد وتتزايد إلى أن كان الرابع عشر من يوليو 2007 ، حيث "الانقسام" الذي يحلو للبعض أن يطلق عليه اسم "الانقلاب" والذي لا أعترض على وصفه كذلك، داعياً أولئك إلى أن يصفوا أيضاً عدم التسليم بشرعية انتخابات 2006 ونتائجها وشرعية حكومة الوحدة الوطنية التي انتجتها بأنه "انقلاب" على الشرعية بكل ما تحمله كلمة "انقلاب" من معنى، الأمر الذي لا بأس معه أن توصف أحداث الرابع عشر من يوليو 2007 وما تلاه بأنه "انقلاب"، على اعتبار أنه "انقلاب على الانقلاب"، فيما الأصل ألا يكون للانقلاب على الشرعية الديمقراطية – في تكويننا النفسي والتربوي والسياسي – مبررٌ أومكان.

أما قول صاحبي بأنه" من سخريات القدر أن المؤيدين للانقلاب في غزة رفضوا بشدة الانقلاب في أنقرة"، فهو قولٌ يعوزه الاستدراك بأن الانقلاب في غزة لا يؤيده ولا يسعى إليه وطني فلسطين عاقل أو مجنون، غير أن الذي جرى في غزة إنما هو – كما جاء وصفه أعلاه – انقلاب " ضار وخطير" على انقلاب أكثر ضرراً وأكبر خطراً. غير أن الضرر الأكبر من كل ضرر والأخطر من كل خطر هو امتناع سيادة الرئيس – منذ أطلت برأسها نذر الانقلاب على شرعية الانتخابات الديمقراطية وعلى شرعية الحكومة الوطنية الفلسطينية وحتى اللحظة – عن فعل ما كان يتوجب عليه فعله لتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية، مع وقوفه الشديد – على نحو غريب ومريب – ضد المقاومة التي استمرأ على وصفها بالعبثية، فضلاً عن إقباله – بل وركضه – نحو المساومة والمقايضة والمفاوضة، الأمر الذي – أعني موقف الرئيس من المصالحة والمقاومة والمفاوضة – ينبغي له أن يستدعي من كتابنا ومثقفينا وأساتذة جامعاتنا وتنظيماتنا الحزبية والنقابية اهتماماً موضوعياً (لا مجاملاتياً) بحجم الهم الوطني أو يزيد عنه.

لقد أعجبني ما كتبه الأخ الكاتب الصحفي النابه الأستاذ/ هاني حبيب إذ يقول: "إن كل مساوئ أردوغان وسياساته الخرفاء، داخلياً وخارجياً، لا تبرر على الإطلاق القيام بانقلاب عسكري على حكمه، فهو لم يأت من الفضاء ولا من كولسات الأحزاب، بل أتى من خلال الاقتراع الشعبي في ظل انتخابات ديمقراطية...". وعليه، ألا ينبغي لنا أن ننتقد "الانقسام – الانقلاب" في عام (2007) ونهجم عليه، دون أن ننتقد "الانقسام – الانقلاب" في عام (2006) الذي سبقه ونهجم عليه لنصدر شهادة تبرئة له، فلا الرئيس ولا حكومة الوحدة والوطنية ولا نواب الشعب المنتخبون في عام (2006) أتوا من الفراغ أو العدم، ذلك أن تلك المكونات كلها من رئاسة وحكومة ونواب إنما أتوا جميعهم على عربات الشرعية التي لا يجوز الانقلاب عليها. وهنا،

ونحن في سياق تلك الأحداث "الانقسامية – الانقلابية" بمقدماتها الخطيرة ونتائجها الأكثر خطورة، فإنه لا ينبغي أن يفوتنا مشهد المقارنة بين موقف المعارضة الفلسطينية المراقب (الصامت المتفرج) في عامي 2006 و 2007 وموقف المعارضة التركية الذي ينبغي لنا أن نتخذ منه النموذج والمثال للوطنية الحقيقية كما ينبغي لها أن تكون، حيث نزلت أحزاب المعارضة التركية لتملأ الشوارع في مواجهة الانقلابيين على الرغم مما بين تلك الأحزاب والرئيس التركي المنقَلَب عليه من خلافات حادة وواسعة في المواقف والسياسات. لقد كان وقوف أحزاب المعارضة وقوفاً ضد الانقلاب والانقلابيين ولم يكن دعماً لأردوغان بل كان دعماً للوطن ورفضاً لانقلابٍ من شأنه أن يؤذي الوطن ويصيبه في مقتل.

أما آخر الكلام، فما أحوجنا إلى الصراحة والوضوح والمباشرة لبلوغ الجرأة على قول الحق، فلا نطلق على المسميات إلا أسماءها، ولا نصف ما نراه إلا كما نراه، لا كما يحلو لنا أن نراه، ولا كما يراد لنا أن نراه.

بقلم/ د. أيوب عثمان