إسرائيل غير مبالية بالتنديد والاحتجاجات الدولية الهائلة، ضد سياستها الاستيطانية، فالاستيطان لم يتوقف ولا ليوم واحد، كذلك نهب الأراضي الفلسطينية وتحويلها للاستيطان، فالأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" انتقد بشدة قرارات إسرائيل الاستيطانية وبخاصة الأخيرة، ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية في القدس الشرقية، وتوسيع مستوطنات الضفة الغربية، كما أن تقرير اللجنة الرباعية الدولية الخجول ضد الاستيطان لم تأخذ به إسرائيل، فتوسيع الاستيطان حسب الأمين العام للأمم المتحدة، انتهاك واضح للقوانين الدولية، حتى أن إسرائيل ضربت بعرض الحائط بيان الخارجية الأميركية الذي جاء فيه أن البناء في القدس الشرقية، ومعاليه أدوميم، وفي الضفة الغربية عملية منهجية إسرائيلية للاستيلاء على أراضٍ فلسطينية، الأمر الذي يقوض أسس "دولتين لشعبين"، فبعد (24) ساعة رد رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو" على بيان الخارجية الأميركية، من "رواندا" الإفريقية-التي كان يزورها- قائلاً أنه ليس هو الذي يبعد السلام، إنما ما يبعد السلام-حسب "نتنياهو"- هو التحريض ضد وجود دولة إسرائيل، وأنه على استعداد طيلة الوقت لإجراء مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة مع جيرانه، لكنهم ليسوا على استعداد لإجراء مفاوضات مع إسرائيل، وأن هذين الأمرين هما اللذان يحولان دون إقرار السلام، وليس بضع شقق بالقرب من معاليه ادوميم، أو عدة أحياء في القدس، فـ "نتنياهو" الكذاب والمخادع، يغالط في كل مرة الحقائق، ويتجاهل الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، لكنه يخترع المبررات، للاستمرار بزرع الأراضي الفلسطينية بالمستوطنات، فالاحتلال والاستيطان والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، هو منبع التحريض الإسرائيلي بعينه، والتوتر الذي يعيق استئناف المفاوضات، وأن اتهام "نتنياهو" للرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، بالتحريض ودعم الإرهاب، أحد في العالم لا يصدقه.
الانتقادات الدولية للقرارات الاستيطانية الإسرائيلية، والخروقات المتكررة للقانون الدولي، وهدم بيوت الفلسطينيين، وجرائم الاحتلال المتكررة والمتنوعة وهناك احتجاجات أميركية عليها، إضافة إلى فرنسا وبريطانيا، ودول كثيرة أخرى، كما أن وفداً إيطالياً لدى زيارته للأراضي الفلسطينية بتاريخ 9-7-2016، اكد أن الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة، غير شرعي بموجب القانون الدولي، فإسرائيل التي ضربت عرض الحائط لجميع قرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ويجب أن تخجل هذه الدول من نفسها، لعدم أخذ إسرائيل بقراراتها واحتجاجاتها، مع أن هذه الدول تملك إمكانيات هائلة، لوضع حد للعنجهية الإسرائيلية، إذا كانت جادة في مواقفها واحتجاجاتها، فإن باستطاعتهم انتزاع قرار من مجلس الأمن الدولي، وفقاً للبند السابع، ودون ذلك هراء، فأين هي هيبة الأمم المتحدة، والولايات المتحدة والدول الأخرى، التي لا تعمل على تجسيد مواقفها وقراراتها وتجبر إسرائيل على الامتثال لقرارات الشرعية الدولية، لكن إسرائيل تنتهج سياسة علنية واضحة، بأن الرد على عمليات المقاومة الفلسطينية، الاستعانة بالرد الصهيوني بإقامة مستوطنات جديدة، تعمل بهذا الأسلوب، منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية، لكن على المدى البعيد ستندم على انتهاج هذه السياسة الممنهجة، فوزراء يقولون صراحة، وبصوت عالٍ، بأن أرض فلسطين، وما تطلق عليه بأرض إسرائيل، ملك بلا منازع للشعب اليهودي دون سواه، وفقاً للوعد الإلهي المزعوم، في كتاب التوراة المزيفة، مع نفي وجود احتلال للأراضي الفلسطينية.
ما العجب في السياسة الإسرائيلية التوسعية، حين ذكرت جريدة "هآرتس 13-7-2016"، أن مسودة البرنامج السياسي للحزب الجمهوري الأميركي، لكسب أصوات اليهود والمتعاطفين معهم، إخراج ما يسمى بحل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية من بنود برنامج هذا الحزب، كما يرفض الحزب ما يطلق عليه بالفكرة الكاذبة القائلة بأن إسرائيل دولة احتلال، محتلة لأرضي الفلسطينيين، وإذا وصل الحزب الجمهوري إلى رئاسة البيت الأبيض، فإن برنامجه يتعارض مع قرارات الشرعية الدولية، الذي يعتبر الأساس في سياسة الولايات المتحدة حالياً، لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن هذا التطرف، في السياستين الأميركية والإسرائيلية، سيقابله تطرف عربي وإسلامي، إلى ما لا نهاية، ويعرض المنطقة إلى المزيد من التوتر والمواجهة والحروب.
إن سياسة "نتنياهو" وحكومته، بإغلاق آفاق الحل السلمي، ستؤدي إلى موجة طويلة من العنف، وهو يعلم أنه لا يملك رداً حقيقياً على مقاومة الفلسطينيين، بإغلاقه جميع أبواب السلام أمامهم، بل أن "نتنياهو" يعلن الحرب دون هوادة على المقاومين الفلسطينيين، فـ "نتنياهو" الذي يقف على رأس الحكم في إسرائيل منذ عام 2009، يتحمل المسؤولية الكاملة عن الوضع الراهن، وعلى عدم التوصل إلى حل، فهولا يستطيع الاستمرار في الاستيطان، والسيطرة على شعب آخر، ويتوقع أنهم سيستسلمون، فهو متعجرف ويقود إسرائيل إلى لا، مكان، فالقرارات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية، باستحداث آلية للإسراع بهدم منازل الفلسطينيين، والاستمرار بالاستيطان، وتكثيف حشد قوات الجيش في الضفة الغربية، وتعزيز قوات الشرطة في القدس، والمزيد من الاعتقالات الإدارية، وزيادة العقوبات على المقاومين وملقي الحجارة والزجاجات الحارقة، واللجوء إلى سياسة الإبعاد، ورفع شعار الموت للعرب، كل هذه السياسة جرى تجربتها منذ (50) عاماً، فماذا كانت النتيجة؟
إن الجهود الإسرائيلية، للربط والتشبيه بين المقاومة الفلسطينية للاحتلال، وبين الإرهاب الدولي، لتبرير ممارساتها والجرائم التي ترتكبها ضد الفلسطينيين، لتشويه صورة نضاله، فالكنيست شرّعت (39) قانوناً عنصرياً خلال خمسة شهور، يضاف لعشرات القوانين العنصرية التي سبقتها، وإسرائيل لا تقوم بملاحقة الإرهابيين والمتطرفين اليهود، وإذا قامت بملاحقتهم تفرج عنهم بسرعة، ومثال على ذلك-والأمثلة كثيرة- فإن الحاخام "شاؤول مئير" كان أحد زعماء التنظيم الإرهابي السري اليهودي، بين سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، الذي خطط لتفجير قبة المسجد الأقصى، وتفجير حافلات تقل عمالاً فلسطينيين، واغتيال رؤساء بلديات الضفة الغربية، وأعمال إرهابية أخرى، حكم عليه بالسجن مدى الحياة، لكن سلطات الاحتلال أفرجت عنه بعد سبع سنوات، بمنحه العفو، فإسرائيل تخشى من الحاخامات، ويبدو أنها منسجمة مع فتواهم، فنائب الكنيست "يانون مفال"، اعتبر إحراق عائلة الدوابشة في دوما، ليس عملاً إرهابياً، وأن منفذوها ليسوا إرهابيين والمستوطنون يحتفلون بحرق هذه العائلة، بل وأطلقت سراح أحد منفذيها، فإسرائيل تدعي إنها دولة قانون، لكن ممارساتها تغطي وتحمي الأعمال الإرهابية اليهودية.
بقلم/ غازي السعدي