إلى نتنياهو… عليك تنفيذ المطلب التالي

بقلم: فايز رشيد

في سابقة هي الأولى من نوعها، خصص رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو كلمة مصورة وجهها للرئيس الفلسطيني محمود عباس، دعاه فيها للقيام بخمس خطوات لما سماه "تحقيق السلام".
نص الرسالة يتألف من خمسة مطالب، كالتالي: أولًا.. عليك إقالة مستشارك سلطان أبو العينين، الذي دعا مؤخرًا لذبح كل إسرائيلي، أطالبك بإقالة هذا المستشار الذي يتغنى بقتل شعب. ثانيًا.. حزبك امتدح مؤخرا على الفيسبوك "مخربا" قتل 24 إسرائيليا بريئا. أطلب منك رفع سماعة الهاتف والطلب من مدير حزبك الإعلامي، التوقف عن امتداح عمليات القتل الجماعي. ثالثا.. ستقوم السلطة الفلسطينية الأسبوع المقبل بوضع نصب تذكاري لأبو السكر الذي قتل 15 شخصا بتفجير ثلاجة مليئة بالمتفجرات في القدس. يتوجب ألا تقيم تماثيل للقتلة. رابعا: أطلب منك التوقف عن دفع الأموال "للقتلة". خامسا، زعم نتنياهو أنه "سيواصل العمل بلا كلل لتحقيق السلام، وحان الوقت لكي ينضم عباس لهذه المساعي".
بداية، تصوروا العنجهية والصلف في صيغة الرسالة المتلفزة لنتنياهو ومع أنني من أشد المنتقدين لسياسة الرئيس عباس، لكنه يعزّ عليّ كفلسطيني، أن يخاطبه نتنياهو بطريقة في منتهى الوقاحة والاستعلاء الصهيوني المعروف، الناتج عن العقلية المشبعة الإيمان بالتفوق الاستعلائي المكابر والتميز العرقي، إضافة إلى أن كل ما ورد على لسان نتنياهو هو اختلاق كاذب، إن في اتهام الفلسطينيين والعرب بالفاشية والعنصرية وقتل اليهود، في الوقت الذي ثبت فيه أن دولة اسرائيل (منذ إقامتها وحتى اليوم) هي دولة الإرهاب الفاشي الأول، وكيان العنصرية المتطورة إلى درجة "ما بعد الفاشية" و"ما بعد العنصرية "، أو في الادعاء بأنه يسعى لتحقيق السلام.
مع العلم، وكما عبّر عن ذلك أكثر من مرة، أنه يرفض حل الدولتين كما كل قادة دولته، ولا يطيق سماع حل الدولة الديمقراطية الواحدة، ولا الأخرى الثنائية القومية ولا الدولة لكل مواطنيها. هو يؤمن كما كل القادة الصهاينة ومعظم الشارع الصهيوني باستعباد شعبنا، وقتله تدريجيا وبشكل يومي، وإجراء ترانسفير متدرج بحقه، وبأن سقفنا الأعلى هو حكم ذاتي منزوع الصلاحيات والسيادة، وأن للكيان حق التدخل في الأرض الفلسطينية، وقتل وهدم بيوت واغتيال واعتقال من يشاء من الفلسطينيين.
يؤمنون أن من حق اسرائيل الاستيطان حيثما تشاء في الضفة الغربية، لأنها جزء من "أرض إسرائيل" منذ 2500 عام أي أن فلسطين، هي الأرض الموعودة لهم.
بوسعي الادّعاء، أنني من المتابعين للشأن الإسرائيلي بشكل تفصيلي يومي، خاصة لما يدور في شارعه من أحداث وتطورات وتحولات، ولأنه- ربما من سوء حظ نتنياهو- أنني أتابع كشف حقيقته، بدءا من ادعاءاته المُختلقة والكاذبة، التي وردت في كتابه "مكان تحت الشمس" وقد رددت عليه بكتاب مضاد، يفنّد بالوثائق كلّ ما ادعاه – أوجهها إليه منشورة، مع كرهي الشديد لمخاطبته، طالبا منه تنفيذ المطلب التالي الوحيد، إرحل وارحلوا عن أرضنا.
عندما أطلب رحيلك عن أرضنا ، فإنني أعني ما أقول، صحيح أنك ولدت في فلسطين، لكن أباك هاجر إليها من بولندا، ووالدتك من أمريكا، فأي حق لك في فلسطين؟ كما علينا محاسبتك وقادة كيانك باقتراف جرائم حرب الإبادة الجماعية ضد شعبنا وأمتنا. لم أتصور وغيري، أن تبلغ بك العنجهية والصلف إلى مستوى التصريح: "بأن وجود فلسطينيي 48 على أرضهم"، مكرمة صهيونية".. فأنت وكل مغتصبي أرضنا، الطارئين، العابرين، منصرفين بإرادتهم أو بالقوة، لأنك لو قرأتَ التاريخ وأحداثه فستدرك أنه ما من محتل لفلسطين إلا وطُرد منها. أما استشهادك في كتابك بأن اليهود "هم استثناء بين كل شعوب الأرض، فقد خُلقوا كي لا يموتوا"، على عكس كل البشر، في تحوير لمعادلة وضعها المفكر الإيطالي جيوفاني بتستافيكو حول دورة الأمم، فهي نظرة عنصرية. أيّدت دولتكم كل مظاهر القبح في الدول، احتلال أمريكا لفيتنام، تأييد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وأيضا في روديسيا، ونظام بينوشيت،ودوركم في الانقلاب على سلفادور أليندي، وغيرها وغيرها. وسأثبت لك صحة وجهة نظري في كل ما قلتُ.
سكن الفلسطينيون العرب فلسطين منذ آلاف السنين، وتحديدا منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد، عندما جاؤوا من جزيرة كريت في خضم الترحال آنذاك وأسسوا مدن غزة، عسقلان، أسدود وعقرون. (إقرأ العهد القديم، المؤرخ أبو جعفر الطبري، المسعودي، ابن خلدون وغيرهم). أول هجرة يهودية إلى فلسطين كانت عام 1840 وكان عدد المهاجرين فيها 1500 مهاجر. توالت الهجرات بعدها وارتفع عدد اليهود إلى 25 ألفا في عام 1903. ما ينطبق عليك ينطبق على كل المغتصبين المهاجرين إلى وطننا. وحول أضاليلكم وأساطيركم وادعاء أن فلسطين "لكم"، فكل علماء التاريخ والمؤرخين ينفون أي وجود لمملكتكم في فلسطين: (اقرأ كتب: ماك إليستر، كاتلين كينون، بيتر جيمس، توماس تومسون، أرنولد توينبي، غوستاف لوبون – مؤرخ يهودي الديانة، ايتيل مينون، روجيه غارودي، كمال الصليبي والمؤرخ اليهودي إسرائيل شاحاك). للعلم كل هؤلاء اتفقوا على أن قرنا كاملا من التنقيب لم يُفض إلا إلى تفسيرات مضللة لآثار فلسطينية، يجهد اليهود في تزييفها. أما حول العلاقة بين يهود الامس ويهود اليوم.. فينفيها المؤرخ اليهودي الديانة آرثر كوسلر، مطلقا في كتابه القيم "امبراطورية الخزر وميراثها، القبيلة الثالثة عشرة".
أما حول ادعائكم بأحقيتكم في القدس، فقد اعترف العالم الإسرائيلي الأبرز إسرائيل فلنكشتاين من جامعة تل أبيب المعروف بـ"أبو الآثار": بعدم وجود أي صلة لليهود بالقدس. جاء ذلك خلال تقرير نشرته مجلة "جيروزاليم ريبورت" الإسرائيلية، توضح فيه وجهة نظر فلنكشتاين. من جانبه، قال رفائيل جرينبرغ، وهو عالم آثار يهودي ويحاضر في جامعة تل أبيب: "إنه كان من المفترض أن تجد إسرائيل شيئاً حال واصلت الحفر لمدة ستة أسابيع، غير أن الإسرائيليين يقومون بالحفر في القدس لأعوام من دون العثور على شيء". من زاوية ثانية، اتفق البروفيسور يوني مزراحي وهو عالم آثار مستقل، عمل سابقاً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع رأي سابقيْه.
أنتم من تحتلون أرضنا، لذا فأنتم معتدون. وهناك قرارات واضحة للأمم المتحدة بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، وحقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم، وصولا إلى اعتبار الأراضي التي احتلتها دولتكم في عام 1967 بأنها أراض محتلة (بما فيها القدس)، وطالبتكم الأمم المتحدة بالانسحاب منها. رفضتم كل قرارات الشرعية الدولية، وأصررتم على ضم القدس والاستيطان، واعتبار الجولان أرضا إسرائيلية وسوّغتم لكل جرائمكم ومذابحكم اعتمادا على قانون القوة. للعلم ما زال مشروع دولة "إسرائيل الكبرى " يراود أحلام معظمكم لقد اعتبرت أنت، أن اقتطاع الأردن من "الوطن اليهودي" هو ظلم أحاط باليهود يعني أن أحلامكم بدولتكم الكبرى، ما تزال تداعب خيالاتكم وتدّعون أنكم تواقون إلى السلام أي سلام تتحدث عنه، وأنتم رفضتم حتى ما يسمى بـ "مبادرة السلام العربية"؟ كما المبادرة الفرنسية رغم تقزيمها لحقوقنا. حق الشعوب في مقاومة الاحتلال حق شرعي وواضح، أقرته الأمم المتحدة بقرارين واضحين صادرين عنها (القرار 3034، الصادر عام 1972، والقرار3314، الصادر عام 1974). أما الصهيونية التي تتفاخرون بها، فقد اعتبرتها الأمم المتحدة و26 منظمة وهيئة دولية أخرى، "شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري" ( القرار رقم 3379 عام 1975 ومعروفة ظروف إلغاء القرار- عالم القطب الواحد). في النهاية، أطالبك/أطالبكم (بالانصراف من دمنا – وقد أخذتم حصتكم الكبيرة منه وما تزالون- خذوا أشياءكم..وانصرفوا من أرضنا).نعم الظروف تتغير وسنتملك من أسباب القوة ما سيجعلكم مجبرين على تنفيذ مطالبنا.

د. فايز رشيد
كاتب فلسطيني