امام الظروف الني نعيشها لا بد لنا من تحديد رؤية علمية واضحة لمفهوم الثورة، حتى نعود فيها الى الزمن الجميل الذي كنا نعيشه ، ونرتقي بمفهومنا إلى مستوى عالي من الوعي والثقافة ، وفي محاولة للارتباط بتراث ثوري مفترض يكتب كأنه سيرورة نضال الطبقات المضطهدة، قاد الذي العظيم الفلسطيني فالشعب ، وحقوقها ارضها استعادة اجل من تناضل التي والشعوب النضال مسار في تحول نقطة تشكل المعاصرة ثورته تكان ، والانتفاضات الثورات من العديد كما ، التحرري الوطني ثورة عمر المختار، وثورة الجزائر ، وثورة 23 يوليو بقيادة جمال عبد الناصر.
اليوم للاسف البعض يريد الغاء مفهوم الثورة المعاصرة ، ويريد احتواء حركة المقاومة الفلسطينية، وسلبها إرادتها المستقلة وإبقاءها ضمن حدود معينة ، الا اننا على يقين بأن الشعب الفلسطيني الذي قدم التضحيات الجسام لا يمكن ان يقبل اي محاولة يائسة تحاول اخماد نار ثورته ؟، فهو يدرك تماما أن كل هذه المحاولات، هي محاولة فاشلة لكونها لا تنبع من إرادة الشعب الفلسطيني نفسه الذي لا يعتبر ممثلا شرعيا له سوى الثورة الفلسطينية التي انطلقت منها شرارة الكفاح المسلح وانضم اليها العديد من ابناء الامة العربية واحرار العالم ، ونحن هنا بصدد اعادة روح الثورة الى اجيالنا كي يجددوا عهدهم على الالتزام بمبدأ الثورة والنضال ، وكذلك الاجيال العربية لتشكل شعلة الفداء عالية، في مسيرة الكفاح المستمرة أمام كافة الصعاب مهما بلغت.
وهنا السؤال ان على جميع القوى والفصائل ان تجدد الولاء للجماهير، ومن ثم العمل على تحصين اوضاعها لمواجهة كل المؤامرات التي تتعرض لها القضية الفلسطينية من قبل الحلف الصهيوني والامبريالي والرجعي، لتصوير واقعنا الفلسطيني وكأنه قد انتهى ثوريا، وبالتالي إعداد العدة لتنفيذ مشاريع التصفية، من خلال تطبيع علاقات بعض الدول العربية والتي كان اخرها زيارة وفد سعودي ضم اللواء المتقاعد أنور عشقي ورجال أعمال سعوديين ، وتصوير أوضاع الاحتلال وكأنها تمر في حالة من الازدهار والقبول بالسلام، إن ذلك كله ليس إلا أكذوبة ينبغي لها أن لا تعيش طويلا.
وفي ظل هذه الاوضاع لم يرى بعض العرب نضال وصمود وتضحيات وانتفاضة الشعب الفلسطيني ، الم يرى هؤلاء ما يتعرضوا له الاسرى والاسيرات في سجون الاحتلال وهو يعتبر سابقة خطيرة في ممارسات الاحتلال ضد الحركة الفلسطينية الأسيرة تستهدف النيل من ارادة الاسرى التي لا تلين في الحفاظ على دورهم النضالي داخل الاسر، وتحويل السجون الى مدارس نضالية تخرج منها العديد من قيادات الحركة الوطنية الفلسطينية، بدلا من ان يدعوا هؤلاء الشعوب العربية الى الانخراط والمساهمة الفاعلة في كافة الفعاليات التضامنية والمساندة لنضال الشعب الفلسطيني والأسرى الفلسطينيين، فنحن نعلم ان هذه اللقاءات تقدم خدمات مجانية للاحتلال للاستفراد بشعبنا الفلسطيني، وإعطاء شرعية وغطاء لجرائمه المتواصلة، وتسهم في ترسيم التطبيع مع الكيان الصهيوني ليصبح أمراً واقعاً وعادياً في المنطقة يعمل على تعزيز توغل الاحتلال في المنطقة وزيادة نفوذه.
كثيرة هي المفاهيم والمقولات في أدبيات الثورة الفلسطينية المعاصرة، قد تطورت وتغيرت بفعل العمل الكفاحي الفلسطيني واضطرابات ميزان القوى بين الثورة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي وتأثيرات هذا الميزان على بنية النضال الوطني وتأثره بالتداعيات المصاحبة لعملية التغيير في منطقتنا العربية التي تتأثر بدورها بالأبعاد الإقليمية والدولية، وهذا أمر طبيعي، فالتطور هو نتاج الحراك التلقائي أو المفتعل، إلاّ أن التغير هو نتاج لطبيعة هذا التطور، بحيث يكون سلبياً أو إيجابياً، بالقدر الذي تأخذ فيه عملية التغيير سلوكها بتأثير التطور، إلاّ أن أحد أهم الشعارات التي رافقت الثورة الفلسطينية، بالكاد طرأ عليه أي تعديل أو تغيير، كما أنه لم يخضع للتمحيص والتدقيق، وأقصد هنا تحديداً،
كثيرة هي الأسئلة والتساؤلات التي تطرح اليوم وما تزال تطرحها الانتفاضة الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني وحركته الاسيرة، بعضها يتعلق بالاستراتيجية السياسية للحركة الوطنية الفلسطينية وبعضها يتصل بالتكتيك والشعارات والمساومة واللحظة السياسية الراهنة.
لقد انهمكت الساحة الفلسطينية بالبحث في الأسئلة والاستحقاقات ذات الطابع السياسي المباشر والتكتيكي المتصل بالحركة السياسية المحيطة بنضال الشعب الفلسطيني، من نوع المؤتمر الدولي، شروط انعقاده، الحاضنة العربية ومقررات قمة موريتانيا، والموقف من قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الموقف من المبادرة الفرنسية وغير ذلك من العناوين الهامة حيث البحث الفلسطيني يتوقف عندها ويدور حولها.
لهذا نرى أن هذا أمر طبيعي وضروري، فالاستحقاقات التي داهمت العمل الوطني الفلسطيني كانت تفرض ضرورة إعطاء الأجوبة على كل من هذه الأسئلة ، ولكن السؤال ألم تكشف انتفاضة شابات وشباب فلسطين عيوب اغلبية النظام الرسمي العربي المعادي للديمقراطية، الغارق في أوحال التبعية والتخلف السائر و تدمير بنية المجتمعات العربية وتحويلها إلى سوق استهلاكية لآخر مبتكرات تكنولوجيا الارهاب والسلع الاستهلاكية والتي لا وظيفة لها سوى تدمير الدول العربية وجيوشها ومقدراتها خدمة للمشروع الامبريالي الصهيوني الاستعماري الهادف الى رسم خارطة شرق اوسط جديد .
امام خطورة هذه المرحلة يجب على جميع الفصائل والقوى ان تستجيب لارادة الشعب الفلسطيني فعلاً لا قولاً حتى تكون بمقدورها ان تكون بمستوى التضحيات الجسام، خاصة في ظل الهبوط العربي، وانشغال العرب بجملة من القضايا الجانبية التي أريد بإشعالها حرف انتباههم عن قضيتهم المركزية الأولى، مثل ما يجري اليوم في المنطقة من مواجهة مع الارهاب التكفيري المدعوم من قبل القوى الامبريالية والصهيونية .
نعم نقول بكل صراحة لقد بلغ الانهيار العربي ذروته في قمة موريتانيا التي كرست التنصل العربي الجماعي من التزامات العرب بدعم صمود الشعب الفلسطيني ، لكن زيف الشعار "القومي" السائد، وحالة العجز والتخاذل والانهيار التي يعيشها النظام العربي باتت تفرض على الفلسطينيين انتزاع زمام المبادرة بأيديهم، تماماً كما باتت توجب على الاحزاب والقوى العربية وضع مهمة الخروج من نفق الأزمة التي تعيشها على رأس جدول أولوياتها.
لكن ورغم كل ذلك فأن هناك سمات جديدة اكتسبتها الانتفاضة الفلسطينية للصراع العربي الصهيوني، إلا أن الأمر الذي لا يجوز أن يغيب عن الأذهان للحظة واحدة هو أن العمق القومي لهذا الصراع سيظل قائماً ومطلوباً وضرورياً، فالعدو الصهيوني لا يهدد الشعب الفلسطيني وحده، ومهمة دحر المشروع الصهيوني لن تكون مهمة الشعب الفلسطيني وحده، ومستقبل النضال في سبيل التحرر ، وما يجمع الشعب الفلسطيني إلى جانب الشعوب العربية الأخرى هو وحدة الهدف في مواجهة العدو الاساسي للشعب الفلسطيني والشعوب العربية .
واليوم يترتب في ظروف الانهيار والتراجع العربي، على الشعب الفلسطيني أن يبلور ملامح كيانه الوطني وأن يستكمل مقومات وجوده الوطني المستقل، حيث وفرت الانتفاضة المدخل لهذه العملية ان كان لجهة حركة المقاطعة ، اضافة الى الحضور الفلسطيني في ميادين المواجهة على أرض الوطن أو في المعارك الدبلوماسية وبات لاستقلالية القرار الوطني الفلسطيني تجسيداتها وتجلياتها التي لم يعد بمقدور أحد أن يقفز فوقها.
ولذلك نرى إن القضية الفلسطينية باتت تطرح وبكل القوة على الساحة الدولية بوصفها قضية تقرير مصير لشعب حرم من هذا الحق طوال سنوات طويلة وباتت الأوساط الصديقة لإسرائيل تقليدياً مضطرة للتعامل مع حقائق كهذه، وهنا بالضبط يكمن جوهر التحول، وهنا بالضبط يكمن جوهر الخطر استراتيجياً على الكيان الصهيوني ومشروعه في المنطقة، وهذا يعود بفضل التضحيات التي قدمها شابات وشباب فلسطين في انتفاضتهم الباسلة من خلال مسيرة مخضبة بدماء الشهداء لن تتوقف حتى الظفر بالحرية والعودة والاستقلال.
ومن موقعنا نؤكد بأن إيماننا بمنظمة التحرير الفلسطينية بمختلف اتجاهاتها الوطنية تستدعي من الجميع العمل على انهاء الانقسام الكارثي وتحمل الجميع مسؤولية تحويل الانتفاضة إلى محطة نوعية جديدة في مسيرتنا الكفاحية.
إن شعب فلسطين يتطلع لكافة القوى الثورية على المستوى العربي والعالمي التي تدعم نضاله وتقوم بحركة نضالية مهمة هي حركة المقاطعة ومواجهة التطبيع، لتعيد لنا ايام الزمن الجميل للثورة الفلسطينية حيث امتزجت دماء المناضلين العرب واحرار العالم مع رفاقهم ثوار فلسطين، وعلى أرض فلسطين بالذات، والتي تجلت بأروع صورة تضامن عرفها نضال الشعب الفلسطيني.
ختاما : ان الشعب الفلسطيني الذي لا يهادن ولا يساوم، يسير على درب النضال بكل ثقة وإيمان بحتمية الانتصار، غير عابئ بكل ما يعترضه من صعاب، مؤكدا أن طريق النضال هو الطريق لتحرير الارض والانسان .
بقلم/ عباس الجمعة