في الذكرى العاشرة لحرب تموز 2006 ١ / 3

بقلم: رامز مصطفى

«لم يكن ثمة انتصار، لكننا لم نخسر بأيّ حال من الأحوال. حتى لو لم ننتصر، إلا أننا لم نخسر»، هي خلاصة المداخلة التي تقدم بها عمير بيريتس وزير دفاع الكيان الصهيوني، حول نتائج الحرب العدوانية التي شنّتها حكومة إيهود أولمرت على لبنان العام 2006. هذه الخلاصة على ما جاء فيها من تناقض ومحاولة بائسة من قبل قادة الكيان الصهيوني للتعمية على الحقيقة المرة التي لم يجرؤ أيّ من هذه القيادات بمستوياتها السياسية والعسكرية والأمنية على التفوّه بها، لاعتبارات شتى ليس أقلها التأكيد على مقولة كان أطلقها أحد عُتاة الحركة الصهيونية، ومؤسس الكيان الصهيوني ديفيد بن غوريون الذي قال: «إنّ إسرائيل تسقط بعد أول هزيمة تتلقاها». وقد جاء تقرير فينوغراد بقراراته وتوصياته واستنتاجاته بمثابة الدحض الفاضح لما قاله عمير بيريتس وكلّ أركان حربه آنذاك. وفي المقابل هو إشهار ساطع سطوع الشمس لمن لا يريد أن يعترف، القريب قبل البعيد، أنّ المقاومة في لبنان انتصرت ونقطة على أول السطر في صفحة من صفحات الصراع والحساب المفتوح مع الكيان حتى زواله عن أرض فلسطين.

الكيان الصهيوني وجرياً على عادته، وقطعاً للطريق على أية منجزات أو انتصارات تحققها المقاومة سواء في فلسطين أو لبنان، يعمد قادته إلى إعادة صياغة الخطط العسكرية في ضوء ما يتمّ استخلاصه من ملاحظات وثغرات، وبالتالي على ضوء الجهد الاستخباري وما توصل إليه من معلومات حول قدرات وإمكانيات الخصم – «أثبتت جميع الحروب التي شنها العدو الصهيوني بعد العام 2000 على لبنان وقطاع غزة، أنه عاجز تماماً عن تحقيق أيّ من أهدافه السياسية والعسكرية والأمنية. اللهم ما عدا تحقيقه الدمار وارتكاب المجازر، والشواهد كثيرة». هذه الخطط التي وضعها كبار القادة العسكريين، تعرض على اللجنة الوزارية المصغرة «الكابينت»، حسب الأولويات، من أجل اتخاذ القرارات اللازمة.

ويتضح من سياق ومجريات عدوان تموز 2006، أنّ خلفياته تجاوزت ما قد يُطلق عليه الضربات الثأرية إذا جاز التعبير. بمعنى أنّ العدوان لم يكن فقط ثأراً للهزيمة المدوية التي لحقت بجيش الاحتلال الصهيوني في جنوب لبنان، ودفعته إلى الانسحاب مرغماً في العام 2000. بل إنّ سلة هذه الخلفيات تتصل بما هو أبعد من حدود استعادة قوة الردع العسكرية الصهيونية وهيبتها، بعد أن بدأت في التآكل منذ العام 2000. إلى خلفيات تتصل بالواقعين الدولي والإقليمي، وما تسعى إليه الإدارة الأميركية وحلفائها من غربيين ودول عربية من فرض مشروع يهدف إلى إعادة رسم المنطقة على أسس وقواعد تمكنهم من الإمساك بدولها، تحت عناوين «صون الحريات الديمقراطية، وحقوق الإنسان إلخ…» وهذا ما اعترفت به وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أثناء تواجدها في لبنان خلال عدوان تموز 2006، عندما قالت: «إنّ ما يشهده لبنان هو مخاض لشرق أوسط جديد». وبرنامج تنفيذ هذا المشروع وحسب المقرّر لدى الولايات المتحدة وحلفائها، أن يصل ليطال المقاومة الفلسطينية وكلّ من سورية وإيران، فيما لو نجح العدو الصهيوني في إلحاق الهزيمة بحزب الله والمقاومة في لبنان، وهذا ما كشف عنه سماحة السيد نصرالله في كلمته المتلفزة بمناسبة الذكرى الثامنة لانتصار المقاومة. بمعنى أنّ هذا المشروع يستهدف قوى المقاومة والممانعة في المنطقة، بهدف إخضاع دولها بعد تقسيمها على أسس طائفية ومذهبية وعرقية واثنية.

ومقدمات هذه المشروع كان القرار الصادر مجلس الأمن وحمل الرقم 1559 عام 2004، بما يتضمّنه من استهداف واضح ومباشر للمقاومة وسلاحها في لبنان، وانسحاب بقية القوات الأجنبية الانسحاب من لبنان. وبما يُسهل وصول الجيش اللبناني إلى مناطق الجنوب، في خطوة أراد من خلالها أصحاب القرار التعويض على «الإسرائيليين»، بخسارتهم لجيش العميل لحد، أن يحوّلوا الجيش اللبناني صاحب العقيدة الوطنية، إلى شرطة وحرس حدود.

وجاءت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2004، بهدف إعطاء القرار 1559 دفعة قوية من أجل التعجيل في تطبيقه، أولاً من خلال فرض تنفيذ انسحاب القوات العربية السورية من لبنان، عبر حملة شعوبية منظمة في اتهام سورية بأنها هي وحلفاؤها يقفون خلف جريمة الاغتيال، وما تلاها من عمليات اغتيال. وثانياً العمل المكثف والمنظم على شيطنة حزب الله وتشويه صورته وسمعته. هذا ما اعترف به السفير الأميركي الأسبق في لبنان جيفري فيلتمان فقال: «لقد أنفقنا أكثر من 500 مليون دولار منذ العام 2006 من أجل تشويه حزب الله والحدّ من صورته الإيجابية لدى الشباب اللبناني». وعندما أدركت الإدارة الأميركية وحلفاؤها أن لا أحد لديه المقدرة على تنفيذ القرار، قرّرت دفع الكيان الصهيوني إلى التحرك من خلال شنّ عدوان على المقاومة في لبنان. حيث وجدت حكومة إيهود أولمرت آنذاك في العملية البطولية التي نفذتها المقاومة وتمكّنها من أسر عدد من الجنود الصهاينة في الجنوب اللبناني، ضالّتها المنشودة وذريعتها النموذجية حسب اعتقادها، بهدف إطلاق حرب مدمّرة على لبنان ومقاومته. قد أثبتت الوقائع وبعد أيام على العدوان أنّ الحرب كان مُعداً ومخططاً لها منذ انسحاب جيش الاحتلال مرغماً من جنوب في أيار العام 2000.

بقلم/ رامز مصطفى