مدينة الخليل المحتلة , والتي تعتبر عاصمة إنتفاضة القدس , ورأس الحربة في العمليات الفدائية ضد الإحتلال ومستوطنيه , خضعت لحصار مشدد على مدار 26 يوما , تم خلاله إغلاق الطرق أمام المواطنين , مما جعلهم يبحثون عن طرق وعرة بديلة , من أجل الوصل إلى منازلهم أو أماكن عملهم , ولقد تحجج الإحتلال بفرض الحصار وتشديده بزيادة وتيرة العمليات الفدائية , التي تستهدف الحواجز الإحتلالية والمستوطنين في الخليل , وهو بهذا الإجراء التعسفي الظالم , يرد أن يطبع في ذهن المواطن الفلسطيني العادي , بأن المقاومة وعملياتها الفدائية , تتسبب لهم بالمعاناة والتضييق , وهذه سياسية قديم جديد يمارسها الإحتلال في حربه ضد شعبنا , ضمن ما يعرف بسياسة العقاب الجماعي الذي يستهدف فيها الكل الفلسطيني بلا استثناء , من أجل قمع وترويض شعبنا للقبول بالإحتلال والرضوخ لإجراءاته العدوانية , ضد الإنسان والأرض والمقدسات في فلسطين.
وهذا يفسر قرار الإحتلال برفع الحصار الجائر عن مدينة الخليل المحتلة , بعد عملية إغتيال المجاهد محمد الفقيه إبن بلدة دورا , والذي يتهمه الإحتلال بعملية فدائية بتاريخ 1-7-2016م قُتل فيها الحاخام ميكي مارك , الذي يعمل مدير مدرسة دينية بمستوطنة عتنائيل، وابن عم رئيس الموساد يوسي كوهين, وكأنه يقول لأهل الخليل بأن معاناتكم خلال الحصار الأخير بسبب ذاك الفدائي , الذي أقدم على قتل أبرز حاخامات المستوطنين المتطرفين في الخليل لعله يحاول التحريض على العمل المقاوم في أبرز قلاعه ولكن هيهات له ذلك , فأهل الخليل عبر تاريخهم المشرف هم الطليعة في كل مواجهة ضد الغزاة الطامعين .
وعلى ما يبدو أن الإحتلال عبر هذه السياسة الخبيثة , يحاول ضرب المناعة الوطنية التي يتمتع بها شعبنا الفلسطيني , ممثلة بإيمانه وإلتزامه بالمقاومة كسبيل لدحر الإحتلال ورحيله عن أرضنا, وهذا يكشف لنا عن حجم الهزيمة والضرر الذي يلحق بالإحتلال , أمام ضربات المقاومين المنتفضين في الضفة المحتلة , والفشل في قمع روح المقاومة في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني , حيث تسود حالة إحباط كبيرة لذا قادة الإحتلال أمام الإصرار والصمود الشعبي في مواجهة الإحتلال , بالرغم من سياساته القمعية وعمليات الإعدام الميداني , وحملات الإعتقال التعسفي اليومية , وإنتشار الحواجز الإحتلالية والتي بلغت أكثر من ( 630) حاجز على كافة طرقات ومفترقات الضفة المحتلة .
الإحتلال يسعى أن يوهمنا بأن رفع الحصار عن الخليل المحتلة, قد جاء نتيجة لإغتيالهم وتخلصهم من العقل المدبر لعملية قتل الحاخام مارك , ويحاول أمام عجزه المتزايد أن يسوق جريمة إستهداف البيوت الآمنة في بلدة صوريف بالصواريخ , على أنه إنجاز في حربه ضد المقاومة , سعياً لإجهاض إنتفاضة القدس وإخماد جذوتها المتصاعدة , والتي تعتبر الخليل مخزونها البشري الإستشهادي .
الا أن ما يغفل عنه الإحتلال ومخابراته ويعيه شعبنا جيداً , بأن الإحتلال هو سبب كل معاناة يتعرض لها شعبنا الفلسطيني ومقاومته واجب وطني , فالحواجز التي تخنق الخليل وتقدر بأكثر من ( 223) حاجز, وعدد المستوطنات المحيطة بالخليل وتحاصرها بعتاة المتطرفين الإرهابيين تقدر (31 ) مستوطنة , وقمة الإرهاب الذي يمارس ضد الخليل وأهلها , ويزيد في المعاناة اليومية بل تعد من أبرز مظاهر العنصرية في عصرنا هو زرع بؤر إستيطانية بقوة السلاح , كالتي في الدبويا وتل الرميدة حيث يتمركز 400 مستوطن في قلب مدينة الخليل المحتلة , بما يعرف بالمنطقة المسماة ( h2 ) والتي يقع فيها لوحدها (17) حاجز للإحتلال , حيث تتسبب في تعكير صفوة الحياة , لأكثر من (600) ألف نسمة ,والتضييق عليهم من أجل راحة بعض مئات من المستوطنين , الذين يمارسون الإرهاب والإعتداءات على أهالي الخليل بحماية قوات الإحتلال ومباركتها .
وشعبنا في الخليل والضفة المحتلة وهو يخوض إنتفاضة القدس, يؤمن بأن كنس الإحتلال تحتاج إلى تضحية بالمال والنفس , كما كل ثورات الحرية في العالم , فإن الدماء التي تنزف من أجساد الأحرار والثوار , هي بمثابة النهر المتدفق المعطاء , الذي يمد الشعوب بالحياة الحرة والكريمة , وما من أمة تنهض لتنال حريتها , وتعمل على الإنعتاق من محتليها الا وتدفع في سبيل ذلك , فاتورة باهظة لحرية وكرامة أجيالها , وشعبنا ليس بدعاً من الشعوب فهو يسعى بكل فئاته وطاقاته عبر مقاومته الباسلة , للحفاظ على ثوابته وأرضه , حتى نيل حقوقه الشرعية والخلاص من محتليه .
لقد أفشلت الخليل حصارها بصمودها وتماسكها وإصرارها على مقاومة الوجود الإحتلالي , لقد إنتصرت الخليل وهي تحمل راية المقاومة ضد الإستيطان والإحتلال , إنتصرت الخليل بتصدرها قائمة الشهداء وسجلات الفدائيين , إنتصرت بصمودها وعنفوانها وكبريائها الفلسطيني , وإنتصرت وهي تقاوم حصارها , وتحفظ في أزقتها وحارتها مقاوميها الأحرار , وتضمهم إلى حضنها الدافئ كما تضم الأم الرؤوم وليدها ويا ويل من خان , لقد إنتصرت الخليل بالشهيد محمد الفقيه كاسر الحصار ومطهر الخليل من الحاخامات , لقد إنتصرت الخليل وإنهزم الإحتلال وحصاره .
بقلم/ جبريل عوده