في الذكرى العاشرة لحرب تموز 2006 الإعلام والحرب النفسية والسيد نصر الله

بقلم: رامز مصطفى

الحرب العسكرية على قسوتها وضراوتها وعنفها ورهبتها ، تبدو أمام الحرب الإعلامية والنفسية هي الأسهل ، لسبب بسيط أن على سلاح الإعلام والحرب النفسية تترتب عليها نتائج الحرب العسكرية نصراً أو هزيمة . ومن المؤكد أن النتائج السياسية لأية حرب هي التتويج لهذا الانتصار وتلك الهزيمة . من هنا إن المقاومة وحزب الله استخدمت سلاح الإعلام والحرب النفسية بجدارة منقطعة النظير ، كانت تسير جنباً إلى جنب مع إبداعات المقاومين في الميدان ، في تكامل مبدع ومذهل في آن . ومن أجل إسكات صوت وصورة المقاومة ، كانت الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة التابعة لحزب الله هدفاً إستراتيجياً لآلة العدوان " الإسرائيلية " في حرب تموز 2006 . فقامت طائراتها بقصف حاقد لقناة المنار وإذاعة النور ، وطاردت أعمدة الإرسال على امتداد المناطق اللبنانية ، من الجنوب إلى بيروت والجبل والبقاع والشمال . ورغم ذلك نهضت قناة المنار وإذاعة النور من تحت الركام ولم تقطع بثها ولو للحظة واحدة . وهذا ما أفقد العدو صوابه ، لإدراكه أن سلاح الإعلام أحد ركائز المعركة ومن ثم الانتصار . وهو كان يخشى أن تُنقل صور الهزيمة التي تتدحرج وتكبر ككرة الثلج ، إلى الجمهور " الإسرائيلي " ، الذي لم تكن تنقصه هذه المشاهد للدبابات وهي تحترق في وادي الحجير ، على سبيل المثال . لأن هذا الجمهور يشاهد صواريخ المقاومة وهي تمر من فوق رأسه وهي متجهة إلى أهدافها . ومن ركائز المعركة الإستراتيجية في التصدي لحرب الكيان الصهيوني على لبنان 2006 ، كانت الحرب النفسية التي خاضتها المقاومة ضد العدو وقواته المتسللة إلى لبنان . هذه الحرب التي تولاها مباشرة سيد المقاومة وقائدها السيد نصر الله ونجح فيها بشكل مبهر ومبدع ، لما يتمتع به من مواصفات قل نظيرها . فهو ببساطة الإنسان ، وقدرة القائد الواثق بأهله وجنوده المقاومين ، وكاريزما حضوره وبراعة شخصه ، وقوة منطقه وصدق كلماته . " الإسرائيليون " قالوا عنه أنه أبو الحرب النفسية ، والمزاج العام في الكيان يعتبر السيد نصر الله أكثر مصداقية من قياداته السياسية والعسكرية . كيف لا وهم أي " الإسرائيليون " ومنذ انتصار العام 2000 ، يدركون أن ما قاله السيد نصر الله في خطاب الانتصار في بنت جبيل " أن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت " قد فعل فعله في تهوين وكي وعي هؤلاء " الإسرائيليين " وقادتهم . وعندما قال لهم :- " لقد ولى زمن الهزائم " . وقد اعتمد السيد نصر الله في كل إطلالته التلفزيونية خلال الحرب في توجيه رسالتين ، الأولى للمقاومة وجمهورها ، بأن عليكم الثبات والصمود والصبر ، والنصر صبر ساعة . والثانية إلى العدو وجنوده ومجتمعه بهدف كي وعيهم ، بأن لا أمل في بقائكم على أرض فلسطين ، وقياداتكم يكذبون عليكم ، ولا يجرؤون على مصارحتكم . وعلى أهمية هذا الخطاب التعبوي ، ولكن ليس بمقدور أي شخص أن يترك هذا الأثر البالغ في النفوس وفي الاتجاهين ، لو لم يتمتع بقدرات استثنائية مذهلة ، دفعت خبراء في علم النفس داخل الكيان الصهيوني وفي العديد من الدول المهتمة وعلى رأسها أمريكا . يعكفون على دراسة هذه الشخصية المؤثرة لدرجة أنها تستحوذ على العقول قبل القلوب . ولعل من أهم ما خاضه السيد نصر الله في حربه النفسية وفي الاتجاهين ، ومن خلال إطلالته ثلاثة محطات . الأولى أنه كان واثق بالنصر ، ولطالما ردد أنني أعدكم بالنصر ، وصدق في وعده ليس لأنه يتنبأ ويقرأ في الطالع ، بل لأنه يعرف حق المعرفة نوعية الرجال الذين أعدهم والشهيد القائد المجاهد عماد مغنية . والثانية عندما قال :- " أنظروا إلى البارجة في عرض البحر ، كيف ستدمر وتحترق ، وهكذا كان . والجميع شاهد هذه البارجة البحرية وهي تحترق " . أما الثالثة الرسالة البالغة الأثر ، والتي وجهها إلى المقاومين في الميدان حين خاطبهم بتواضع القائد :- " أنتم بعد الله تعالى الأمل والرهان ، كنتم وما زلتم وستبقون الأمل والرهان ، أقبل رؤوسكم التي أعلت كل رأس ، وأقبل أياديكم القابضة على الزناد ، يرمي بها الله تعالى قتلة أنبيائه وعباده والمفسدين في الأرض ، وأقبل أقدامكم المنغرسة في الأرض ، فلا ترتجفوا ولا تزولوا من مقامها ولو زالت الجبال" ، وتابع " يا أخواني يا من أعرتم الله جماجمكم ، ونظرتم إلى أقسى القوم ، جوابي لكم هو شكر لكم إذ قبلتموني واحداً منكم ، وأخاً لكم ، لأنكم أنتم القادة وأنتم السادة وأنتم تاج رؤوس ومفخرة الأمة ، ورجال الله الذين بهم " .
إن ما حققته المقاومة وحزب الله من انتصار باهر يفخر به كل حر شريف في هذا العالم يناهض قوى الاستكبار العالمي وغدتها السرطانية على أرض فلسطين " إسرائيل " ، التي تصارع ومنذ العام 2000 ومعها حلفائها وحماتها وداعميها ، ومن يضخون فيها الاستمرار ككيان في واحات الإقليم ودوله . وهم وكرمى لعيونها ، وتأمين مصالحهم أدخلوا المنطقة ودولها منذ أربعة أعوام في حروب طاحنة تحت مسمى " الربيع العربي " ، الذي يحمل الهواء الأصفر على حد وصف أحدهم ، لتتكشف زيف دعواهم وما روجوا له من شعارات " الحرية – وحقوق الإنسان – وإشاعة الديمقراطية والتعددية .. الخ " . حرب تموز عام 2006 بنتائجها وسياقاتها الميدانية التي أبدعت فيها المقاومة وحزب الله ، أصبحت تدرس في الكثير من الأكاديميات والكليات العسكرية ، ومراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية .
وأهم ما في هذه الحرب والانتصار فيها ، وما سبقها في العام 2000 أنها قد شكلت بدء التهاوي الحقيقي والنزول عن الشجرة الواهية ، التي بنت عليها الحركة الصهيونية كيانها الغاصب . " أبراهام بورغ رئيس الكنيست الإسرائيلي الأسبق " كان قد قال :- " إن نهاية المشروع الصهيوني على عتبات أبوابنا . وهناك إمكانية حقيقية لأن يكون جيلنا آخر جيل صهيوني " . وبدوره مسؤول وِحدة الهجرة والاستيعاب في مركز الحكم المحلي في الكيان " ميخائيل جنكر " كان قد صرح " هذه الحرب زادت من عدد المتقدّمين بطلبات لمغادرة إسرائيل " ، ويتابع جنكر في تصريحه :- " إن الحرب أدّت إلى زيادة الشعور بانعدام الأمن الشخصي والعام ، والى خيبة أمل قوية من كيفية تصرف الدولة على الصعيدين ، السياسي والعسكري " .
مع حلول الذكرى الثامنة لحرب تموز 2006 ، تخوض المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ، وإلى جانبها ومعها الشعب الفلسطيني معركة التصدي للعدوان الصهيوني الغاشم على غزة . وكما انتصرت المقاومة في لبنان ، المقاومة في فلسطين ومن على أرض غزة تنتصر على آلة القتل والإرهاب الصهيوني .
مع حلول الذكرى العاشرة لبدء العدوان في 12 تموز 2006 ، وانتصار المقاومة في أب 2006 ، نقول لمن لا يزال يشكك ويريد الاستمرار في شيطنة المقاومة وحزب الله ، عليكم أن تقلعوا عن المضي في أوهامكم ، والتي هي في الأصل خدمة مجانية تقدمونها للعدو الصهيوني . فما عجزت عن تحقيقه " إسرائيل " في ميدان الحرب ، اليوم يحاول هذا البعض تحقيقه في حرب الشيطنة والتحريض البائس ضد المقاومة وحزب الله ووصمه بالإرهاب والمذهبية ، وصاحب الأجندات الخارجية ، والمتورط في سورية .

رامز مصطفى