أعلن ما يسمى "تيار دحلان" في شكل سريع ومباغت، وقد يكون صادماً للبعض، وفي شكل لا يحمل التأويل أو اللبس في المعاني: انحيازه وبكل إمكاناته وطاقاته البشرية لحركة "فتح"، ليقطع الطريق على كل المراهنين بخسارة الحركة في صراعها مع الذات. وبخطوته هذه يكون نقل المعركة الانتخابية إلى مربع آخر تماماً وهو الصراع على البرامج والقاعدة الانتخابية وتحديد الرصيد الفعلي لكل فصيل سياسي لاعب على الساحة الفلسطينية. فهل سيؤثر قراره هذا في الرغبة في الاستمرار في الانتخابات؟ الأيام قد تجيب عن هذا التساؤل.
إعلان تيار "دحلان" غيّر المشهد الانتخابي في شكل جذري، وتحديداً في قطاع غزة والمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، وحتى في القدس التي يمتلك فيها ثقلاً واضحاً، وأعاد لـ "فتح" توازنها الطبيعي وخلّصها من حال العرج التي كانت ستصيبها لو دخلت المسرح من دون هذا الموقف، وبكل الثقل الجماهيري التنظيمي والشعبي الذي يمثله هذا التيار في "فتح"، وهو في السياق ذاته غيّر المـــشهد أيضاً لدى "حماس" التي كانت ستكون أكثر راحة في ظل انقسام "فتح" واحتمال تعدد قوائمها الانتخابية. كما أنه خلّص عدداً كبيراً من كوادر الحركة من عقدة الصراع مع الذات، وأكد لهم أنه تيار إصلاحي وليس تياراً استئصالياً أو إحلالياً. وبظني أن هذا التيار سيخرج بموقفه هذا أكثر قوة وتــجذراً داخل "فـــتح" ليحتضن المئات بل الآلاف من كوادر الحركة الرافضة واقعها الحالي.
مرة أخرى يرسم هذا التيار في "فتح" صورة لافتة بانتمائه لها، بعيداً عن المصالح الذاتية وبإنكار تام للذات. فعلى رغم المؤشرات القوية التي كانت تؤكد أن هذا التيار كان قادراً على حصد حصة فارقة في الانتخابات في كل من غزة والضفة الغربية وتوجيه صفعة لمتنفذي "فتح"، ورغم أنه خاض التجربة سابقاً في عقر دار الحركة وأمام كل مؤسساتها وقرع الخزان بمطرقة وحصد منها حصة لافتة، إلا أنه يتراجع أمام مصلحة "فتح" العليا لأن الحركة خاضت في المرة السابقة الانتخابات أمام نفسها وكأنها استفتاء داخلي، أما هذه المرة فكانت ستسقط وليس عدداً من متنفذي "المركزية" كما حدث سابقاً.
رغم كل الأصوات الناعقة التي حاولت أن تمتطي المشهد وتستبق الأحداث بنثر بذور الفتنة وتوتير الأجواء أملاً باجترار ردود الفعل الشخصية، إلا أن هذا الإعلان أجهز على كل أصحاب الخطب العصماء والفعل القليل ليظهر بوضوح من هم أبناء "فتح" الشرعيون.
بالدم كتبوا انتماءهم لـ "فتح"، وبإنكار الذات وتقديم المصلحة العامة على الخاصة أكدوا هذا الانتماء ورغم كل محاولات إقصائهم وكل الظلم الذي تعرضوا له استمروا في ترديد تحيا "فتح"، ورغم الإصرار على محاولات تغييبهم عن المشهد قالوا "فتح" باقية والأشخاص الى زوال. فهل سيعود مغتصبو "فتح" خطوات الى الوراء من أجل "فتح"؟ وهل سترتقي مركزية "فتح" بالقيمة والحجم نفسيهما ونرى الرجل المناسب في المكان المناسب؟ وهل سيعي البعض المتخاذل أن الحركة فقط ستنتصر بأبنائها الشرعيين؟ ما يسمى "تيار دحلان" قدم الكثير من استحقاق "فتح" عليه ويبقى ما سيقدمه الآخرون، وسيستمر قلم التاريخ في الكتابة وليختر كلٌّ أين السطر الذي يود أن يكتب اسمه فيه.
رمزي نادر