اين العرب من فلسطين

بقلم: عباس الجمعة

جميلة هي التصريحات التي تدعو إلى ضرورة دعم القضية الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني ، لكن اللافت نرى هرولة بعض العرب باتجاه التطبيع مع كيان الاحتلال وحرف القضية الفلسطينية من اجندتهم الاولى في الوقت الذي تمارس حكومة الاحتلال الارهاب والقتل والاعدامات وتهويد الارض والمقدسات والاعتقالات ، على مرآى ومسمع العرب والعالم ، حيث لم تعرف الأمة العربية في تاريخها الحديث قضية مست المصير القومي العربي ، وارتبطت به صعوداً وهبوطاً ، كالقضية الفلسطينية ، فهي القضية التي حظيت ولا تزال بإجماع شعبي عربي غير محدود .

وامام كل ذلك نحن نعلم اليوم ان ما يجري في المنطقة من ارهاب تكفيري يتناغم مع الارهاب الصهيوني بدعم من قوى الامبريالية والصهيونية والرجعية لم يأتي من نقطة فراغ ، بل كان محضر له منذ سنوات طويلة وخاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق ونشر الفوضى الخلاقة للوصول الى رسم شرق اوسط جديد او سابكس بيكو جديد من خلال تدمير مقدرات الدول التي حضنت قضية فلسطين وقضيتها ، ونحن نعي إن كل ما يجري في المنطقة العربية من أحداث وصراعات وأطماع استعمارية مرتبط أيضاً بما جرى لفلسطين ، وما يحدث فيها .

لقد احتل الوطن العربي على مدى التاريخ مكان الصدارة في مخططات الاستعمار، ومركزا لصراع الإمبرياليات الذي رأت فيه منطلقاً لطموحات الهيمنة لدى كل منها نظراً لأنه شكل عبر التاريخ الموقع الاستراتيجي الأهم ، وامتلك المخزون الرئيسي للطاقة الذي يعتبر شريان الحياة والنمو والتطور للدول الصناعية الكبرى ، ولكل شعوب العالم ، ومن يتحكم في هذه الطاقة يتحكم في العالم بأسره ، كما ارتبطت هذه المكانة الإستراتيجية، والإمكانيات الاقتصادية بتراث تاريخي عريق ، وبرسالة حضارية عربية إسلامية إنسانية كانت هي المنافس الأقوى لتاريخ الغرب وحضارته ، مما عزز من مكانة هذا الوطن وجعله مطمعاً للغزاة .

وقد شكلت فلسطين القضية المركزية للامة العربية والقضية الانسانية لاحرار العالم ، كما أصبحت أيضاً هي المعيار الحقيقي لوطنية وقومية أي نظام أو حزب عربي ، حسب موقفه منها ومن تحريرها ، بل إن وحدة الموقف من فلسطين والعمل على تحريرها شكلت عنصراً جامعاً لوحدة النضال العربي كطريق نحو تحقيق الوحدة العربية ، وجعلت من قضية فلسطين محور الارتكاز في الصراع بين القوى الاستعمارية والإمبريالية الطامعة في الهيمنة على المنطقة ، وبين الشعب العربي الطامح في التحرر والاستقلال والعدالة الاجتماعية ، والمتطلع نحو الوحدة القومية .

وقد وعى الاستعمار هذه العلاقة الجدلية بين فلسطين وأمتها العربية عبر محاولات القوى الاستعمارية السيطرة على الوطن العربي ، كما وعى أن توفير الاستقرار والديمومة لسيطرته ونفوذه لا يمكن تحقيقه من خلال الغزو العسكري الخارجي فقط ، بل لابد له من استخدام عوامل أخرى توفر له استمرار النفوذ . كإقامة قواعد ثابتة له ذات بعد استيطاني إحلالي من جهة ، مثل إقامة المشروع الصهيوني الاغتصابي في فلسطين، والتلاعب في البنية الداخلية العربية من

جهة أخرى ، من خلال تقسيم الوطن العربي إلى كيانات ودويلات صغيرة ضعيفة تسهل هيمنته عليها ، عبر تعزيز النزعة القطرية والقبلية لديها ، والتحكم في أنظمتها وحكامها، وتعزيز الصراعات بينها كأنظمة ، وبينها وبين جماهيرها، وإذكاء النعرات الطائفية والمذهبية لقتل الروح القومية .

من هنا راينا تجاهل قمة مورتيانيا بان بيانها لم يعطي القضية الفلسطينية حقها بل ربما هو الآن أكثر خطراً على فلسطين والأمة العربية ، نتيجة ضعف وانقسام العرب وخضوعهم للسياسات الأمريكية والصهيونية .

وإذا استمر الواقع العربي على هذه الحال ، فإن الخطر لن يكون على أرض فلسطين وحدها ، وعلى حقوق شعبها ، وفي مقدمتها حق اللاجئين في العودة ، بل سيمتد ليطال الأمة العربية وبلدانها بأسرها ، وقد بدأت مؤشرات هذا الخطر تتضح من خلال ما يجرى للعراق وسوريا وليبيا واليمن ، الا ان صمود قوى المقاومة العربية في مواجهة القوى الارهابية ، تجلّت بأوضح صورها على الأرض السورية والعراقية ، ولكن الصانع الأمريكي الذي مازال يصنع استراتيجية الإرهاب، واستراتيجية الإرهابيين، في أولويات مخططاته الاستعمارية لها، يتأكد، وعلى نحو قاطع، عمل الفريق الواحد على خشبة المسرح الدولية ، لهذا نرى التطبيع كما من المتوقع ان يرتفع التنسيق مع العدو في المشاريع الاقليمية السياسية والاقتصادية الى التطبيع الأكاديمي ، حيث ان ما تقوم به هذه الأنظمة من تطبيع علني مع كيان الاحتلال دون ان تأخذ موافقة الشعوب، وهذا يعني ان المخطط الصهيوني الهادف الى التمدد في العمق العربي عبر الاتفاقات الاستسلامية، سيقرب من آجل التصادم مع هذا المشروع باعتباره اصبح على تماس مباشر مع هذه الجماهير ويطال بالعمق تاريخها ووجودها ومستقبلها في التحرر والتنمية والوحدة.

فجماهير الأمة العربية لن تهدأ وتستكين وستواصل عملية الصراع التي ستظهر بأشكال وتجليات جديدة كتعبير عن جوهر التناقض القائم بين المشروع العربي النهضوي والمشروع الصهيوني الذي ما يزال يحتفظ باستراتيجيته التوسعية وأهدافه العدوانية، ولعل اشتداد حال المقاومة الشعبية لعملية التطبيع المفروضة من بعض الأنظمة هو ابرز تجل على شكل المقاومة الشعبية الآخذ بالاتساع والتطور ليطال كل قطاعات الشعب وفاعلياته السياسية والنقابية والمهنية الفلسطينية والعربية ، وهذه الحالة ملموسة بوضوح الآن ، وخاصة ان نلحظ تحركات في الشارع العربي وتحديدا في مصر ولبنان وتونس والمغرب والاردن حيث لا يزال الشارع بكل فئاته وفعالياته النقابية والمهنية يقف بكل اصرار في مواجهة عملية التطبيع.

وفي ظل هذه الظروف نؤكد ان الأمة العربية بما تحمله من عراقة وحضارة وتاريخ ستبقى على الدوام ورغم النكسات الموقتة قادرة على النهوض من جديد، مستندة بذلك الى حقها التاريخي المشروع في استعادة ارضها، وفتح الآفاق نحو طريق الوحدة العربية، باعتبارها المخرج الوحيد لاستنهاض حال الأمة وبدء طريق التنمية الشاملة والمتوازنة بعيداً من التبعية والإلحاق.

اننا نعيش مرحلة جديدة، تشهد مخاضاً، ولم تتجل الصورة النهائية بعد. وخاصة امام انتصارات المقاومة ، لهذا نرى ضرورة ان تسعى القوى الوطنية والقومية والديموقراطية في ظل التحديات

الراهنة، الى الوقوف وقفة جدية امام واقعها وعلاقاتها، وتحديد اتجاه ضرباتها، وتوحيد جهودها لمواجهة العدو الإمبريالي - الصهيوني وكل القوى المعادية لأهداف وطموحات وحقوق جماهيرها العربية، والنجاح في خوض هذا الصراع يحتاج الى زمن طويل وطاقات كبرى، وهذه بحد ذاتها عناصر مهمة لتجميع القوى واعادة البوصلة لفلسطين القضية المركزية .

ختاما : من أجل إنقاذ فلسطين ، ودعم الانتفاضة والتمسك بالقدس ، وحقوق اللاجئين الفلسطينيين ، من الضياع لابد من إعادة النظر في السياسات العربية الراهنة ، من خلال الإعداد لمشروع عربي يقوم على وقف الانصياع للسياسات الأمريكية ، وتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وهذا لن يتم إلا من خلال انهاء الانقسام الفلسطيني الكارثي وتعزيز الوحدة الوطنية وحماية المشروع الوطني الفلسطيني واعادة تفعيل وتطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية الكيان السياسي والبيت المعنوي للشعب الفلسطيني ورسم استراتيجية وطنية وكفاحية تستند لخيار الانتفاضة والمقاومة ، ووحدة الموقف العربي، هذا هو الطريق الأوحد والأمثل لتحرير الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة ، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السياتدة وعاصمتها القدس وضمان حق عودة اللاجئين من ابناء الشعب الفلسطيني الى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا وهجروا منها عام 1948 ، ووقف حالة الانقسام والانهيار التي تتعرض لها الأمة العربية . وحتى يتم ذلك لابد من قيام الحركة الشعبية العربية وقواها السياسية ، وأحزابها ، ومنظماتها الجماهيرية بتحرك جماهيري يفرض إرادته على الأنظمة الرسمية العربية .

بقلم/ عباس الجمعة