مطاردة المجرم بلفور وزير خارجية بريطانيا السابق، وملاحقته قضائياً، وتحميل دولته بريطانيا مسئولية قانونية وأخلاقية وإنسانية وسياسية عن المآسي التي حلت بالشعب الفلسطيني أمر في غاية الأهمية، وفكرة مدهشة تفتش عن أصل الإرهاب الصهيوني، وخطوة دبلوماسية فلسطينية رائعة فيما لو كانت ضمن السياق السياسي الفلسطيني العام؛ الذي يسعى لاستعادة الحق الفلسطيني المغتصب، ويسعى للكشف عن زيف القرارات الدولية التي اعتمدت على الإفرازات الميدانية لوعد بلفور، ويسعى لرفض الاتفاقيات العربية والفلسطينية الموقعة مع دولة الصهاينة التي ترعرعت ونمت على الجذر الخبيث لوعد بلفور.
وكي تكون ملاحقة المجرم بلفور جدية ومجدية، ولها قيمة عملية فلا بد أن يسبقها:
أولاً: مواجهة جرائم نتانياهو اليومية قبل الملاحقة التاريخية للمجرم بلفور، ويتمثل ذلك بوقف التعاون الأمني مع نتانياهو فوراً كأصدق كدليل على جدية المطلب الفلسطيني.
ثانياً: لا بد من إلغاء اتفاقية أوسلو التي اعتمدت على قرارات دولية تستند على الواقع الذي فرضة تطبيق وعد بلفور على الأرض الفلسطينية.
ثالثاً: لا بد من سحب الاعتراف الفلسطيني بالدولة الإسرائيلية التي قامت على 78% من الأرض الفلسطينية التي كان اسمها فلسطين قبل أن يغتصبها الصهاينة بناءً على وعد بلفور.
رابعاً: يتوجب إحياء ذكرى وعد بلفور في 2 نوفمبر من كل عام، وذلك من خلال المظاهرات الرافضة لنتائج الوعد المشئوم، فكيف تعمد السلطة الفلسطينية إلى إلغاء المناسبة من الذاكرة الفلسطينية، وتتوقف عن إحياء الذكرى سنوات، لنطالب الدول العربية بإعداد ملف بشأنها؟.
خامساً: كان الأجدر أن نطالب الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالمساعدة في إعداد ملف قانوني لمحاكمة قتلة عائلة دوابشة أمام المحاكم الدولية، والمساعدة في ملاحقة الإرهاب الصهيوني ضد سكان قطاع غزة، وإحياء تقرير "غولدستون" وملاحقة جرائم جدار الفصل العنصري، والبحث عن نتائج التقرير الدولي بهذا الشأن.
سادساً: كان حرياً بالسلطة أن تفيد الشعب الفلسطيني بدقة عن الأسباب التي تمنع ملاحقة المجرمين الصهاينة أمام محكمة الجنايات الدولية، ولاسيما بعد مرور عامين على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وعلى التوقيع الاحتفالي على قرار الانضمام للمحكمة.
سابعاً: لماذا لا يصير اعتماد وثائق بعثة المراقبة الدائمة لدولة فلسطين، والتي أفادت بأن أطفال فلسطين يتعرضون للقتل والجرح والإرهاب من قبل سلطة الاحتلال، فمنذ تشرين أول/ أكتوبر 2015، قتل أكثر من 40 طفلاً، العديد منهم بعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، كما تم اعتقال واحتجاز عدد كبير من الأطفال من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وفي القدس المحتلة وحدها، اعتقل 860 طفلا فلسطينيا، بينهم 136 تتراوح اعمارهم من 7- 11 عاما.
فكرة مقاضاة بريطانيا فكرة رائعة لو جاءت لاحقة للملاحظات السابقة، وضمن سياق المواجهة بكافة أشكالها، وما دون ذلك فإن الاحتماء بالماضي فيه تهرب من الحاضر، ليصدق ما قاله رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم الاستاذ عبد الباري عطوان، حين وصف الرئيس الفلسطيني في هذا الشأن بالتاجر الذي أفلس، فراح يفتش في دفاتره القديمة.
د. فايز أبو شمالة