في ظل الظروف الراهنة التي نعيشها ، نتساءل نحن الى اين ، شعب فلسطين يختزن طاقة هائلة ، هذا ما اراه اثناء حضوري اي مناسبة او اثناء تجولي في احياء وازقة المخيمات ، ولكن هناك توسيع الهوة بين شعبنا وخاصة الفقراء وبين أصحاب المصالح في ظل غياب مبادئ العدالة الاجتماعية و المساواة ، ما يعني اتساع إطار الفساد وآلياته وأدواته ، في ظل محاولات خطيرة تستهدف الكيان السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية الحاضنة للهوية الوطنية، فالشعب الفلسطيني الذي قدم التضحيات ، هو بحاجة الى ان يعيش بكرامة ، يتساوى بالحقوق ، يعيش مثل شعوب العالم ، كل هذا حق مشروع لشعب يعاني المأسي ويحرم من الحقوق الانسانية ، فلهذا ارى انه من الواجب ان تنهار الحواجز بين الشعب وقيادته ، فهذا الشعب قدم التضحيات وهو شعب عظيم ومبدع ، له القدرات والكفاءات الايجابية التي تزدهر وتتحقق في اي بلد يذهب اليه ، ويعتبر المخيم بالنسبة له عنوان حق العودة .
وهنا اتوقف اذ كان المناضلون الذين عايشوا مشقة النضال وتضحياته وعذاباته لا يتم تسوية اوضاعهم وحقوقهم ، بل ان فئة للاسف تنال الاستحقاقات على حساب المناضلون ، فهل يجوز ان المناضلين الذين قدموا وضحوا بانفسهم من اجل ان تبقى راية منظمة التحرير الفلسطينية خفاقة ، لا يتم تسوية اوضاعهم ، سؤال صعب في زمن صعب ، لهذا يجب علينا بين الحين والآخر أن نرجع إلى الكلمات والشعارات التي ننادي بها ونعلنها لنرى إذا كانت لا تزال حية تنبض فيها الحياة بكل قوتها وحرارتها او إنها أصبحت أشكالا فارغة ولم تعد تعني شيئا كثيرا لدة من يتحملون المسؤولية حيث ارادوا افرغها من محتواها ، لذلك يجب أن نعود باستمرار إلى واقعنا الحي نتفحصه في ظل الواقع الذي نرى فيه ممن تسلقوا ونصبوا انفسهم اولياء امر واوصياء على شعبنا ومناضلينا ، حيث نرى تقلد الرتب ، ولكن للاسف تعطى الى لمن لا يستحق، بينما المناضلين يتحملون مشقة النضال وتضحياته وعذاباته و يتابعون الطريق،رغم الظروف الصعبة يتم تجاهلهم ، لهذا نقول عن ماذا نتحدث ،عن اي مستقبل جدير بمسيرة نضالنا وبمكانته ، فمن الافضل امام هذا الواقع ان نكسب من شعبنا الاحترام وان نحمل الصفة المحبوبة لقلوبنا هي المناضل ونتسلح باراداتنا وبأخلاقنا ونرفض المغريات لأن النضال وحدة لا تتجزأ في شطرها السلبي وشطرها الإيجابي، النضال هو الحياة الحقة وهو البداية، هو الامتحان، هو التشبع بالفكر والمبادئ والانصهار فيها، في نار التضحية والألم، وهذه الكلمة تحدد شخصية المناضل ومصيره وجدارته وأصالته.
وهنا لا أبالغ ان قلت ما لا أرضاه على نفسى لا أرضاه لغيرى ، فنحن نطمح إلى المزيد من استيعاب تجربتنا هذا شيء في مواجهة العقلية الطائشة التي تقيم سدودا بيننا ، ونحن نشعر ونؤمن ونثق أنه اصبح المطلوب امام كافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية مراجعة لأوضاعها ، وعلاقتها مع الجماهير الشعبية الفقيرة التي تنتمي إليها ، واين هي من الوضع الفلسطيني، في ظل التشرذم والانقسام ، هل الوضع يفرض التفكير العميق امام ما نراه من فساد وبذخ تسهم في كل الانهيارات التي جرت في الوضع الفلسطيني ، فالبعض يحاول شطب منظمة التحرير الفلسطينية من خلال تحقيق تفكك وانقسام الهوية الوطنية بين هوية وطنية رثة فاقدة
لجوهرها النضالي وبين هوية الإسلام السياسي الذي يمارس اليوم نوعاً من الاستبداد و الإقصاء السياسي إلى جانب سعيه عبر وسائل غير ديمقراطية ، محكومة بالإكراه والتفرد لإصدار أنظمة ومشاريع قوانين لفرض أيديولوجيته ورؤيته على مجمل الشعب الفلسطيني من خلال إغلاق أبواب الحريات الشخصية والعامة و حريات الرأي والمعتقد والتعددية السياسية والديمقراطية تمهيداً لمصادرتها، الأمر الذي يعني مصادرة أو تعطيل النضال الوطني كله كنتيجة طبيعية تولد من رحم تقييد الحريات السياسية والفكرية في الرأي والمعتقد على مستوى المجتمع أو على مستوى الأفراد أو على مستوى الأحزاب والفصائل، ذلك أن تجربة النضال الوطني الفلسطيني هي جزء رئيسي من التجارب النضالية في العالم، ونحن نتطلع الى ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل وتطوير مؤسساتها على ارضية شراكة وطنية حقيقية ، وحماية المشروع الوطني الفلسطيني ورسم استراتيجية وطنية لمواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي ، ولكن هذه الوحدة يجب ان تقوم رفض كل مظاهر الفساد ، والعمل على تسوية اوضاع المناضلين من خلال تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، والتمسك بالثوابت الفلسطينية .
وفي ظل هذا الواقع المؤلم اذا استعرضنا التداعيات الاجتماعية يظهر مجموعة من الحقائق و المفاهيم حيث ترى تزايد مظاهر الانحطاط السائد في المجتمع الفلسطيني وخاصة الشباب الذين اكملوا دراستهم الجامعية ولم يجدوا اي عمل ، وفي ظل حالة الفقر ، بينما هناك تأثير مباشر للانقسام ، لهذا نجد حالة قريبة من اليأس ، حيث يرى هؤلاء الشباب ممارسات البذخ وشراء الشقق والأراضي والسيارات والمرافقين ، وهذا يؤثر في تفاصيل الحياة المجتمعية والمعيشية، من هنا يجب على فصائل منظمة التحرير بمختلف تلاوينها العمل من أجل إنهاء حالة الانقسام والعمل على وضع الحلول المناسبة ، وتضع في سلم الأولوية الأهداف الوطنية في هذه المرحلة وفق إستراتيجية وطنية موحدة
ان ظاهرة الولاء الشخصي والاستزلام, والعلاقات الاستزلامية ، لهذا المسؤول أو القيادي أو ذاك ، تأخذ شكل العلاقات الشخصية القائمة على المصالح الآنية ، فلهذا يجب على الحزب او التنظيم او الفصيل ان يسعى لتسوية اوضاع مناضليه وان يسعى الى قيام عدالة اجتماعية ، وليس اقامة العلاقة ضمن أبعاد خاصة بعيداً عن الرؤى الوطنية والمجتمعية ، بعيدا عن الولاءات ذات الطابع الفردي أو الجهوي .
ختاما : لا بد من القول، ان المرحلة تحتاج منا إلى إعداد أنفسنا للبناء عبر مرحلة تمكين حقيقية على المستوى التنظيمي والفكري والسياسي، بما يحقق تطلعنا المشروع والتاريخي لاستعادة دورنا وتأثيرنا المستقبلي القريب المنشود، بما يفرض علينا التركيز على تقوية بناء القدرات التنظيمية والفكرية والسياسية التي تمكننا من النهوض مجدداً للإسهام بدورنا الطليعي في بناء وتطور المجتمع والتمسك بثوابت برنامج الإجماع الوطني كهدف استراتيجي يحتل الأولوية في الفعل السياسي الفلسطيني الراهن، باعتبار أن تحقيق هذا الهدف هو الشرط الأساسي لاستكمال عملية التحرر ببعديها الوطني والديمقراطي معا، واستنهاض الجماهير من اجل استمرارية ودعم الانتفاضة والمقاومة الوطنية بكافة اشكالها لدحر الاحتلال عن ارضنا و تحرير الارض والانسان ووتحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية والتقدم.
بقلم/ عباس الجمعة