قبل أيام قليلة طالعت مقالة بعنوان: رؤية جديدة .. لفلسطين مستقلة، وتفاجأت كغيري وأنا أقرأ سطور هذه المقالة التي تحدث فيها الكاتب عن إنجازات وزارة التعليم أو كما سماها وزارة "الشعب" و"الدفاع" و"أم الوزارات" خلال عام وهو العام الأول الذي قضاه الكاتب في الوزارة، حيث تحدث الكاتب عن الجهود الكبيرة التي بذلتها الوزارة خلال هذا العام من أجل النهوض بالتعليم، والمخططات المهنية التي حددت أولوياتها بدقة وأسست لمرحلة متميزة فأنجزت ما لم ينجزه الآخرون في سنين عديدة ثم تحدث عما اعتبره إنجازات وطنية كان لزاماً عليه أن يطلع المجتمع عليها.
وحيث أنني عايشت عمل الوزارة خلال فترة الانقسام ثم حكومة الوفاق الوطني وأعرف تماماً تفاصيل ما تحدث عنه الكاتب، كان لزاماً علي ومن باب الأمانة المهنية والوطنية أن أوضح لأبناء شعبي بعض الحقائق حول محتوى المقالة المذكورة خاصة إذا كانت هذه هي رؤية الكاتب الجديدة ... لفلسطين مستقلة.
بدأ العام الذي تحدث عنه الكاتب في أغسطس 2015 وهو نفس الشهر الذي شكلت فيه الحكومة "اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم" دون أن تمثل فيها نصف الوزارة الموجود في غزة، فهل يمكن إصلاح التعليم في فلسطين في ظل إقصاء الوزارة في غزة بخبراتها وكفاءاتها التي يشهد لها الجميع؟ أم أن كاتب المقالة يرى من الطبيعي في إطار التطوير تشكيل لجنة تسمى "وطنية" وهي تستثني نصف الوزارة ونصف الشعب؟
وزارة "الشعب" في عهد صاحب المقالة تنظر إلى نصفها الآخر خلال فترة حكومة الوفاق الوطني وهو يدير التعليم في غزة معتمداً في موازنته التشغيلية على دخل المقاصف المدرسية، وكأن التطوير الذي ينشده الكاتب يقتضي الاهتمام بتمويل نصف الوزارة وإهمال النصف الآخر ليعتمد على نفسه.
وزارة "الدفاع" في عهد صاحب المقالة تنظر إلى نصفها الآخر في غزة الذي يعاني من الحصار وآثار العدوان بينما عشرة آلاف من موظفيه لا يتلقون رواتب منتظمة منذ ثلاث سنوات ورغم ذلك يؤدون رسالتهم كاملة، فمن يستحق وسام الدفاع عن حق أبنائنا في التعليم؟ هؤلاء الموظفين أم صاحب المقالة الذي لا يعترف أصلاً بشرعية هؤلاء المناضلين الشرفاء؟
وزارة "الشعب" في عهد صاحب المقالة تعترف بشرعية مؤسسات وبرامج تعليمية وشهادات الخريجين من دول متواضعة في مستوياتها التعليمية بينما تنكر شرعية العديد من المؤسسات التعليمية الوطنية في غزة والتي نشأت في ظل الحصار وصمدت في وجه العدوان المتكرر للمحتل الصهيوني لكي تضيف وزارة "الشعب" حصاراً آخراً على أبناء غزة ومؤسساتها وتترك العديد من أبناء الشعب يحملون شهادات بذلوا في سبيل الحصول عليها كل ما يملكون ورغم ذلك لا تعترف بهذه الشهادات، فهل الشعب صاحب الوزارة الذي يعنيه صاحب المقالة موجود في جزء من الوطن وغير موجود في الجزء الآخر.
"أم الوزارات" في عهد صاحب المقالة وبتعليمات منه ترفض التواصل والتنسيق مع شطر الوزارة في غزة وتحرم أهله من المشاركة المهنية والمنصفة في اللجان الفنية والقرارات التعليمية الوطنية وكأن هذا الشطر ليس من الأسرة التربوية ولا يأتي ضمن أولويات "أم الوزارات".
بح صوتنا في غزة وجف حبر أقلامنا ونحن نخاطب "وزارة الشعب" في عهد صاحب المقالة الميمون ومن قبله بضرورة توحيد مؤسسات الشعب من خلال هيئة واحدة للاعتماد والجودة وآليات موحدة لمعادلة الشهادات لكن لا تزال وزارة "الشعب" تصر على أن يبقى الشعب نصفين تعترف بنصف وتنكر الآخر، تعترف بشرعية مؤسسات وتنكر على الأخرى شرعيتها، تعترف بشهادات ولا تعترف بأخرى، رغم أن هذه الوزارة جاءت في ظل حكومة وفاق وطني وورثت وزارتين أحدهما في الضفة والأخرى في غزة وكان لزاماً عليها أن تتعامل مع هذا الإرث على قدم المساواة. فهل يا ترى هذه وزارة شعب أم نصف شعب؟
يرى صاحب المقالة أن "أم الوزارات" في عهده قدمت إنجازاً عظيماً يتمثل في مقترح جديد للثانوية العامة، ورغم اتفاقنا في غزة على أهمية تطوير امتحان الثانوية العامة وتقديمنا لمقترحات في هذا المجال إلا أننا فوجئنا بالمقترح الجديد توافق عليه الحكومة دون أن يناقش في
وزارة "الشعب" بل سمعنا عنه في الإعلام ورغم ذلك وجدنا لزاماً علينا أمام شعبنا أن نبدي ملاحظاتنا المهنية عليه وهكذا كان.. اجتمعنا في غزة وناقشنا وأرسلنا ملاحظاتنا في أوراق عشر وانتظرنا الرد من وزارة "الشعب"، انتظرنا أربعة أشهر ولم يأتنا الرد أو حتى إمكانية المناقشة، فاضطررنا للحديث عن الموضوع بمهنية وموضوعية عبر الإعلام وبمشاركة الشعب في غزة والضفة، فانتبه الجميع لخطورة المقترح واستحالة تطبيقه، وانتفض مجلس الوزراء ورئيسه الذي يرأس "اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم" فطلب من وزارة "الشعب" ضرورة إشراك الشعب كل الشعب في مناقشة المقترح من أجل الوصول إلى توافق وطني حول المقترح، فالثانوية للشعب وليس لنصف الشعب.
يرى صاحب المقالة أن وزارة "الدفاع" في عهده قدمت إنجازاً عظيماً آخراً يتمثل في تطوير المناهج الدراسية وهو يسابق الوقت في ذلك ليتم تسجيل اسم فلسطين ووزارة "دفاعها" في موسوعة جينيس للأرقام القياسية لأنها تمكنت من إنجاز مناهج الصفوف من الأول حتى الرابع خلال ثلاث شهور فقط ناسياً أن تطوير المناهج يحتاج إلى الوقت الكافي والمنهجية العلمية التي تم انتهاكها بشكل سافر حين تعمد أصحاب العلاقة إعداد وثيقة الإطار المرجعي للمناهج دون الحصول على الإجماع الوطني عليها قبل اعتمادها، ووضع صاحب المقالة العاملين في إعداد وثائق المباحث المختلفة وتأليف الكتب الدراسية – مع تقديري لجهودهم الكبيرة - تحت ضغط الوقت مما أسفر عن تجاوز العديد من المحطات المهنية والعلمية التي كان من المفترض أن تمر بها عملية تطوير المناهج وإعداد الكتب الدراسية الأمر الذي سيؤثر حتماً على نوعية المنتج النهائي.
سنفصل الحديث في مقالات قادمة قريبة ومتتالية عن كل الموضوعات التي ذكرتها بإيجاز في هذه المقالة وعن موضوعات تعليمية وطنية أخرى مهمة لأترك للقارئ حرية الحكم على عمل وزارة التعليم و"الشعب" و"الدفاع" و"أم الوزارات" في عهد صاحب المقالة، وهل هذه الوزارة تسير في اتجاه إصلاح التعليم أم تعزيز التقسيم؟ وسأحتفظ بكل المستندات التي تؤيد كل ما أتحدث عنه وأوفرها لكل من يطلبها، فنحن أمام وزارة لا ينبغي أن تعمل بالشكل الذي يفرق ولا يوحد، تتعامل مع نصف الوطن وتقصى النصف الآخر، فمن يتعمد إهمال نصف كفاءات الوطن لن يكتب له النجاح... وللحديث بقية..
بقلم/ د. زياد ثابت