تبدو اليمن بمظهرها الخارجي وكأنها بلد خارج التاريخ والجغرافيا وكان لا احد في العالم تعنيه هذه البلاد بشيء ولكن علينا قبل كل شيء ان نتأمل موقع اليمن فهي تشترك مع السعودية بحدود طولها 1458 كم ومع سلطنة عمان بحدود طولها 288 كم و2500 كم شواطيء وهي بهذا تتحكم بمضيق باب المندب من جهة وتطل على البحر الأحمر الذي يعتبر مضيق باب المندب عنق الزجاجة بالنسبة له كما ان البحر الأحمر يتحكم جديا بالطرق التجارية بين الشرق والغرب ويمر عبره يوميا ما نسبته 4% من الطلب العالمي على النفط و10% من الشحنات التجارية العالمية ويقدر عدد السفن المارة بالبحر الأحمر سنويا تقريبا 21000 سفينة أي ما يقارب 60 سفينة يوميا ولليمن 6 موانيء بحرية دولية و3 موانيء نفطية و8 موانيء محلية ويعتبر ميناء عدن وميناء المخاء أهم هذه الموانيء بسبب موقعهما الاستراتيجي الهام على مضيق باب المندب ولليمن 200 جزيرة في البحر الأحمر وبحر العرب أهمها سقطري وحنيش كما أن اليمن تملك اكبر مخزون احتياطي من الجرانيت والرخام في الشرق الأوسط بأكمله وتحتوي ارض اليمن على معادن الذهب والفضة والبازلت والدولوميت والرصاص والزنك والفناديوم والتيتانيوم والحديد والجبس الأكثر نقاء في العالم والذي تقدر احتياطيات اليمن منه ب 4.6 بليون طن الى جانب معدن الفلسبار والأطيان الصناعية والرمال الزجاجية بالإضافة لأحجار الجابر والجرانيت ، والكوارتز وخام الزيولايت وصخور التف والاجنمبرايت . وكشفت الدراسات عن وجود نسب عالية من خام إل(أسكوريا) خام الخبث البركاني في مدن صنعاء وذمار ، وأبين ومأرب وشبوة وعمران ، بالإضافة الى أربعة ملايين متر مكعب من إحتياطي (الكاؤلين) ، واحتياطيات عالية من صخور البرلايت ، والبيوميس ، والزجاج البصري لتوفر رمال السيليكا ،أملاك اليمن من احتياطي المعادن الخاصة بصناعات الأسمنت تخولها لتصبح من أول الدول في صناعة هذه المادة في الشرق الأوسط إن لم تكن الأولى ، ويتميز هذا النوع من الإسمنت بمقاومته العالية للرطوبة ، هذا بالإضافة للإحتياط العالي من الملح الصخري ليقدر بـ390 مليون متر مكعب . قطاع التنقيب واستغلال معادن اليمن يعتبر طوق النجاة للإقتصاد هناك ان استغل على أكمل وجه ، لكن لم يتم البحث والتنقيب إلا عن نسبةٍ لا تتجاوز ال10% هناك ، ولو تم التنقيب عنها بشكل كامل بكل تأكيد ستتغير أحوال البلاد هناك لتصبح من أغنى الدول إقتصادياً وكل ذلك الى جانب النفط الذي يصدر منه اليمن حوالي 256الف برميل يوميا " الإحصائيات مأخوذة عن موقع ويكيبيديا ".
ويجب أن لا نهمل مطلقا أن اليمن تملك مخزونا من النفط والغاز غير مطور على الإطلاق وقد كشفت قناة سكاي نيوز الأمريكية أن اكبر منبع ومخزون نفط في العالم يقع في الأراضي اليمنية وان هذا المخزون بحسب سكاي نيوز يصل إلى 34% من المخزون العالمي وان شركة ( هنت ) الأمريكية هي التي اكتشفت هذا المخزون ثم ألغت الإعلان عنه وأبقته سرا وهذا يعني أن الولايات المتحدة قد أمنت سيطرتها على هذا المخزون وهي بحاجة أولا لنهب ما لدى السعودية من نفط ثم الوصول إلى تقسيم اليمن وإضعافها لتسهيل السيطرة على مصادر النفط هذه بعد توزيعها بين أقاليم اليمن المتنازعة وإبعاد السعودية نفسها عن المشهد النفطي اليمني وقد كشف شارل أيوب في مقاله له في الديار اللبنانية عن أن السعودية عرضت على اليمن 10 مليار دولار سنويا مقابل أن تمنحها اليمن امتاز استخراج النفط ل 50 سنة قادمة وقد رفضت اليمن بقيادة علي عبدالله صالح هذا العرض وكان الرئيس علي عبدالله صالح قد تنازل للسعودية في اتفاقية جدة عن ما يقارب ثلث مساحة البلاد واتهم المعارضون لتلك الاتفاقية صالح بعقد صفقة مشبوهة مع السعودية عبر هذه الاتفاقية والتي تعتبر تحقيقا للأطماع السعودية بنفط اليمن وقد بات المشروع السعودي بالوصول الى بحر العرب عبر الأراضي اليمنية وتحديا عبر حضرموت أمرا معروفا لتفادي مضيق باب المندب وتقول كل التقارير أن السعودية سهلت للقاعدة الاستيلاء على حضرموت باكرا لتحقيق أهدافها تلك, من جانب آخر فقد أوضح الكسي نوسكوف أن الطاقة في اليمن وما حولها هي " في صلب أسباب الحرب الأهلية اليمنية وحملة التدخل التي تقودها السعودية ضد اليمن في الوقت الراهن " ويتابع قائلا " أن إنتاج الغاز في اليمن بدأ متأخرا سنة 2009، ولكنه تطور بسرعة اكبر من حاجة السوق الداخلي، وأكثر من قطاع النفط، وفي سنة 2013 بلغ تصدير الغاز الطبيعي المسيّل من اليمن 330 مليار متر مكعب وهو ما يشكل 3% من الحجم العام لاستهلاك الغاز الطبيعي المسيّل في العالم. وهناك مشاريع لبناء محطات توليد كهرباء تستخدم الغاز (في الوقت الحاضر يتم إنتاج الطاقة الكهربائية في البلاد باستخدام الغاز الخام بنسبة 20%، و80% باستخدام النفط). واحتياطات الغاز المؤكد اكتشافها (حسب معطيات سنة 2014) تبلغ 16،9 تريليون متر مكعب، اغلبها في حوض مأرب ـ الجوف "
اكتشاف النفط في المناطق الحوثية ودخول الصين وروسيا وإيران على الخط هناك جعل السعودية تشعر بالخطر الشديد إلى جانب حليفتها الولايات المتحدة وهو ما دفعها للتحالف بكل قوة مع النظام المصري في إعلان الحرب في اليمن وكما تسعى السعودية وتركيا إلى تدمير سوريا كليا لإخضاعها لإرادتها عبر سرقة قدرتها على التحكم بخطوط الغاز العالمية تسعى السعودية ومصر ومعهم الولايات المتحدة الى تقسيم اليمن وإضعافه وتدميره لتأخير أي إمكانية لاستثمار النفط هناك من جانب ومن جانب آخر منع أي احتمال لامتداد النشاط الشيعي الإيراني إلى الأراضي السعودية التي تهدد السعودية نفسها بالانهيار كمملكة موحدة وهو ما كنت قد أوضحته بشكل جلي في مقالة سابقة بعنوان وحل اليمن.
يقول الكاتب ياسين مدني في مقال له في جريدة البناء اللبنانية بتاريخ 18/3/2015 " إنّ كلاً من المملكة واليمن تعدّ عمقاً استراتيجياً للدولة الأخرى، وما يحدث في الأولى من تطوّرات يلقى تردّداته حكماً في الثانية والعكس صحيح. ومع أنه يُفترض في مثل هذه الحالة أن تسعى السعودية إلى استقرار الأوضاع في اليمن، إلا أنّ المملكة بنت سياستها طوال العقود الماضية وفق ثابتة أن يظلّ اليمن ضعيفاً ومنقسماً ومتوتراً، وأن لا تتشكل فيه حكومة مركزية قوية قد تشكل يوماً ما مصدر خطر على السعودية, وربما تكون هذه السياسة نابعة مما أشار إليه الصحافي المصري محمد حسنين هيكل في وقت سابق ضمن (المقالات اليابانية) 1998 والتي تحدث فيها عن وصية الملك السعودي عبد العزيز لأبنائه من على فراش الموت بأنّ عليهم «أن يحاذروا من يمن موحّد، فهذا خطر عليهم وعلى المملكة التي سيرثوها من بعده، وأنّ عليهم أن يتذكروا دائماً أنّ ضمان رخائهم مرهون ببؤس اليمن». وبالتالي يترتّب على هذه السياسة توفير أرضية خصبة في اليمن للإرهاب وإيجاد فراغ تملؤه التنظيمات الإرهابية المسلحة كتنظيم (القاعدة) "ويبدو ان وصية الملك عبد العزيز ظلت تحكم النظام السعودي حتى اليوم بغض النظر عن كل التطورات التي أصابت العرب والعالم برمته وقد تكون الطريقة التي أدارت بها السعودية أحداث اليمن منذ الثورة الشعبية على نظام علي عبدالله صالح اكبر دليل على عقم السياسة السعودية هناك فهي سعت وبشكل لا يقبل التأويل ليس الى وحدة اليمن بل الى تقسيمها فكانت أول دولة مثلا نقلت سفارتها الى عدن من صنعاء وشجعت كل حلفائها على ان يحذو حذوها حتى قبل ان يظهر ان هناك انقسام حقيقي فادم في اليمن وكأنها تريد ان تعيد الأمور الى ما كانت عليه قبل الوحدة او أنها لا ترغب بحكم الحوثيين خشية ان يمتد تأثيرهم الى المناطق الشرقية في المملكة والذين يؤيدون الحوثيين طائفيا قبل كل شيء وبالتالي لا احد يمكنه ان يغفل مصلحة السعودية العليا في إبقاء اليمن مقسما ومتخلفا وبعيدا عن أي قدرة على إحداث فعل سياسي ما في المنطقة وتحرص السعودية قطعا على هزيمة الحوثيين لما لانتصارهم من أخطار داهمة تهدد وحدتها واستقرارها.
الخوف السعودي او الأطماع السعودية في اليمن تقودنا بالضرورة الى مصالح إيران هناك بعد سقوط الشاه وظهور الصراع الأمريكي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي تحديدا فقد كانت العلاقات السعودية الإيرانية في أفضل صورها إبان حكم الشاه موحدين في مواجهة العراق وكانت ايضا نفس العلاقات بين إيران وسلطنة عمان موحدين ضد اليمن الجنوبي.
إيران تدرك جيدا أهمية اليمن بالنسبة لها إذ أن وجودها على مضيق هرمز يبقي قوتها وسيطرتها على الممرات المائية ناقصا في ظل وجود مضيق باب المندب وسيطرة اليمن عليه وهي لذلك تسعى جاهدة لإيجاد موطئ قدم لها هناك وباتت تجاهر علنا بدعمها لصالح والحوثيين في معركتهم ضد السعودية وحلفائها هناك ولذا بات اليمن اليوم مسرحا لصراع مباشر بين المصالح الإيرانية والسعودية وغيرها وهو ما جعل الأمور تصل هناك إلى ما وصلت إليه.
تقوم السعودية اليوم في اليمن وسوريا وحتى في ليبيا والعرق وحليفاتها بتنفيذ المخططات الأمريكية دون حتى أن تحاول تجديد رؤيتها أو النظر إلى ابعد من أنوف أمرائها المنشغلة برائحة النفط والمال دون سواهما وهم أبدا لن يلتفتوا لرائحة المؤامرة التي ستدق أعناقهم بعد أن قبلوا بفتح باب الصراع الطائفي في اليمن متناسين أن قدرتهم على إشعال نار الفتنة الطائفية في اليمن لن تمنع هذه النار من الامتداد غدا إلى قرصهم وان الطائفية ليست حكرا على اليمن وعلى العكس من ذلك فان الخطر الداهم لتحرك شيعي في السعودية سيكون أقسى مرات ومرات من هذا التحرك الذي تدعمه السعودية في اليمن وهي لن تجد لديها القدرة أبدا على إطفاء أوار تلك النار إلا بعد أن تأكلها هي نفسها وبدعم من حلفاء اليوم وفي مقدمتهم الولايات المتحدة نفسها.
بقلم
عدنان الصباح