مقدمة
أية محاولة لوضع برنامج وطني استراتيجي أو رؤية شاملة للمرحلة القادمة يجب أن تؤَسَس وتنطلق من تجاوز الوضع الراهن الذي نبحث عن بديل له ، أو نسعى لتصحيحه ، والبرنامج الوطني ليس برنامج الحكومة وليس مصالحة طرفي الانقسام ، إنه برنامج الكل الفلسطيني لمواجهة الاحتلال وإنجاز الاستقلال التام .
فأن تُجمع القوى السياسية وكل فئات الشعب على الحاجة لإستراتيجية وطنية أو برنامج وطني جديد فذلك يتضمن حُكَما الاعتراف بأن ما هو موجود مرفوض أو على الاقل لا يلبي الحد الأدنى من متطلبات استنهاض الحالة الوطنية ومواجهة تحديات المرحلة ،أيضا اعتراف بوجود خلل في تشخيص الانقسام وبالتالي الاتفاقات الموقعة حول المصالحة ، وإلا ما سبب بقاء هذه الاتفاقات حبيسة النصوص ولم يتم تنفيذها بالرغم من مرور سنوات على توقيعها ؟ .
لذا فالبرنامج الوطني الاستراتيجي المنشود يفترض أن يتجاوز ما هو قائم ، إن لم يكن بمعنى القطيعة وهو أمر صعب لاعتبارات متعددة ، فتجديدّ وجديدّ بما يستوعب بعض القديم من البرنامج/البرامج القائمة ، الأمر الذي يتطلب الانتقال من مفهوم مصالحة طرفي الانقسام – فتح وحماس - إلى الوحدة الوطنية .الانتخابات ومواعيدها والمحاصصة وتنظيم الأجهزة الأمنية ومصالحة حركتي فتح وحماس ليست جوهر المشكل ، كما أن تشكيل حكومة توافقية ليس هو الحل.
إن استمرت مكونات النظام السياسي تتعامل مع الأزمة وكأنها أزمة خلاف بين فتح وحماس على الانتخابات والحكومة والأجهزة الأمنية والمحاصصة الوظيفية الحكومية ...فستبقى المعالجات في إطار التسوية واتفاقات أوسلو أو لإدارة الانقسام حتى وإن صرحت القوى السياسية غير ذلك . البرنامج الوطني الاستراتيجي المطلوب يتطلب التعامل مع القضية كقضية شعب قوامه أكثر من اثني عشر مليون فلسطيني في الداخل وفي الشتات، دون تجاهل الأوضاع في غزة والضفة كرفع الحصار عن قطاع غزة ومواجهة الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس واستحقاقات الدولة .
المحور الأول
البرنامج الوطني الاستراتيجي والبرنامج السياسي للحكومة
اختلاط والتباس في المفاهيم أدى لتداخل الملفات والموضوعات فيما يخص ملفات المصالحة الوطنية ، وهو ما أدى بدوره إلى استعصاء تطبيق بنود اتفاقات المصالحة . وأهم أوجه هذا الاختلاط أو اللبس ، الخلط بين البرنامج الوطني الاستراتيجي وبرنامج الحكومة ، والخلط بين المصالحة الوطنية أو الوحدة الوطنية من جانب ، والمصالحة بين فتح وحماس على قاعدة إنهاء الانقسام الذي جرى في يونيو 2007 من جانب آخر. أيضا يتم الخلط بين البرنامج الوطني الاستراتيجي ووسائل وأدوات العمل السياسي والوطني بشكل عام - مفاوضات ومقاومة وحراك دبلوماسي- فهذه أدوات للبرنامج الوطني الاستراتيجي وليست استراتيجيات بحد ذاتها.
البرنامج السياسي للحكومة من اختصاص الحكومة القائمة سواء كانت حكومة تكنوقراط توافقية أو حكومة وحدة وطنية أو حكومة حزب واحد ، ويختص بتدبير أمور الشعب في الضفة وغزة والتعامل مع المستجدات والاتفاقات الموقعة في إطار عملية التسوية بما في ذلك اتفاقية اوسلو وشروط الرباعية الخ ، بما لا يخرج أو يتعارض استراتيجيا مع البرنامج الوطني الذي هو من اختصاص منظمة التحرير بعد إعادة بنائها . كما أن البرنامج السياسي للحكومة قد يكون مقتصرا على مهام محددة ،مثلا التهيئة للانتخابات وإعادة إعمار قطاع غزة .
البرنامج الوطني برنامج لحياة ومستقبل اثنى عشر مليون فلسطيني وليس لسكان الضفة وغزة فقط ، وإن كان من الممكن لبرنامج الحكومة الخضوع لشروط الرباعية الدولية أو لاستحقاقات أوسلو ، فالبرنامج الوطني غير ملزم بذلك ،لأن البرنامج السياسي يأخذ صفة المؤقت زمنيا والمشروط سياسيا ، بمعنى أن قيمته ومدى الالتزام به مشروط بنجاح عملية التسوية السياسية وقيام إسرائيل بما عليها من التزامات ، وفي حالة فشل التسوية السياسية وتحديدا اتفاقية اوسلو والسلطة المنبثقة عنه تسقط قيمة البرنامج السياسي ويصبح وكأنه لم يكن ، ويستمر البرنامج الوطني الاستراتيجي الناظم والمُحدد للحقوق الوطنية .
هذا التداخل بين البرنامجين كان وراء غرق حوارات المصالحة بالإشكالات الناتجة عن الانقسام الذي جرى في يونيو 2007 دون تفكير عميق بأن هذا الانقسام ليس سبب ما يتعرض له النظام السياسي الفلسطيني من أزمات بل هو نتيجة لما قبله ، فالانقسام أحد نتائج فشل اتفاقية اوسلو والتسوية التي انطلق منها كما أنه نتيجة لمعادلة إقليمية إسرائيلية ذات صلة بمخطط (فوضى الربيع العربي).
انشغل الجميع بالحكومة والمحاصصة بل وبالرواتب والمعابر ومشكلة الكهرباء وكلها قضايا تُبقي الجميع في دائرة حسابات البرنامج السياسي وسلطة الحكم الذاتي واتفاقية أوسلو أو إدارة الانقسام ، وقليل من جلسات الحوار كانت ذات صلة بالحوار الاستراتيجي حول البرنامج الوطني ، وفي كثير من الأحيان كانت الاطراف المتحاورة تقدم تنازلات شكلية وتتوافق على صياغات مبهمة وغير جادة حول عناصر البرنامج الوطني – المقاومة والدولة والشرعية الدولية – لتُجني مكاسب ولو شكلية فيما يتعلق بالسلطة والحكومة ومنافعهما ، أو لكسب الوقت حتى تنضج شروط نجاح المشروع الخاص لكل منهم ، أو في مراهنة أن تطورات الأحداث الداخلية والإقليمية قد تُضعف الطرف الثاني أو تلغيه من ساحة العمل الوطني .
كانت السلطة والحكومة ومنافعهما تحوم على رؤوس المتحاورين ، كما كانت برامج المشاريع والأجندة الخارجية حاضرة بالنسبة للطرفين ، أما البرنامج الوطني الاستراتيجي الذي يؤسَس على استقلالية القرار الوطني وعلى التفكير خارج الصندوق – اتفاق أوسلو واستحقاقاته ،والسلطة ومنافعها – فقليلا ما كان يشغل تفكير المتحاورين .
البرنامج الوطني برنامج استراتيجي أو يعبر عن رؤية استراتيجية للقضية الفلسطينية . والإستراتيجية رؤية وتخطيط ومنهج في العمل تحيط بكل المصالح الوطنية وما يهددها من مخاطر ، تربط الحاضر بالماضي وتستشرف المستقبل ،تنطلق من رؤية علمية للواقع بكل مكوناته وتشابكاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية ،محليا ودوليا ،إنها فن التوفيق بين الإمكانات الوطنية بكل مكوناتها من جانب والأهداف من جانب آخر . هذه الاستراتيجية هي الأساس الذي تقوم عليه سياسات الدول والكيانات السياسية العقلانية . الاستراتيجية تؤسَس على المصلحة الوطنية العليا أو ثوابت الأمة التي هي محل توافق وطني ولا تخضع لألاعيب السياسيين ومناوراتهم .
وضع برنامج وطني استراتيجي يرتبط ارتباطا وثيقا بوجود مؤسسة قيادة جامعة وفاعلة ، وما يميز القيادة كمؤسسة عن رجال السياسة والزعماء العابرين أو المتطفلين على الشأن السياسي ، أنه في الأولى يتم الاشتغال في إطار رؤية استراتيجية للمصالح القومية العليا ، فيما الآخرون يشتغلون ضمن رؤية ضيقة ترتبط بالمصالح الشخصية والحزبية الضيقة وهدفهم السلطة ومنافعها ،الأولون يعتبرون أن السلطة أداة لتحقيق مصالح الأمة فيما الآخرون يعتبرون السلطة هدفا بحد ذاته وقد يضحون بمصالح الأمة من أجل السلطة وما تدره عليهم من منافع .أية ممارسة سياسية بدون برنامج وطني تصبح نوعا من العبث والتهريج أو مجرد إدارة يومية لشؤون الناس وللازمات السياسية دون إمكانية للانتقال من إدارة الأزمة إلى حلها .
الشعوب الخاضعة للاحتلال وحركاتها التحررية أحوج ما تكون لبرنامج وطني استراتيجي لمواجهة الاحتلال . أهم مكونات البرنامج الوطني الاستراتيجي لحركات التحرر الوطني هو توافق اغالبية الشعب والكيانات السياسية على الأهداف الوطنية وعلى الوسائل أو الأدوات التي تضمن تحقيقها ، ودائما يرتبط نجاح أو فشل البرنامج الوطني ليس باختلال موازين القوى مع العدو بل بمدى وجود مؤسسة قيادة قادرة على تعبئة الشعب وحشده حول برنامجها الوطني ، وفي وجود وحدة وطنية.
في الحالة الفلسطينية الراهنة يبرز غياب البرنامج الوطني الاستراتيجي من خلال غياب التوافق على الأهداف العليا أو الثوابت ، والاختلاف حول الوسائل ، والاختلاف في تحديد معسكر الأصدقاء ومعسكر الأعداء .هذا الغياب أدى لفشل معمم على كافة الأصعدة ، وأدى لحالة تيه سياسي تتخبط فيه كل مكونات النظام السياسي وخصوصا بعد انقلاب حركة حماس على منظمة التحرير والسلطة في يونيو 2007 وفصل غزة عن الضفة , لذا فإن حالة الفشل والشلل التي تصيب القضية الفلسطينية ليست قدرا من السماء ولا تعود لإسرائيل فقط ، فالقدر محايد في الشؤون السياسية ، وإسرائيل وإن كانت عدوا قويا إلا أن حركة التحرر الفلسطينية ما وجدت إلا لمواجهته وليس تبرير عجزها بوجوده.
الخلل يعود لغياب استراتيجية فلسطينية مُصاغة في برنامج وطني توافقي ،سواء لمرحلة التحرر الوطني وملتزم بمقتضياتها ، أو لمرحلة بناء الدولة ويلتزم باستحقاقاتها ، أو الجمع بين المرحلتين . في ظل التباعد الزمني ما بين مرحلة التحرر الوطني التي قامت على أساسها الحركة الوطنية الفلسطينية منتصف ستينيات القرن الماضي والواقع الراهن بما دهمته من متغيرات عربية ودولية وفلسطينية وعلى رأسها الانقسام ، وفي ظل تعدد الاستراتيجيات الإقليمية والدولية المتصارعة حول المنطقة العربية وفي جوهرها القضية الفلسطينية ، فالأمر يتطلب برنامج وطني استراتيجي متعددة المسارات ،لا يقطع مع مرحلة التحرر الوطني ولكن في نفس الوقت ينفتح على مسارات جديدة للعمل السياسي .
إن كان يجوز القول بأن الاختلاف على الأهداف ووسائل تحقيقها أمر محايث للحركة الوطنية الفلسطينية منذ سنواتها الأولى نظرا لخصوصية القضية الوطنية من حيث أبعادها التاريخية والدينية وتداخلها مع قضايا الصراع العربي - الإسرائيلي ، حيث لم تستقر منظمة التحرير على برنامجها الوطني الأول سوى سنوات قلائل ،إلا أن اختلافات تلك الحقبة كانت في بيئة عربية ودولية تسمح بشكل من الاستراتيجية الواحدة التي تسمح بالتعايش بين القوى المختلفة داخل منظمة التحرير،كما أن عدم وجود سلطة ومغانم سلطة آنذاك كان يحد من إمكانية تصعيد الخلافات إلى درجة الاقتتال الدموي.
بعيدا عن الشعارات الكبيرة والأيديولوجيات المخادعة والوعود البراقة فإن العمل السياسي الفلسطيني ومنذ التعاطي مع عملية التسوية السياسية يشتغل بدون برنامج وطني واضح المعالم ، الأمر الذي أدى إلى حالة التيه السياسي المعممة ، من المواطن العادي حتى المسئول والقيادي ، من السلطة وفصائل منظمة التحرير إلى حركة حماس ، وأصبحت البوصلة السياسية بلا اتجاه عند الجميع ولم يعد بالإمكان إخفاء الحقيقة ، وخصوصا بعد انقلاب حماس على السلطة ومنظمة التحرير في يونيو 2007 .
المحور الثاني
رؤية شمولية للبرنامج الاستراتيجي الوطني
لأن البرنامج الوطني برنامج الكل الفلسطيني فإنه يستهدف كل مكونات النظام السياسي من الرئاسة حتى الأحزاب. ونظرا لأن مكونات النظام السياسي جزء من الأزمة بل سببا رئيسا لها ، فهي غير مؤهلة لوحدها لوضع برنامج وطني ، لذا فالبرنامج الذي نقترح أو ما يقترحه آخرون يجب أن يُعتمد من خلال مؤتمر شعبي عام إن أمكن ، وإلا من خلال (الإطار القيادي المؤقت ) كما سنوضح .
أولا : مجلس تأسيسي للإشراف على وضع وتنفيذ البرنامج الوطني
1. ونحن نفكر بوضع برنامج وطني نستحضر ما جرى في مصر وتونس حول تشكيل مجلس تأسيسي ، كما يمكن الاستفادة من تجربة الولادة الثانية لمنظمة التحرير 1968 . في جميع هذه الحالات كان النظام السياسي يمر بمرحلة انتقالية صعبة ويحتاج لنوع من العدالة الانتقالية تتجسد بداية في برنامج أو ميثاق وطني محل توافق غالبية مكونات الشعب الفلسطيني . البرنامج الوطني سيكون بمثابة دستور مؤقت للشعب الفلسطيني للمرحلة الانتقالية وإلى حين قيام الدولة الفلسطينية المستقلة .
2. التأكيد على أن الانتخابات مصدر الشرعية لأي نظام أو كيان سياسي ـ، وبالتالي من المهم أن يتم تجديد شرعية النظام السياسي بكل كياناته ومستوياته – الرئاسية والتشريعية والبلدية - من خلال الانتخابات حسب النظام الانتخابي المُتفق عليه .
3. في حالة تعذر إجراء الانتخابات يمكن توسيع الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الذي تم الاتفاق عليه في القاهرة والدوحة من خلال إشراك ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني والاتحادات الشعبية وشخصيات وطنية أكاديمية ومهنية من الداخل والخارج ليصل العدد ما بين مائة وخمسين ومائتين ، ويقوم الإطار القيادي لمنظمة التحرير بالتوافق على الأعضاء الجدد ، على أن لا تزيد نسبة ممثلي الأحزاب والفصائل عن نصف أعضاء الإطار القيادي الجديد .
4. يصبح الإطار الجديد بمثابة (مجلس تأسيسي) يتكفل بعملية إعادة بناء وتفعبل منظمة التحرير كما نصت على ذلك وثائق الوفاق الوطني وورقة المصلحة المصرية ، ويشمل ذلك صياغة ميثاق المنظمة أو البرنامج الوطني و يمكن الاستئناس بوثيقة الوفاق الوطني بهذا الشأن . ويمكن لهذا المجلس أيضا أن يقترح مسمى بديلا لمنظمة التحرير إن لزم الأمر ويتم مراسلة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والعربية لاعتماد المسمى الجديد ، أيضا إعادة صياغة وتحديد علاقة منظمة التحرير بالسلطة الوطنية وبالدولة التي تم اعتمادها كمراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
5. في حالة تعذر إجراء انتخابات يقوم الإطار الجديد (المجلس التأسيسي) بانتخاب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وهذه بدورها تنتخب رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة أو يكون العضو الحاصل على أعلى الاصوات ، ويكون في نفس الوقت رئيس دولة فلسطين .
6. يتم اسناد مهمة أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة لمن يلي الرئيس من حيث الحصول على الأصوات ، أو بالتوافق بحيث إن كان الفائز مثلا من حركة فتح يكون النائب من حركة حماس أو اي من الأحزاب الأخرى ، والعكس صحيح .
7. تنبثق عن المجلس التأسيسي لجنة (الميثاق) مكلفة بتعديل ميثاق منظمة التحرير ووضع البرنامج الوطني .
ثانيا : مؤسسة الرئاسة وشؤون المفاوضات
1. مع أن الأمر يدخل في المجال المحفوظ للرئيس ،إلا أنه يجب وضع وضبط المعايير التي بمقتضاها يتم تعيين مستشاري الرئيس مع تحديد اختصاصات كل مستشار ، وأن يتم تشكيل مجلس مستشاري الرئيس داخل مؤسسة الرئاسة .
2. فصل الرئاسات عن بعضها البعض رئاسة السلطة ، رئاسة حركة فتح ، رئاسة منظمة التحرير ، رئاسة الدولة ، حتى يكون هامش لمنظمة التحرير للتحرك خارج الاستحقاقات والالتزامات المفروضة على السلطة .
3. إعادة تشكيل طاقم المفاوضات وإستراتيجية التفاوض مع الوضوح والشفافية بكل ما يتعلق بالمفاوضات ، مما يتطلب تغيير طاقم المفاوضات وأن يضم فريق المفاوضات شخصيات وطنية مستقلة وأعضاء من فصائل منظمة التحرير تختارهم الفصائل نفسها .
4. لأن المفاوضات ليست استراتيجية بحد ذاتها بل جزء من الاستراتيجية الوطنية ، فيجب رفدها بمقاومة سلمية شعبية ملتزمة بالحل السلمي وبالشرعية الدولية وخاضعة لتوجيه وإشراف منظمة التحرير الفلسطينية أو الإطار القيادي الجديد.
ثالثا : المصالحة الوطنية ومنظمة التحرير
1. المصالحة الوطنية الحقيقية تحتاج للتوافق بداية على برنامج وطني استراتيجي متعددة المسارات يتم التوصل إليه إما من خلال مؤتمر شعبي عام أو من خلال مؤتمر تأسيسي ينبثق عن الإطار القيادي الموحد الجديد.
2. المصالحة الوطنية الحقيقية تحتاج لمصالحات تسبق المصالحة الوطنية : مصالحة فتحاوية داخلية ، مصالحة داخل منظمة التحرير الفلسطينية وبين فصائلها، مصالحة بين قوى اليسار .
3. في حالة تعثر المصالحة الاستراتيجية وتفعيل الإطار القيادي المؤقت ، يجب إصلاح منظمة التحرير بمكوناتها القائمة ، من خلال تغيير بعض أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بالتوافق بين مكونات منظمة التحرير ، أيضا اعضاء المجلس الوطني ، ذلك أن كثيرا من هؤلاء لم يعد وضعهم الصحي وتقدمهم بالسن أو مشاغلهم وارتباطاتهم الخارجية يسمح لهم بِتَحمُل مسؤولية القيادة في هذا الوقت العصيب .
4. تفعيل واستنهاض مؤسسات ودوائر المنظمة في صيغتها ومكوناتها الحالية ، وخصوصا دائرة شؤون اللاجئين التي تعيش حالة من الموات ، ودائرة العلوم والثقافة ، ودائرة العلاقات القومية ،مع إلغاء أو إعادة النظر ببعض الدوائر والمؤسسات الأخرى .
رابعا : الدولة الفلسطينية
1. مع أن حل الدولتين فيه انتقاص من الحقوق التاريخية للفلسطينيين على كامل فلسطين ، وحيث إن الظروف الدولية والعربية والمحلية لا تسمح بتحرير كامل فلسطين ، ولأن العالم بدأ اكثر قبولا بهذه الفكرة ، كما أن كل القوى السياسية الفلسطينية لم تطرح رسميا تصورا أو حلا بديلا قابلا للتنفيذ ،بل هناك تخوفات من دولة في قطاع غزة فقط . فإن حل الدولتين يبدو حلا يمكن التعامل معه حيث يتضمن فرصة قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة ، بالرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه صيرورته واقعا ، وخصوصا من طرف إسرائيل التي تواصل الاستيطان في أراضي الدولة المنشودة .
2. حتى لا يتم توظيف الانقسام لإجهاض فرصة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة وغزة على يد الفلسطينيين أنفسهم ، ولأنه يبدو أن الانقسام والفصل الجغرافي سيطول ، يمكن التفكير بدولة فلسطينية اتحادية (فدرالية) ما بين غزة والضفة ، كحل بديل لدولة غزة وللتقاسم الوظيفي مع الاردن في الضفة .
خامسا : الحكومة
1. نظرا لأننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني ، فالمصلحة الوطنية تتطلب وجود حكومة وحدة وطنية ، وحتى في حالة إجراء انتخابات فيجب أن يَنتج عنها حكومة وحدة وطنية بغض النظر عن الحزب الفائز .
2. يتكلف الإطار القيادي المُوِحد بتشكيك حكومة وطنية توافقية تقوم بتسيير أمور الشعب في قطاع غزة والضفة والتهيئة لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية ، خلال المرحلة الانتقالية الراهنة ،إلى حين قيام الدولة المستقلة .
3. الإطار القيادي الموحد الجديد يتكلف بتشكيل الحكومة الاتحادية من خلال انتخابات داخله أو بالتوافق والتراضي . بجانبها يتم انتخاب حكومة محلية أو إقليمية في الضفة وأخرى في القطاع تخضعان لدستور أو قانون أساسي واحد.
4. إنشاء وزارة جديدة تختص بشؤون المغتربين –الفلسطينيون في الخارج – بما لا يتعارض مع اختصاص واستمرار عمل دائرة شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية .
سادسا : السلطة الوطنية
1. خلال أكثر من عقدين من وجود السلطة الوطنية وبالرغم مما وصلت إليه من ضعف ،إلا أنها أقامت مؤسسات يجب توظيفها والبناء عليها في بناء الدولة الفلسطينية .
2. مباشرة الانتقال من سلطة حكم ذاتي إلى سلطة وحكومة الدولة الفلسطينية ،من خلال إجراءات متدرجة على الأرض ، كإعادة النظر بآليات التنسيق الأمني والبروتوكول الاقتصادي ، وأن تكون الانتخابات القادمة ،في حالة إجرائها ،لبرلمان دولة وليس لمجلس حكم ذاتي ، والحكومة حكومة دولة فلسطين وليس حكومة سلطة حكم ذاتي. وهي أمور تم الموافقة عليها في الاجتماع الأخير للمجلس المركزي لمنظمة التحرير .
3. تفعيل هيئة الرقابة العامة وهيئة مكافحة الفساد والنيابة العامة ، وتمكينهم من الوسائل والأدوات البشرية والمادية والصلاحيات ، لمحاربة الفساد وخصوصا في مواقع المسؤولية العليا ، حيث يمَارس الفساد وتَغيب المساءلة دون حسيب او رقيب .
سابعا :العلاقات الخارجية
1. تشكيل معهد للدبلوماسية الفلسطينية ، ووضع استراتيجية للعمل الدبلوماسي ومعايير موضوعية لتعيين السفراء وممثلي فلسطين في المنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية .
2. تفعيل الدبلوماسية الشعبية وعدم اقتصار العمل الخارجي على الدول والمؤسسات الرسمية .
3. استعادة العلاقات الشعبية ما بين الشعب الفلسطيني ممثلا بمنظمة التحرير والدولة الفلسطينية ، والشعوب العربية والإسلامية ، من خلال تفعيل جمعيات مساندة الشعب الفلسطيني والتي تشكلت في السبعينيات ولعبت دورا مهما في توثيق العلاقة بين القضية الفلسطينية والشعوب العربية .
4. إنشاء أو تنشيط المراكز الثقافية الفلسطينية في كل دول العالم ، سواء كانت هذه المراكز ملحقة بالسفارات أو منفصلة عنها
.
ثامنا : قضية اللاجئين
1. قرار عودة اللاجئين الفلسطينيين رقم 194 الصادر يوم 11 ديسمبر 1948 ليس قرارا فلسطينيا بل قرار دولي ، لذا فليس مطلوبا من الفلسطينيين إلغاء قرار أممي ومن الخطأ فعل ذلك . وهنا نُذَكِر بأن القرار الأممي 3379 الصادر عام 1975 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يعتبر الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية والتمييز العنصري لم يتم إلغائه إلا بقرار صادر عن نفس الجمعية .
2. دخول منظمة التحرير لمشروع التسوية السياسية في مدريد وأوسلو على أساس القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن بعد حرب حزيران 1967 والذي تحدث عن حل عادل لقضية اللاجئين وليس عن حق العودة ، لا يُلغي أو ينتقص من قيمة القرار 194 ، ما دامت التسوية وصلت لطريق مسدود بسبب عدم التزام إسرائيل بما عليها من استحقاقات بمقتضى اتفاقية اوسلو .
3. قرار 194 الصادر عام 1948 جاء بعد قرار التقسيم عام 1947 الذي ينص على قيام دولة عربية بجانب دولة إسرائيل ، والفقرة الخاصة باللاجئين في القرار الصادر عن مجلس الامن جاءت بعد الفقرات التي تطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة وتحقيق السلام ، وهو ما تم التأكيد عليه في قرار مجلس الأمن رقم 338 الصادر عام 1973 .
4. لذا فالمؤسسات الشرعية السيادية للدولة الفلسطينية المستقلة تقرر وتحسم بأمر اللاجئين وكيفية تطبيق قرار 194 .
5. التأكيد على حق عودة اللاجئين مع عدم الخوض بحلول لقضية اللاجئين إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية ذات السيادة .
تاسعا : المقاومة
1. ليس من حق أية وثيقة أو جهة فلسطينية أو اتفاقات توقعها السلطة الوطنية أو حركة حماس أو أية جهة أخرى أن تلغي أو تتصرف بالحق بمقاومة الاحتلال لأنه حق طبيعي وقانوني نصت وأكدت عليه الشرعية الدولية .
2. يؤكد البرنامج الوطني على الحق بالمقاومة اعتمادا على قرارات الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة الذي منح الشعوب الحق بالدفاع عن النفس ، و للقيادة الجديدة وللحكومة الوطنية تحديد طرق ووسائل ممارسة هذا الحق .
3. المقاومة يجب أن تُمارس في إطار الاستراتيجية الوطنية وليس بشكل فصائلي ، يمكن لحكومة الوحدة الوطنية في ظل عملية سياسية تفاوضية جادة أن تقرر شكل المقاومة السلمية الذي يدعم العملية السلمية .
4. من حق القيادة الوطنية الجديدة وحدها الدخول في اتفاقات تهدئة قصيرة المدى خلال فترة المفاوضات .
5. عند قيام الدولة المستقلة يتم حل جميع الجماعات والكتائب المسلحة ، ويتم دمج مَن يرغب من حَمَلة السلاح في القوات المسلحة الفلسطينية .
6. إلى حين قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة ،يتم خضوع جميع الميليشيات والكتائب المسلحة لوزير داخلية حكومة الوحدة الوطنية ، أو لمجلس جديد يسمى (الكفاح المسلح الفلسطيني) يتم تشكيله من كل فصائل منظمة التحرير الجديدة ،ويُنسق مع وزير الداخلية .
عاشرا : الانتخابات
1. التأكيد على مبدأ الانتخابات كأهم مصادر الشرعية السياسية .
2. قانون فلسطيني مرن للانتخابات يأخذ بعين الاعتبار خصوصية الشتات الفلسطيني و خضوعه لسلطات غير فلسطينية .
3. يمكن للتوافق أن يحل محل الانتخابات في حالة تعذر إجرائها .
4. يجب ان يتم التوافق على أسس البرنامج الوطني الشمولي قبل اللجوء للانتخابات .
5. يجب ربط الانتخابات المحلية ببقية مستويات الانتخابات التشريعية وانتخاب المجلس الوطني الجديد ، بحيث يتم التزام الأطراف المشاركة بالانتخابات المحلية بالمشاركة بالانتخابات التشريعية في مواعيد محددة مسبقا.
خاتمة
إن لم يتم تدارك الأمر بالاتفاق على برنامج وطني استراتيجي كمرجعية لعمل النظام السياسي الفلسطيني في ظل المتغيرات العربية والدولية المفتوحة على كل الاحتمالات ، فستستمر القضية الفلسطينية في حالة تيه ، وسينزلق النظام السياسي نحو مزيد من التفكك.حركة فتح ومنظمة التحرير لن تبقيا موحدتين وستسيران نحو مزيد من التآكل والتخبط وكذا الحال مع السلطة الوطنية التي ستتحول لجابي ضرائب ومُقدم خدمات للمواطنين وهي مهام يُفترض أنها من مهام ومسؤولية دولة الاحتلال ، دون أي مضمون وطني تحرري . وحركة حماس ستشهد مزيدا من الانحسار وفقدان الشعبية والتحول إلى حكم شمولي استبدادي كلما توغلت في السلطة والحكم واستمرت ملتزمة بالتهدئة ، وقد تشهد انقسامات داخلية وخصوصا بين تيار وطني وتيار أممي مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين وتيار سينحو نحو التطرف.بطبيعة الحال لن يكون مصير بقية القوى السياسية بالأفضل،وقد نشهد ظهور العديد من التيارات أو الأحزاب بمسميات المستقلين أو أية مسميات أخرى يقودها رجال أعمال ورجال دين ، إلا أن هذه القوى لن تشكل استنهاضا للحالة الوطنية بل ستزيد من التيه ومن فرص تدخل أطراف خارجية.
التخوفات الأكثر مأساوية ، فقدان ما تبقى من الضفة ، وقد نشهد قريبا دولنة لقطاع غزة تؤدي لحرب أهلية حول السلطة والحكم. إسرائيل لن تُمكِن الفلسطينيين من دولة ذات سيادة في الضفة الغربية ولو على جزء منها،ولذا فستعمل على خلق المناخ المناسب لفتنة وحرب أهلية في القطاع ،كما سبق وهيأت المناخ لـ (الانقلاب) الذي أقدمت عليه حركة حماس في يونيو 2007.حرب أهلية حول مَن يحكم قطاع غزة : حركة فتح أم حركة حماس ؟ وقد تشارك جماعات أخرى في هذه الحرب ، كما سيكون للعملاء دور مهم في هذه الفتنة .
سكوت إسرائيل عن حكم حماس في قطاع غزة ليس قبولا نهائيا أو موقفا استراتيجيا وليس عجزا ، بل لهدف تكتيكي ، وعندما تشعر إسرائيل بأنها حققت هدفها من الانقسام وسيطرت على الضفة سيطرة كاملة ، وأنهت وجود السلطة كسلطة وطنية حقيقية أو قررت إنهاءها ، فستنقل إسرائيل المعركة لقطاع غزة ، وهناك نخب من داخل ومن خارج حركة حماس تراودها شهوة حكم غزة بمعزل عن المشروع الوطني بل على حسابه وهي مستعدة للقتال والقتل دفاعا عن مصالحها وشهوتها في السلطة أو خدمة لأجندة خارجية.
بقلم/ أ. د. إبراهيم أبراش