ننحني إجلالا للرياضيين العرب… والمزيد من مقاطعة الكيان

بقلم: فايز رشيد

في الريو دي جينيرو، حيث الألعاب الأولمبية، حادثة بسيطة جرت، لكنها غاية في الأهمية، لمعانيها الوطنية العامة. وفي التفاصيل، أنه وعند صعود أفراد البعثة اللبنانية إلى أحد الباصات للتوجه من الفندق حيث يقيمون، للمشاركة في حفل الإفتتاح، فوجئوا بأفراد البعثة الإسرائيلية، يصعدون إلى الباص ذاته. طلب رئيس البعثة سليم الحاج نقولا من السائق إقفال الباب. وبعدما تدخل المرشد السياحي المرافق للبعثة معترضاً، شرح له نقولا أن هناك 350 باصاً مخصصة للوفود فلماذا اختار الإسرائيليون هذا الباص بالذات؟ مشدّدا على رفض صعود أفراد البعثة الإسرائيلية، مؤكداً له أنها ليست المرة الأولى التي يتصرف فيها الإسرائيليون بهذه الطريقة لإحراج الوفود اللبنانية، وهو أمر يتكرر في كل مرة يكون فيها اشتراك دولي وتكون إسرائيل ممثلة بوفد منها. وأصرّ على موقفه، وقام بسدّ الباب بجسده، فلم يصعد الإسرائيليون. من زاوية أخرى، انسحبت اللاعبة السعودية جودي فهمي من منافسات لعبة الجودو لأنها ستقابل الإسرائيلية جيلي كاهن، التي تأهلت للدور الثاني في وزن 52 كغم.
رئيس البعثة الأولمبيّة الإسرائيليّة جيلي لوستيغ علّق على الحادثتين قائلا: إن ما حدث أمر خطير جدا. لم يتساءل رياضيو البعثة (باعتبارهم يشاركون في الأولمبياد، المرتبط بكل معاني السلام) عن مذابح وجرائم وتنكيل وموبقات دولتهم بالشعب الفلسطيني، والكثير من الشعوب العربية! ودون أن يلوموا كيانهم العنجهي والما بعد فاشي على جرائمه المتواصلة، كما تعنته في الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية ولا الأخرى العربية، بل قام بضم هضبة الجولان العربية السورية، والقدس، ويرفض الانسحاب حتى من مزارع شبعا اللبنانية. في حين رأت وسائل إعلام إسرائيلية أيضا أن ما حدث "خطير جداً"، مشيرة إلى أن الوفدين اللبناني والإسرائيلي كان يفترض أن يستقلا الحافلة ذاتها، والانتقال معاً إلى استاد "ماراكانا" لكن اللبنانيين منعوا الوفد الإسرائيلي من الصعود إلى الحافلة .أما البحّار الإسرائيلي، أودي غال، فقد كتب على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إنه "عار على المنتخب الأولمبي الإسرائيلي وعلى إسرائيل، أن يُمنع الوفد من الصعود إلى الحافلة".
"الانسحاب" شعار دائما ما يرفعه الرياضيون العرب، في حال إن أوقعتهم القرعة في الأولمبياد والبطولات الدولية في مواجهة لاعبين إسرائيليين، وهو ما فعلته في بعض الأحيان فرق ولاعبون من كافة الدول العربية، حيث يجدون في الأمر تطبيعا مع العدو الصهيوني، وهو بالفعل كذلك، إلا أن النهاية تكون دائما العقوبة، والاتهام بالعنصرية، من قبل اللجان المنظمة للدورات الأولمبية والبطولات العالمية. إن من أشهر تلك الوقائع، كانت مقاطعة الطفل التونسي محمد حميده لخصمه الإسرائيلي، في بطولة العالم للشطرنج في بوخارست، التي نُظّمت بين المدارس، فقد رفض حميده اللعب مع نظيره الإسرائيلي انتصارا لفلسطين. كذلك، مع بطلة سلاح المبارزة التونسية عزة بسباس، خلال مباراة الدور النهائي لبطولة العالم للمبارزة في إيطاليا، عندما رفضت مبارزة منافستها الإسرائيلية ناعومي ميلس، لتنسحب من نهائي البطولة وتستغني عن الميدالية الذهبية. أيضا، وقبل انطلاق منافسات دورة الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012، أعلن رياضيان جزائريان رفضهما مواجهة رياضيين إسرائيليين. كذلك فعل، بطل تنس الطاولة للمعاقين، الكويتي عوض الحربي، الذي انسحب من منافسات نصف نهائي بطولة رومانيا المفتوحة، حيث رفض مواجهة منافسه الإسرائيلي جيفا ليران، مؤكدا أن انسحابه من المنافسة هو فخر له ودعم للقضية الفلسطينية. أيضا، انسحب سباح تونسي، من منافسات 400 متر متنوعة رجال بدورة الألعاب الأولمبية، بعد أن علم باشتراك سباح إسرائيلي في المنافسة. وفي منافسات "الجودو"، امتنعت الجزائرية مريم موسى عن مواجهة الإسرائيلية شاهار ليفي في بطولة العالم للجودو التي أقيمت في العاصمة الإيطالية روما في عام 2011. ولم يقتصر الأمر على شمال إفريقيا، فقد انسحب لاعب المنتخب السعودي للتايكواندو فهد السميح من دور 32 في التصفيات المؤهلة لأولمبياد الشباب في الصين، المقامة في تايوان بسبب المواجهة التي كانت ستجمعه بلاعب إسرائيلي، كما انسحب لاعب المنتخب اليمني للجودو الدولي علي خصروف من مواجهة لاعب إسرائيلي ضمن بطولة كأس العالم للجودو في مدينة دوسلدورف الألمانية، وهي إحدى البطولات، التي كانت ستؤهله لأولمبياد لندن 2012. وفي مصر، كان لمنتخب الهوكي موقف واضح بمقاطعة اللعب ضد إسرائيل، في إطار فعاليات بطولة العالم للهوكي التي أقيمت في أورغواي 2012، وفي كرة القدم، رفض فاروق جعفر المدير الفني للاتحاد المصري لكرة القدم، مشاركة منتخب مصر للناشئين تحت 16 سنة في دورة ودية عالمية في إيطاليا، بسبب مشاركة إسرائيل، أما أحمد عوض لاعب المنتخب الوطني للجودو فقد انسحب لأنه كان سيواجه الإسرائيلي طيل بلاكير، خلال منافسات بطولة العالم التي أقيمت في النمسا عام 2012.
هؤلاء ضحوا ببطولات وأوسمة كان من الممكن أن يكسبوها، وبشهرة مستقبلية في سبيل إيمانهم بعدالة القضية الفلسطينية، وبأن الواجب يقتضيهم مؤازرة إخوتهم الفلسطينيين. وهم أيضا يدركون حقيقة هذا العدو الفاشي، وأن خطره سوف يطالهم يوما ما. بالطبع وفقا لقوانين الألعاب الأولمبية فإن اللاعب مجبر على اللعب أو تلقي العقوبة، والأخيرة ستؤثر كثيرا على مستقبل اللاعبين. لكن لن تهم هؤلاء الأبطال أي نجاحات، إذا كان ثمنها التطبيع مع هذا العدو النازي الصهيوني. نعم، لقد تعمّدتُ ذكر تفاصيل مباريات هؤلاء الأبطال والمواقع وأسماء مقابليهم من الإسرائيليين كمحاولة شكر، لن يفي ولو بجزء بسيط من حقوقهم على جميع أبناء أمتهم العربية، مؤكدا لهم، أن كل عربي يعرف هذه المواقف ويقدرها حق قدرها، وأن التاريخ سيسجل لهم هذه المواقف البطولية بأحرف من ذهب. وكاتب هذه السطور سيظل يفتخر بهم.
كذلك، وبخاصة أنها تأتي في زمن يتسابق فيه بعض النظام الرسمي العربي للتطبيع مع الكيان، ويذهب إليه في وفود رسمية، ويستقبل وفوده، مشيطنا المقاومة الفلسطينية، متهما تنظيماتها بـ"إلإرهاب"! داعيا إلى نزع سلاحها (فهي لم تقتل ذبابة!) مدّعيا أن الزيارات تأتي من أجل إقناع إسرائيل بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية، ناسيا أو متناسيا تهويد القدس، وزيادة الاستيطان ومحاولة هدم الأقصى (أحد الحرمين الشريفين)، والتأكيد صباح مساء من قادة الكيان بأن لا دولة فلسطينية ستقام بين النهر والبحر. يقول المثل العربي الرائع: غالبية الخطايا تكون مغلّفة بالنوايا الحسنة! كما يقول إمام حركة التحرر الوطني في أمريكا اللاتينية خوسيه مارتيه: "من الغباء افتعال معركة، ولكن من العار والجبن الهرب من معركة فُرضت عليك"، البعض العربي يمارس عكس هذه المقولة تماما: يهرب من المعارك المفروضة على أمتنا من قبل العدو، وبغباء شديد، يفتعل المعارك مع جهات مؤيدة لقضايانا!.
نظرائهم الإسرائيليين في وقت يخوض فيه المئات من أسرانا معركة الأمعاء الخاوية ضد الجلادين الصهاينة، تضامنا مع الأسرى الآخرين المضربين عن الطعام، ومع الأسير بلال الكايد "المضرب عن الطعام منذ حوالي57 يوما" احتجاجا على الاعتقال الإداري المجرم، الذي هو بلا تهمة "وإنما لمجرد الشك الأمني في الشخص". الكايد قضى حكما بالسجن أربعة عشر عاما ونصف، وفي يوم إطلاق سراحه المفترض، جرى تجديد اعتقاله بموجب القانون الإداري.
المقاطعة تؤثر سلبا على الكيان، اقتصاديا، سمعةِ، فقدانا للآلاف من فرص العمل. نعم، المقاطعة في طريقها للتحول إلى ظاهرة، وقد بدأت تقلق إسرائيل. لقد خسرت المستوطنات الإسرائيلية العام المنصرم 2015 وفقا للتقديرات الأولية، حوالي 25.5٪ من تجارتها مع الدول الأوروبية وغيرها. نعم بدأت تتكاثر المؤسسات الأكاديمية والتجارية المقاطعة لإسرائيل، وقد بدأت تتحول إلى ظاهرة متنامية يوما بعد يوم. وليس أدل من تأثير المقاطعة على إسرائيل، من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم (كتبنا عن هذا التأثير في "القدس العربي" مقالة سابقة) فقد صرّح يائير ليبيد، في خطابه في جلسة من جلسات مؤتمر هرتزيليا الـ16: "المقاطعة خاصة الأوروبية تؤثر علينا بشكل كبير، الاحتمالية كبيرة لفقدان 9800 عامل وظائفهم في العام الحالي، التصدير لأوروبا عام 2016 خسر نحو 27 مليار شيكل، والقطاع الصناعي خسر 13.5 مليار شيكل". شمعون بيريز وفي اجتماع لسفراء ورؤساء ممثليات إسرائيل في الخارج، اعتبرها التحدي الأكبر لإسرائيل، نتنياهو شبّه مقاطعة إسرائيل بالحقبة النازية! يعالون اعتبر "إن المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل أخطر عليها من التهديدات الأمنية". للعلم، الحكومة الصهيونية اتخذت في اجتماعها الأخير ثلاثة قرارات هامة: طرد الأجانب المتواجدين فيها حاليا من الداعين إلى مقاطعة إسرائيل، رصد 30 مليون دولار لتحسين صورة إسرائيل عالميا وربط ترميم مدارس القدس باعتمادها للمناهج الإسرائيلية.
في الختام، كل التحية للرياضيين العرب، الذين قاطعوا الكيان، يقاطعونه وسيقاطعونه، ولنعزز من حملات المقاطعة.

 د. فايز رشيد

٭ كاتب فلسطيني