السجن قهر والم وظلم وحرمان، لكن تبقى بذور الامل مغروسه في صدورنا وما ان تجد الفرصه المناسبه والبيئة الملائمه حتى تبدا بالنمو والازهار من جديد ، ولعل الحب هو اجمل بذور الامل ، وافضل وقود يشعل القلوب صبرا وتحملا لاوجاع القيد والبعاد.
حكايتي اليوم ليست كباقي الحكايات التي كتبتها سابقا ، لاني وكشرقي وعربي اتجنب الحديث في هذه المواضيع ، لكن ما وجدته وقرأته بل وعشته ايضا دفعني للكتابه ولو باختصار، لاننا عندما نكتب ونظهر هذه الصور الحقيقية وهذه القصص الحقيقية نذكر الجميع ان الاسير هو انسان ككل البشر ، وان له حياته و احلامه ودنياه.
في سجني تعرفت على الشخصية الاولى في مقالتي هذه الا وهو الاسير المريض بسام السايح ، وقد كانت زوجته منى وقتها معتقله ايضا في سجون الاحتلال ، ورغم مرض بسام والحالة الصحية الصعبة التي كان يعيشها الا ان همه الاول كان زوجته منى ، بل انه في اشد لحظات المرض صعوبه وعندما كان يصل لمرحلة الغيبوبه كان يردد اسما واحدا فقط : منى ، واظن ان هذه كانت بذور الامل والصبر التي تعين بسام على وجع القيد والمرض ، فك الله قيدك اخي بسام.
وبعد تحرري وجدت قصة اخرى جميله ، قصة جمعت فلسطيني بمغربية مقيمة في باريس، محمد و ألهام ، وخطوبه استمرت لاكثر من ست سنوات ، الا ان محمد والهام تحدوا كل الظروف التي وضعت في وجههم وتمسكوا بحبهم واحلامهم وانتصروا ، فان تكون فلسطيني يعني ان تقفل في وجهك جميع الحدود وان ترفض الدول – حتى العربية – ان تسمح لك بالمرور او السفر ، وهذا كان احد العوائق التي حرمت محمد من الهام .
محمد نجيب نزال شاب فلسطيني هاجر سنة 2007 للدراسة والعمل في مصر ،تاركا احزان بحجم السماء في بلدته قباطية التي شهدت استشهاد أخيه القائد محمود ،ليفجع بعد أشهر بوفاة والدته فلم يحضر جنازتها ولا دفنها. بعد سنوات من التفوق في جامعة القاهرة ،صدر ضده حكم منع امني بلا سبب إلا لأنه فلسطيني ،فحرم من شهادته وعجز رغم المحاولات من الرجوع إلى جامعته.
تعرف محمد خلال سنوات الغربة في مصر على زوجته ،مغربية الأصل ومقيمة في باريس ،ثم أصبح يحلم بشيء منع عن خياله لمدة سنوات ،واعتزم الحب والحياة . ضل مشوار الخطوبة والسعي إلى الزواج 6 سنوات كاملة ، حاول خلالها محمد تقديم طلب التأشيرة من القاهرة فعجز عن ذلك ثم قرر السفر الى الأردن لعلمه أن الفلسطيني قد يحصل على أي تأشيرة دون الحاجة إلى إقامة أردنية ،خصوصا فلسطينيو الضفة بجواز "سلطة" حاول محمد السفر خلال سنة 2014 تاركا شغله وأصحابه وحياة تعود عليها منذ 2007 ،مؤمنا بحبه وقناعة انه يريد الزواج وبناء حلم راوده منذ سنوات ،فاشترى تذاكر السفر ولملم أغراضه تاركا كتبه وبعض ما لم يستطع حمله للزملاء ،قبل أن يعود ادراجه مرتين : مرة من مطار القاهرة واخرى من الإسكندرية .
بعد سنوات من المحاولات وخيال الأمل ،قرر مع حبيبته أن يطرح على أهلها إمكانية إتمام الزواج بعمان ثم اللحاق بها إلى فرنسا ،فكانت الموافقة وسافرت إليه زوجته آخر شهر من 2015 ،ليتم الزواج الشرعي فور وصولها في عمان يوم 18/12/2015 ثم انصرف الزوجين يتمان معاملات الزواج الإداري في المحكمة الشرعية ليقيم بعدها حفل زفاف بسيط حضره بعض من أهل محمد وأخوات لم يكن قد رآهن منذ الصغر ،فكان اللقاء والأمل في حياة جديدة، سافرت زوجته عائدة إلى فرنسا بعد 21 يوما من الزواج وكان العهد أن يلحق بها بعد أيام ليجد نفسه في سجن عسقلان بدل باريس.
الان وعد صبر سنوات الخطبة ، وتحمل الغربة والبعاد ، اصبح لا بد من صبر جديد وغربة اقسى ، غربه في داخل الوطن ، ففي الماضي ورغم كل الظروف كان هناك وسائل للتواصل بين الهام ومحمد ، اما الان فلا مكان للتواصل ، فمحمد خلف جدران سجنه ، والهام التي تحمل جنين محمد الاول متنقله بين المغرب وفرنسا وممنوعه امنيا من زيارة محمد ولا مجال للاتصال الهاتفي ، لكن عندما تتحد القلوب والارواح يكون الاتصال الوجداني والروحي اقوى واشد.
انقل هنا بعض كلمات لزوجته الهام كانت قد كتبتها لتعبر عن ما في صدرها من حنين :
(( استسمحك عذرا أنني عدت إلى سابق عهدي ، أدافع عن بقايا الروح بالتظاهر ..اوزع ابتسامات الرضى على السكاكين ..واستسلم للذبح ..لعل نزيف الشوق يوصل إليك ما قضيت سنوات حبك تسألني عنه :
رح تضلي تحبيني؟؟
نعم احبك ..ليس ذاك الحب الأسطوري ،ولا التظاهر الرومانسي ..انا احبك بما حملته سنين عمري من حروب ..بما جعلتني به استسلم واسترجع نفسي ..بتلك التي لا يعرفها بعد الله سواك .
أحبك بما تحمله الأم الحانية لرضيعها ..واسمع نبض قلبك على بعد أميال ..توقف عن السؤال ..لن أتخلى عنك !))
بقلم :ثامر سباعنه - فلسطين