الحضور المسيحي في فلسطين

بقلم: حنا عيسى

الشعب الفلسطيني متعدد الأعراق والمذاهب والأديان، فغالبية سكان فلسطين عرب مسلمون، والعديد منهم  مسيحيون، ينتمون لطوائف وكنائس مختلفة، كالأرثوذوكسية والكاثوليكية والمارونية والسريانية وغيرها؛ إضافة إلى الطائفة السامرية التي يعيش أبناؤها في منطقتي حولون (داخل الخط الأخضر) وجبل جرزيم جنوبي مدينة نابلس، كما تعيش في فلسطين عدة جاليات إثنية، كالأرمن، والأكراد، والأرناؤوط، والبشناق، والشركس، والدوم، والأفارقة، وتشكل مع الأكثرية السكانية العربية النسيج العضوي للمجتمع الفلسطيني، وتزيده ثراء وتنوعًا.

التوزيع الديموغرافي للمسيحيين

الحضور المسيحي في المجتمع الفلسطيني في الوقت الحالي يشكل اقل من1% فقط من تعداد سكان الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وذلك لأن معظم مسيحيي فلسطين قد توجهوا إلى العيش في بلاد أخرى لأسباب مختلفة منها وجود الاحتلال الإسرائيلي في هذه الأراضي، والوضع الاقتصادي السيئ .

تشير بعض التقديرات إلى أن أعداد الفلسطينيين المسيحيين تصل إلى 2،200،000نسمة، لكن  اغلبيتهم المطلقة  تقيم خارج الوطن، بينما بقي اقل  خمسين  ألف مسيحي في الأراضي المحتلة منذ العام 1967، موزعين بين الضفة الغربية التي يقطنها 40 ألفاً، وقطاع غزة الذي يقطنه  الف مسيحي، فيما تبين أحدث التقديرات أن نسبتهم لا تتجاوز0,60 % من جميع الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية.

في المقابل، تشير بعض الإحصاءات إلى أن عدد المسيحيين من أبناء الشعب الفلسطيني في إسرائيل يصل إلى 117 ألف نسمة، من مجموع السكان البالغ 8،412،000 نسمة "تشير إحصاءات حديثة إلى أن عدد المسيحيين انخفض إلى 110 آلاف نسمة في الوقت الحالي .

وبحسب توزيع المسيحيين الفلسطينيين في إسرائيل، يتبين أن 66070 منهم ينتمون إلى كنائس الروم الكاثوليك وإلى الكاثوليك بشكل عام، و45424 ينتمون إلى الروم الأرثوذكس، و5505 إلى البروتستانت. وتبلغ نسبة الروم الأرثوذكس 51% من المسيحيين في الضفة والقطاع، فيما تتوزع البقية على الكنائس المختلفة على النحو التالي: اللاتين (الكاثوليك) 30%، الروم الكاثوليك 6%، البروتستانت 5%، السريان والأرمن الأرثوذكس 3% لكل طائفة، الأقباط والأحباش والموارنة وغيرهم من المسيحيين 2%.

مكمن الخطر... الصراع العربي الإسرائيلي

الصراع العربي الإسرائيلي ترك أثاره السلبية على حركة المواطنين الفلسطينيين وتهجيرهم خارج الوطن، فمع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في سنة 1948 هجر ما يقارب 750 ألف فلسطيني عن أرضهم وأصبحوا لاجئين بين عشية وضحاها، ومن بين السكان الذين عانوا  تجربة اللجوء ما بين 40,000 ألف إلى 50,000 من المسيحيين العرب  الذين كانوا أكثر من ثلث السكان المسيحيين في فلسطين في سنة 1948م.

ففي مدينة القدس كان مجمل السكان المسيحيين في العام 1944 يتجاوز 30,000  فردا، وأصبحوا الآن  اقل من 5000فرد. وذلك بسبب الاحتلال هاجر الكثير من المسيحيين سنة 1967 إلى الأردن والسكن في العاصمة عمان، بسبب توف الفرص أكثر بكثير منها في القدس، ولا غرابة أن نقول بأن عدد المسيحيين في استراليا اكبر منه في مدينة القدس الشرقية، وان عدد المسيحيين الفلسطينيين في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر بكثير مما هو موجود الآن في مدينة رام الله.

عوامل انخفاض نسبة المسيحية في فلسطين

العامل السياسي والذي مثله الاحتلال الإسرائيلي، وفرض ظروف اقتصادية سيئة ومناخ اجتماعي صعب لعب دوره أساسي في دفع الناس إلى ترك الأراضي الفلسطينية المحتلة.

كان من الأسباب المباشرة لانخفاض نسبة المسيحيين في فلسطين يعود إلى انخفاض معدل المواليد بين المسيحيين بسبب ارتفاع مستواهم الاقتصادي والاجتماعي، وفشل مشاريع التنمية والنهضة في معظم دول المنطقة، وشعور المسيحيين وفئات اجتماعية أخرى بلا جدوى البقاء بسبب تدني الأوضاع الاقتصادية والسياسية فيها.

بالرغم من مصاعب المعيشية، فالأسر التي تسكن في المدن كانت أكثر عرضة للهجرة من الأسر في المناطق الريفية أو في مخيمات اللاجئين، وكان سبب المباشر الذي دفعهم للهجرة هو الوضع الاقتصادي السيئ والظروف السياسية غير المستقرة.

لتخفيف الهجرة يجب أن يسبقه تحسين الظروف السياسية والاقتصادية وإيجاد فرص العمل للحد من البطالة، وإقناع المواطن بالثقافة الوطنية.

تحديات البقاء للفلسطينيين

العمل على سبيل العدل والسلام والخروج من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالحل العادل الدائم بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

العمل على توفير القيم المجتمعية التي توثق العلاقات في هذه الأيام الصعبة بين مختلف أبناء الوطن ولاسيما في المجال الديني، ومواجهة الأوضاع الاقتصادية الخانقة بدعم اقتصادي جاد، الأمر الذي يولد الثقة في قلوب من يرون في الهجرة نجاة وخلاصاً.

هناك حاجة ماسة مشتركة لإيجاد نظرة متكاملة لقضايا الوطن وعمل جاد من قبل المسلمين والمسيحيين معا لمواجهة التحديات المختلفة ..علماً بأننا بمختلف طوائفنا المسيحية،  فان الكنائس تتفاعل قدر المستطاع  مع احتياجات المجتمع بروح الانفتاح والمحبة واحترام  الحياة البشرية دون اعتبار لأية خاصية أو خفية دينية أو غيرها .

بقلم/ د. حنا عيسى