تعد الانتخابات بمثابة الوسيلة الأساسية التي تؤهل الناس للمشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم والتي بدورها تعتبر حقا أساسيا من حقوق الإنسان كافحت من أجله الشعوب في جميع أنحاء العالم . وقد اتسمت البشرية في جميع مراحل تاريخها وبدرجات نجاح متفاوتة سبل إشراك الأفراد في قرارات المجتمع وأهمية الانتخابات تنبع أساسا باعتبارها آلية للمشاركة في الشأن العام وتعد احد أهم مكونات الديمقراطية وحجر الزاوية في أية مشاركة للمواطنين في عملية صناعة القرار .
. إن الحق في المشاركة في إدارة الشأن العام هو حق منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويكفله العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتعترف به معاهدات وإعلانات دولية أخرى . ويدل تكثيف الكفاح من أجل انتخابات حرة ونزيهة خلال الأربعين سنة الأخيرة في جميع أنحاء العالم – برغم المخاطر على السلامة الشخصية – يدل على أن هذا الحق أصبح حقا لم يعد التنازل عليه ممكنا بالنسبة للأفراد والشعوب التي تعتبر الانتخابات الحرة والنزيهة حلقة حاسمة في سلسلة إقرار الديمقراطية المتواصلة الحلقات ووسيلة أساسية لتعبير الشعب عن إرادته .
الديمقراطية تعنى بطبيعة الحال أكثر من مجرد انتخابات دورية ولابد أن يكون واضحا أن الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها بقدر ما هي خطوة مهمة وأساسية على الطريق المؤدي إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على أنظمة حكم المجتمعات المختلفة وتأكيد الحق في مشاركة الفرد في حكم بلده على النحو المعلن في صكوك حقوق الإنسان الرئيسية . ولابد من الانتباه بعدم خلط الغاية بالوسيلة لأن الديمقراطية وهي الغاية تتجاوز مجرد الإدلاء دوريا بالأصوات ليشمل كل جوانب حقوق المواطنة ومشاركة المواطنين في الحياة السياسية كلها .
ولكي تكون ممارسة الحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة من خلال انتخابات حرة ونزيهة فعلية وفعالة فلابد من وضعها في إطار التمتع بعدد من الحقوق الأخرى المصانة دوليا ومن أهمها ممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير والحق في تكوين الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات المستقلة والانضمام إليها والحق في التجمع السلمي وفي عدم التعرض للتخويف والتهديد والحق في المحاكمة العادلة . ولابد أن تكون إمكانية التمتع بكل هذه الحقوق متاحة على قدم من المساواة دون أي تمييز من أي نوع كان مثل التمييز على أساس العرق أو الجنس أو المعتقد أو غيره من الآراء أو الأصل القبلي أو الجهوي أو الاجتماعي أو على أساس الثروة أو النسب أو لأي سبب آخر أن أي مساس بهذا الإطار وأي محاولة ، مهما كانت هامشية ، لإعاقة الناس من التمتع بهذه الحقوق المصانة سوف ينجر عنه تلقائيا إزالة طابع النزاهة والحرية عن العملية الانتخابية برمتها وتعتبر الانتخابات الدورية الحرة والنزيهة عنصرا ضروريا لا غنى عنه في الجهود المتواصلة المبذولة لحماية حقوق ومصالح الناس وأن التجربة العملية تثبت أن حق كل فرد في الإشراك في حكم بلده عامل حاسم في تمتع الجميع فعليا بمجموعة واسعة التنوع من حقوق الإنسان والحريات الأساسية الأخرى والتي تشمل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
إن حق كل شخص في المشاركة في إدارة شؤون بلده هو حق محمى لا يجوز التصرف فيه دون انتهاك منظومة حقوق الإنسان الدولية باعتبار الانتخاب حق من حقوق الإنسان الأساسية فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في " الفقرة الأولى ، في مادته 21 10 ديسمبر 1948 ينص على أن لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون في حرية إرادة الشعب هي مناط سلطة " حيث تقول المادة 21 والجواب تعطيه لنا الفقرة الثالثة من نفس المادة ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام . (لماذا) الحكم (الكيفية) وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري وهذا يعني أن السلطة لكي لا تكون سلطة استبدادية وجائرة فهي ملزمة بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة دوريا أي كل أربعة أو خمس سنوات بالاقتراع العام والتصويت السري و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث يحذر في ديباجته بان كل الدول ملزمة باحترام هذه الحقوق إذا أريد للبشر ألا يضطروا آخر الأمر إلى اللجوء إلى التمرد على الطغيان والاضطهاد ، .
للحملة الانتخابية أصول وقواعد سياسية تحتم على الفاعلية السياسيين الالتزام بمقتضاتها فالتزام الحكومة بتطبيق القانون ونهج مبدأ المساواة مع كافة المترشحين ، أحزابا وأفراد ، وإقرار هؤلاء بضرورة وضع برامج واقعية ومحددة واحترام مقتضيات مدونة الانتخابات من قبل الناخب والمنتخب على حد سواء كلها عوامل أساسية من أجل إنجاح حملات انتخابية نزيهة وشفافة . والواقع أن الحملة الانتخابية تشكل مدرسة حقيقية لتعلم الديمقراطية ؛ إذ تمكن المناظرات الإعلامية خصوصا التلفزيونية من معرفة الرأي والرأي الأخرى مع احترام اختلاف وجهات النظر بين المترشحين على اعتبار أن الديمقراطية ليست فقط مجتمع الاختلاف بل ضمان الحق في هذا الاختلاف ؛ كما أن هذه المناظرات تمكن المواطن من الإحاطة بمختلف المشاكل السياسية المطروحة .
وتعتبر الدعاية الانتخابية من بين أهم مظاهر الممارسة الديمقراطية في العملية الانتخابية، حيث يلعب النشاط الدعائي للقوى والأحزاب السياسية دورا مهماً فيها من أجل التأثير في اتجاهات الرأي العام وخلق موقف محدد حول أي قضية من القضايا التي لها علاقة بالوضع العام وبالنظر لأهمية هذا الموضوع وتأثيره المباشر على سير العملية الانتخابية ، فإن القوانين والتشريعات في الكثير من دول العالم عملت على وضع وتشريع مجموعة من الضوابط من أجل تنظيم الدعاية الانتخابية بما لها من علاقة مباشرة بالرأي العام وتعبئة الناخبين . وفي مقدمة هذه الضوابط يأتي الالتزام بأحكام الدستور واحترام سيادة القانون واحترام حرية الرأي والتعبير . وتؤكد قوانين ومراسيم الدول الديمقراطية على أهمية ضمان حياد الدولة إزاء الحملات الانتخابية وقد حظرت الدول الديمقراطية على موظفيها والهيئات والمؤسسات العامة القيام بالدعاية الانتخابية لصالح أي حز أو مرشح في أماكن عملهم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر . وقد أوجبت تلك القوانين أيضا على كافة وسائل الإعلام العمومية المرئية والمسموعة والمقروءة وغيرها التعامل الإعلام على قدم المساواة بين الأحزاب وبين المرشحين لضمان حيادها وعدم انحيازها لأي منهم .
إن حملات الدعاية الانتخابية تحتاج إلى إمكانيات مالية كبيرة لغرض توفير وسائل الدعاية للأحزاب والمرشحين بدء من الصور والملصقات والكتيبات والمطبوعات وصولا إلى المهرجانات الخطابية واستخدام التقنيات الحديثة في مجال الإعلام والاتصالات مثل التلفزيون والانترنت وغيرها ، وكذلك الاستعانة بالخبراء والمتخصصين بحملات الدعاية الانتخابية ، وعلى هذا الأساسي فإنه بدون وجود ضمانة قانونية تحقق مبدأ المساواة بين جميع الأحزاب فإن النتائج سوف تكون غير مضمونة وذلك لأن الوسائل الإعلامية لها قوة تأثير كبيرة وتلعب دورا مهما في تغيير اتجاهات الناخبين نحو المرشحين حيث تستغل القوى السياسية المتمثلة في الأحزاب فترة الدعاية الانتخابية لإظهار كل ما هو حسن وجيد من مزايا وصفات في برامج تلك الأحزاب المتنافسة .
وكثيرا ما تجنح الدول الديمقراطية إلى تقديم المساعدات المالية للأحزاب بغية إنجاز حملاتها الانتخابية ؛ بيد أن الإشكالية التي أمست تبرز في المشهد الانتخابي هو ظهور تباين ملحوظ في عملية التغطية المالية لهذه الحملات ، فالدولة تقدم إعانات مالية تبعا لمستوى تمثيلية الحزب داخل البرلمان مما يطرح إشكالية المساواة بين الأحزاب الكبيرة والأحزاب الصغيرة ؛ فهذه الأخيرة يصعب عليها مسايرة إيقاع التكاليف المالية الضخمة التي تصرفها الأحزاب الكبرى في حملاتها الانتخابية مما اضطر الكثيرين بالمطالبة بإعادة النظر في مبدأ هذه المساعدة لجعلها أكثر تناغما مع مبدأ المساواة التي تعتبر من المبادئ الأساسية للديمقراطية.
المحامي علي ابوحبله