إن حنيننا إلى الماضي لأكبر دليل على عدم تمتعنا بالحاضر، وإن أسوأ أنواع الظلم هو الادعاء بأن هناك عدلاً، وأعظم خطأ أن ترى نفسك منزهاً عن الخطأ، فالفضيلة العليا هي فضيلة العدالة.
ويضرب الرئيس الأندونيسي "أحمد سوكارنو" المثل في قيادة ورئاسة الشعوب، بكل معنى الكلمة والدلالة عندما يقول: (إذا كنت قد نبذتُ كلّ أسباب الرفاهية، وإذا كنتُ قد أبعدتُ عني جميع أقاربي وأصدقائي، وإذا كنتُ أعيشُ عيشة الفاقة، فذاك لأنني أعتقد أن رئاسة الشعوب ليست تجارة ومنصباً، بل خدمة وتضحية)، إن مؤهلات الحاكم تتلخص في كلمة واحدة هي: (الأمانة)، وإذا ماتت الأمانة ماتت نهضة بلادنا، فما من شخص نال شرفاً على ما أخذ، فالشرف هو دائماً جائزة لمن يعطي، والجدير بالحكم هو مَن يحب الناس كما يحب نفسه.
ويبقى السؤال، الذي يخالج كل فلسطيني: إلى متى سيبقى العذاب متدفقا كالنهر؟ والحزن يغمرنا كالشلال؟ وحالنا على هذه الدرجة من السوء، لا يمكن التعبير عنها؟ أليس من حقنا أن نعيش كباقي الأحرار سعداء؟ وأن تكون فلسطين قبلتنا؟ وأن يتحلى كل واحد بروح المسؤولية الوطنية؟
ولعلَّ من الشواهد التي ساقها الأديب أحمد حسن الزيات في مجلته (الرسالة) يوم 6 يناير 1939 قوله للملك: (يا صاحب السعادة لِمَ تَرْضَى أن أكون صاحب الشقاء؟ وأنا وأنت نَبْتَتَان مِنْ أيكة آدم نَمَتا في ثرى النيل، ولكن مغرسك لحسن حظك كان أقرب إلى الماء، ومغرسي لسوء حظي كان أقرب إلى الصحراء، فشبعت أنت وارتويت، على قدر ما هزلت أنا وذويت).
وأضاف "الزيات": (هيهات أن يكون في الأرض إيمان ما دام في الأرض فقر).
كما نبه الزيات ولاة الأمر في ذلك العهد إلى خطورة المشكلة بالنسبة إلى النظام الاجتماعي كله قائلاً: (كل ثورة في تاريخ الأمم، وكل جريمة في حياة الأفراد إنما تَمُتُ، بسبب قريب أو بعيد إلى، الجوع).
وليكن هدفنا وطننا بأسره ولا شيء غير الوطن، ويبقى الأمل والخير في الغد.
بقلم/ نعمان فيصل