صناعة الديكتاتوووووور

بقلم: سليم شراب

الديكتاتور هو الذي يقرر ويأمر وينهى. وإلا فلم كان ديكتاتورا!
فهل يجوز لأحد أن يرى إلى جوار رأيه؟!
هل يسمح لأحد أن يرفع "الفيتو" ضد رأي هذا الديكتاتور؟!
إنه مبدأ الديكتاتورية والاستكبار والتسلط في فرض الرأي وإقناع الآخرين بأن الحق ما أراه.
ولا بد لهذا الديكتاتور من مؤيدين تسند رأيه وتصوبه؛ بل وتحرضه على مطاردة الاخيار من أبناء شعبه بحجة القضاء على محور الشر والفساد.
فالديكتاتور ومؤيديه دائماً في تآمر وتناجي بالأثم والتحريض ويهيجون الديكتاتور، ويخوفونه عاقبة التهاون، من ضياع الهيبة والمركز الذي وصل اليه بقوة السلاح وخداع العالم.. فيزينون له سوء عمله، فتراه هائجا مائجا، مستعز بقوته الغاشمة التي بين يديه، وبالدعم المالي المادي المسيس الذي يرتكن إليه، ولا يهتم الديكتاتور باحتجاجات الجماهير المناوئين لرأيه. فبعض الجماهير الفاسقة قد يستميلها الحق. إلا إن الديكتاتور يبذل كل ما في وسعه ليجذب هذه الجماهير إلى رأيه. فيستميلها بمنطق خلاب خادع، وإعلام يزيف الحقائق، يروج لرأي الديكتاتور المتسلط.
فالديكتاتور يحاول أن يتحكم في تفكيرهم، وينفث في روعهم أنه خير وأفضل. ويستخدم المؤثرات المصطنعة ويعيدها ويكررها حتى ينسيهم حقيقة الأمور، عندها ينقادون لأمره ويطيعونه، ويصوتون لرأيه.
وصنف علماء النفس شخصية الديكتاتور تحت بند" الشخصية البارا نوية .شخصية متعالية متغطرسة ترى في الجميع أعداءً لها، وتتوقع النوايا السيئة والأفعال السيئة من الناس، لذلك فهي تتسم بسوء الظن وتلجأ إلى العدوان الاستباقي أو الوقائي وتبرر هذا العدوان بأنه لحماية نفسها أو غيرها من الإرهاب أو الأذى المتوقع من الغير (الأشرار دائما في نظرها)، وهذه الشخصية تحتقر الآخر وتسحقه إذا استطاعت وبالتالي فلن ترعى له حرمة أو كرامة ولن تأخذها الرحمة أو الشفقة بها لأنها تعتبر الجميع شياطين أو أهل شر . يستحقون السحق والتعذيب والإذلال فى الزنازين المنفرده والسجون الغير انسانية .
وكذلك عاش في الغالب طفولة مضطربة تتسم بصعوبة إقامة علاقة ثقة دافئة مع أحد الأبوين ، وفي معظم الأحيان تتسم الأم بالسيطرة والقسوة والتلذذ بمعاناة الآخرين.
او كان يتعرض للاهانة و الضرب من اقرانه، وفي أحيان أخرى تكون الأم عنيفة ومسيطرة والوالد ضعيف ومستسلم وفي هذا الجو الأسرى المضطرب الخالي من الحب والثقة يتعلم الطفل أنه لا أمان ولا ثقة ولا حب، وأن العالم المحيط به يتسم بالعدوانية والقسوة ولا مكان فيه إلا للقوى المسيطر المستبد.
وهو يتعلم أن التعاون مع الآخرين غير مجد ولا يعطى ثقته لأحد ومن هنا تنشأ جذور استبداده برأيه واستخفافه بكل من عداه فهو وحده الذي يملك الحقيقة المطلقة. وهذا الشخص حين يكبر يكون بالغ الحساسية لأية كلمة أو إشارة تصدر من الآخرين(حتى ولو بدون قصد) ويعطيها تفسيرات كثيرة تدور كلها حول رغبة الآخرين في مضايقته وإيذائه والحط من شأنه، فهو لا يعرف النوايا الحسنة، بل إن كل شيء بالنسبة له يحمل نوايا عدوانية شريرة من الآخرين وهو يحتقر العواطف العليا(مثل الحب والتسامح والرحمة والتعاطف) ويعتبرها نوعاً من الضعف في الشخصية، وتصبح القيم السائدة عنده: القوة والتفوق والتملك والانفراد بكل شيء، ويصبح الصراع عنده بديلاً عن الحب في كل علاقاته بالآخرين حتى أقرب الناس إليه.
وبناءاً على هذه النظرة للعالم نجد أن الشخص يسخر كل إمكاناته ويستغل إمكانات من حوله في سبيل الوصول إلى مركز يمكنه من السيطرة والتحكم والانتقام والتشفي، فهو دائماً شديد الحسد، شديد الغيرة، لا يطيق أن ينافسه أو يطاوله أحد. وهو يبالغ كثيراً في تقدير ذاته وقدراته ولديه شعور بالعظمة والأهمية والتفرد، وفي المقابل يحط كثيراً من قيمة الآخرين ويسفههم ويميل إلى لومهم وإلصاق الدوافع الشريرة بهم.
وإذا اكتملت هذه التركيبة الشخصية للديكتاتور (الشخصية البارا نوية الملوثة بسمات سيكوباتية ونرجسية)، و استطاع أن يحتل موقعاً قيادياً غالباً ما يكون بالانقلاب وبالغدر والخديعة.. فعندئذ يندفع هو ومن وراءه نحو حلم القوة والسيطرة والتميز والعنصرية، ويستطيع الديكتاتور بما يملكه من قدرات وأحياناً كاريزما شخصية أن يقنع اتباعه الذين يحلمون بالبطل الأسطوري بأنه هو ذاك البطل الذي جاء ليقود العالم، وهكذا يبدؤون في تمجيده ويغالون في ذلك إلى حد تقديسه فيصنعون له التماثيل والصور.
وهو في سبيل استمراره في لعبته يمنى من حوله ويعدهم بالمستقبل الباهر والجنة على الأرض ويبالغ في تصوير قدراته وانتصاراته فتصدقه الجماهير ويعيشون جميعاً في سكرة الوهم حتى يفيقوا في لحظة ما لابد آتية على انهيار كل شيء، ولما كانت علامات الخطر والإنذار هذه واضحة في شخصية الديكتاتور، بل ويمكن التنبؤ بها في وقت مبكر.
وأقول واردد كما ردده الاخرين:
لا طاغية قوى، ولا ديكتاتور قاهر، ولا حاكم أعلى من محكومية.. وكما قال الشاعر الفلسطيني الشاب تميم البرغوثي فإنه «لا وجود للطاغية إلا في مخيلة مرؤوسيه».

واختم مقالي بهذه الآيات (وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) فيستدرج الله الطغاة ليزدادوا إثماً (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ، وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ).. فالله سبحانه وتعالى يمهل لهؤلاء الطغاة ويمدهم بأسباب القوة، والقدرة على الحرب كيداً ومكراً بهم لا حباً لهم ونصراً، ثم يأخذهم على حين غرة وثبت في الحديث: "إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ". إنها مسألة وقت " ولكنكم تستعجلون"

بقلم / سليم شراب