تناضل الشعوب من أجل حريتها على أرضها من أجل مشاركتها في إدارة شؤونها تكريسا لنهج تؤمن به وهو حكم الشعب لنفسه بنفسه، وذلك من خلال ممارسة الديمقراطية التي تعني الحرية في التعبير والاختيار، وقد وقعت شعوب افريقيا وآسيا وامريكا الجنوبية ضحية الديمقراطية التي سوقت لها على أنها نقلة نوعية من حياة الحاكم المطلق إلى حياة المؤسسات التي يتم اختيارها بنهج ديمقراطي يتغنى به الجميع، ورغم وجود المؤسسات الديمقراطية داخل الدول والأحزاب والنقابات والاتحادات والقوى الفاعلة، إلا أن هذه المؤسسات قد تم تفريغها من مضمونها الديمقراطي ليصبح أسلوبها استبدادي تسلطي يمارسه الحاكم سواء كان فردا أو حزبا، ولم تعد الديمقراطية اللصيقة بالدولة والحزب سوى سمة لا مضمون لها.
لكي نجسد الديمقراطية بشكلها الصحيح فنحن بحاجة إلى ثقافة ديمقراطية نمارسها في كل مفاصل حياتنا اليومية، فلا يمكن لأي إنسان أن يكون ديمقراطيا وفي داخله تكمن نزعة الاستبداد والتسلط والهيمنة، فالديمقراطية ايمان مطلق للديمقراطي بممارسة حرية الرأي والتعبير والاختيار، وهذا يتطلب الايمان المطلق بوجود الآخر، لأن الديمقراطية لا يمارسها فرد بذاته على ذاته، وإنما تمارس الديمقراطية من قبل كل الأفراد داخل الجماعة حتى يتجسد معنى الديمقراطية الحقيقية، فالديمقراطية لا تتحقق إلا في إطار الجماعة التي تحمل في داخلها ثقافة ديمقراطية.
وفي كثير من الدول نسمع للديمقراطية طنينا كطنين الساعة لا يتوقف ليل نهار، ولكن إذا ما بحثنا عن الديمقراطية في مجالات الحياة اليومية نجدها سجينة الاستبداد المطلق، وذلك لأننا عشقنا الديمقراطية اسما وتخلينا عنها مضمونا، والسبب الرئيس في ذلك نهج حياتنا اليومي الذي أساسه الأبوة المطلقة.
وعند اختيارنا النهج الديمقراطي نجد أنفسنا أمام خيارات غير ديمقراطية، وإن كنا نعيش عرسا ديمقراطيا، فهذا العرس الديمقراطي يفتقد لجينات الديمقراطية، لأن امكانية اختيار الإنسان المناسب للمكان المناسب امكانية مفقودة وذلك لعدم وجود الإنسان المناسب ليكون في المكان المناسب، حيث تتحول الديمقراطية هنا إلى تنازع المصالح الخاصة فيما بينها، حيث يؤدي تنازع المصالح الخاصة إلى وجود أهداف خاصة لا تمت بصلة إلى الصالح العام، مما يجعل الديمقراطية اسما دون مسمى.
وعندما حمل البعض السلاح دفاعا عن الديمقراطية، فإنما حمله لهذا السلاح هو انقلاب على الديمقراطية ذاتها، وعندما استخدم البعض سلاح المال في ممارسة الديمقراطية، فإنما باع الديمقراطية التي أرادها واجهة له بأبخس الأثمان، وعندما يجلس على الكرسي الذي أوصلته الديمقراطية إليه ينكر وجود الديمقراطية كلها.
فالديمقراطية لا تضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، وإنما تعزز مراكز النفوذ والقوى حيث يجب ألا تكون، فتنقلب الديمقراطية سيفا على رقاب معتنقيها ومن ينادي بها، فتزداد مراكز القوى والنفوذ هيمنة وسيطرة تعزيزا لسلطة الفرد التي تلغي روح العمل الجمعي فينهار الإطار الجامع ليصبح مجرد وعاء فارغ من مضمونه وشكله، فلا يظنن أحد أنه ضحية الديمقراطية بل هو ضحية الاستعباد والاستبداد.
فنهجنا التربوي الأسري كما المدرسي قائم على نزعة التسلط الأبوي واعتبار الفرد في العائلة مجرد من حقوقه المدنية في ظل صرامة الأهل التي اعتادت في تربية أفرادها العنف والزجر والتأنيب والترهيب، متجاهلين أسلوب المحبة والمودة والاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة الواحدة.
فالديمقراطية تحتاج أولا إلى زرع المحبة والمودة بين أفراد العائلة وداخل الصف المدرسي، واعتبار المواطن في وطنه، وإلى الاعتراف بوجود الإنسان كإنسان، والخروج من لعبة المصالح الخاصة، تعزيزا لوجود الآخر الذي يجعلنا نمارس الديمقراطية بالأسلوب الذي نحقق ذاتنا من خلاله.
بقلم: صلاح صبحية
في 2016/8/20. صلاح صبحية