تشويشات إسرائيل وإبداعات المالكي!

بقلم: زهير الشاعر

قبل عدة أيام خرج علينا وزير الخارجية الفلسطيني د. رياض المالكي بالحديث عبر وسائل الإعلام عن التجربة الماليزية الإبداعية وبأنه إتفق مع رئيس الوزراء الماليزي بأن تستضيف ماليزيا وفداً حكومياً فلسطينياً كبيراً للإطلاع على تجربة بلاده والإستفادة منها، علماً بأن حضوره المؤتمر كان هامشياً ليس إلا!.

لكن يبدو أن فرحة المالكي الإبداعية لم تكتمل مع كثرة الأحداث، حيث إتهم إسرائيل المشاكسة بأنها تمارس التشويش على المبادرة الفرنسية عبر الإعلان عن وجود مبادرة مصرية ، كونه يأمل بأن يأخذ في تلك المبادرة دوراً مهماً تعطيه زخماً إعلامياً لتؤكد بأنه الوزير الفلسطيني الأكثر نشاطاً وحركةً بعيداً عن واقعية هذه المبادرة وعما ستحققه للشعب الفلسطيني وتطلعاته وعن حيثيات وأهداف نشاطه وحركته الدائمة! ، مؤكداً أن ما تتناوله وسائل إعلام إسرائيلية بشأن مبادرة مصرية للسلام ومبادرة سيطرحها الرئيس الأمريكي باراك أوباما عقب إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، وأخرى أيضا أمريكية سيتم الإعلان عنها بعد الإنتخابات الأمريكية هي مجرد "إشاعات" تطلقها إسرائيل للتشويش على المبادرة الفرنسية للسلام".

وقد كنا قد تطرقنا في مقالين سابقين ضمن حلقات بأرقام متسلسة تحمل نفس العنوان بإسم " فلتان السلك الدبلوماسي الفلسطيني وجهة نظر مهنية أم خيانة وطنية؟!" ، وذلك إلى المبادرة الفرنسية وإمكانية نجاحها في أحد تلك المقالات، وإلى الحالة الإبداعية المنشودة التي تحدث عنها رياض المالكي في حلقة أخرى منها، بطريقة منطقية ومحاججة سلسة ، حيث توصلنا لنتيجة واحدة هي بأن هناك فرق كبير بالتأكيد بين الثرى والثريا ، بمعنى أن هناك فرق شاسع بين الحقيقة والواقع وبين الإستمرار في بيع الوهم بصياغات مختلفة كهدف ولكن بدون ملل !.

من هنا لابد من توضيح عدة نقاط حول هذا الموضوع ، وبغض النظر عن مدى دقة ما يتحدث به وزير الخارجية الفلسطينية حول التشكيك بتلك المعلومات الإعلامية التي تحدثت عن وجود مبادرات مصرية وامريكية وذلك بعد مرور عدة أيام على تداولها ومن ثم نفيها من أصحاب العلاقة أنفسهم وخاصة من قبل الخارجية الأمريكية قبل أن ينفيها الجانب الفلسطيني على لسان وزير الخارجية نفسه ، بالرغم من أن هناك أنباء تحدثت عن أن الجانب الفلسطيني هو من تطرق إلى الحديث عن هذه المبادرات كبالونات إختبار، وهي :

أولاً ما الذي يريده الجانب الفلسطيني بالضبط وهو يواجه تحديات داخلية هائلة أدت إلى حالة من الغليان والتخبط الغير محتمل في التعاطي معها؟!.

ثانياً بعد الإشارات التي تحدثت عن أنه لا يوجد هناك فرصة لطرح المبادرة الفرنسية على مجلس الأمن في الجلسة التي ستعقد في سبتمبر القادم أو على الجمعية العمومية للأمم المتحدة ، وإصرار الجانب الفلسطيني التلاعب بالألفاظ حولها بالرغم من إدراكه بأنه بدون الموافقة الأمريكية لا يمكن أن يتم أي تقدم في هذا الأمر، مما يعني أن المالكي بات يمثل منظومة تعيش حالة من الإفلاس السياسي وتسير في مسار التخبط بهدف الإستهلاك المحلي ومضيعة الوقت فقط لا غير، حيث أنها لا تملك خطة دبلوماسية واضحة بمهنيتها وأسسها العملية ، وبالتالي تقفز من ملف إلى ملف أخر بدون تحقيق أي نتائج تذكر ، جمعيها غير واقعية وغير ممكنة، وتسير فقط في فلك الأوهام والأمنيات والأحلام على أحسن تقدير، إن لم تكن مبرمجة وهادفة لأهداف خبيثة وغير وطنية ولا تخدم الصالح العام، وذلك بعناية فائقة وينطبق عليها المثل القائل "عنزة ولو طارت" حيث أن هذا المثل ينطبق على المكابر الذي يصر على رأيه حتى وإن تبيّن له خطئه، إلا أنه يصر على المضي قدماً في نفس الطريق!.

ثالثاً لماذا لا يريد الوزير المالكي أن يدرك بأن غالبية المراقبين والمطلعين والمهتمين أصبحوا يدركون تماماً بأن فكرة المبادرة الفرنسية خلقت ميتة بالفعل!، وهذا ما تؤكده المعلومات سواء من القادة والمسؤولين الفلسطينين أو الفرنسيين التي تشير إلى أن الجانب الفلسطيني لا يملك أي مقومات لنجاحها أو الحصول منها على أي مكتسبات سياسية إن نجحت في عقد مؤتمر دولي كما هو الهدف منها، وفقط ستحافظ على إستمرارية المنظومة الحاكمة المتشبثة في مواقعها بالرغم من أنها باتت مهزوزة ، وذلك من خلال إختلاق هذه الأوهام بين الحين والأخر وبيعها لشارع متعطش لأي إنفراجة مع إدراكها بأنها لا تملك الإمكانيات ولا الثقة ولا الظروف الإقليمية والدولية التي من الممكن أن تخدم تطلعاتها هذه؟!.

ثالثاً لو تأملنا الموقف المصري الذي جاء على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي عبر عنه بوضوح وبدون لبس في الفهم ، وهو ضرورة إنهاء الخلاف الفلسطيني الفلسطيني داخل حركة فتح، وتحقيق المصالحة الوطنية بشكل فعلي أولاً، حتى تتهيئ الأجواء لنجاح أي مبادرات تخدم هدف إقامة الدولة الفلسطينية من خلال عملية سلام جامعة وشاملة، وبالتالي هذه هي الرؤية الحقيقية للشقيقة الكبرى جمهورية مصر العربية، والجميع ينتظر أفعال من القيادة الفلسطينية تتناسب مع هذا المنطق ، لا أقوال فقط وتسويف ومماطلات إن كان ما قاله الوزير المالكي صادق بالفعل، بأن الجانب الفلسطيني مستعد للتعاطي بإيجابية مع أي رؤية أو مبادرة من أي دولة كانت!، بالرغم من وضعه شرط أساسي بضرورة أن تكون متفقة مع المبادرة الفرنسية ؟!، علماً بأن هناك خشية من وضع مثل هذا الشرط الذي لربما يكون شماعة للتهرب من أي إلتزام إتجاه أي مبادرة عملية تهدف لإستئناف عملية السلام وإستحقاقاتها الداخلية قبل كل شئ!.

مما سبق وبإختصار شديد هو تعبير صارخ عن حالة القلق التي تعيشها القيادة الفلسطينية من أي إستحقاقات ستترتب على أي رؤية عربية واقعية، وبالتالي يبدو بأنها لا زالت تصر على أن تسبح في السراب لتبيع مزيداً من الوهم لضمان الحفاظ على بقائها أطول وقت ممكن!، وبالتالي القضية لا تتعلق لا بتشويش إسرائيل لأنه ليس بجديد ولا بحالة الإبداع المأمولة من التجربة الماليزية التي أعجبت رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطيني لأن فاقد الشئ لا يعطيه!، بل لربما أنها تتعلق بضرورة التقيد بإلتزامات سيناريو يتم فيه تبادل الأدوار لإستهلاك المزيد من الوقت قدر الإمكان لخدمة مشروع توافقي يحتاج لنفس الأدوات لم يتم الإنتهاء منه بعد !.

بقلم/ م.زهير الشاعر