أوقعت أضراراً ماديّة وجرحى، في حين أُطلق صاروخ فلسطيني على مستوطنة إسديروت التي تبعد حوالى 4 كم عن القِطاع. ورداً على مُعاناة الأسرى الفلسطينيين تحدّث الناطق باسم كتائب القسّام أبو عُبيدة مُحذّراً الصهاينة بأن أسراهم لدى حماس سيلقون ذات المُعاملة التي يلقاها الأسرى الفلسطينيون في السجون الصهيونية. تواجه غزّة الكيان الصهيوني وحدها على مدى سنوات، وهي لا تلقى دعماً أو مُساندة من أحد إلا من إيران وحزب الله. أما الأنظمة العربية وسلطة رام الله الفلسطينية فيتمنّون التخلّص من المقاومة عسى في ذلك ما يقنع الصهاينة بالسير بجديّة نحو تسوية القضية الفلسطينية وإغلاق ملفّها إلى الأبد. حتى لو اشتدّت الأوضاع وقرّر الصهاينة الهجوم على غزّة، فإن غزّة ستبقى وحيدة يتيمة بين العرب وليس من المتوقّع أن يهبّ أحد لنجدتها أو مساعدتها بما في ذلك الضفّة الغربية. حتى المُساعدات الإيرانية واللبنانية تقلصت مع الزمن بسبب الحصار العربي المُشدّد بخاصة من جهة مصر على غزّة.
خرجت غزّة عن السرب تماماً عام 2007 عندما سيطرت حماس على القِطاع وكان عليها بعدئذ أن تصطدم بالعراقيل والإنعطافات والعقوبات والحروب كي تعود خاضعة ومتمشيّة مع رَكب أهل أوسلو وداعميهم. كانت حماس جادّة في مُراكمة القوّة قبل سيطرتها، لكنها أخذت تُسارع الخُطى نحو اكتساب القوّة قناعة منها أن الأطراف المعنيّة باتّفاق أوسلو وتبعاته لن يتركوها وشأنها. كان هذا تفكيراً سياسياً وعسكرياً سليماً، ومن أراد أن يشذّ عن القاعدة عليه أن يستعدّ ليوم اللقاء. لم تصبر دول الأرض طويلاً على القِطاع، وعلى الفور بدأت الإجراءات ضدّ حماس لتشمل كل القِطاع بكل سكانّه وكل فصائله وتنظيماته. ولم يكن السبب خفياً إذ أن خروج القِطاع من تحت مظلّة أوسلو يعني تخريب مسيرة التسوية التي بدأت عام 1988 بقرارات المجلس الوطني الفلسطيني الذي عُقد في الجزائر. لا يمكن للكيان الصهيوني والولايات المتحدة أن يستمرا في البحث جدّياً عن تسوية شاملة للصِراع من دون أن يكون قِطاع غزّة مشمولاً. لقد أفسدت حماس على المُتحادثين مُحادثاتهم، ووضعت المُتحادثين أمام مشكلة يصعب تجاوزها. الصهاينة لا يقبلون حلاً يشمل الضفّة الغربية فقط لأن في ذلك عدم إنهاء للصراع، وكان على الجميع البحث عن حل.
ابتدأ الحلّ بالتضييق المالي على غزّة واتّخاذ إجراءات عِقابية ضدّ القِطاع على أمل أن يشعر الناس بالضيق الشديد فيثورون على حماس وينهون حكمها للقِطاع ويعود الغزّيون برقاب مُنحنية إلى رام الله. اشتدّ الحصار على غزّة من قِبَل الصهاينة وعدد من الأنظمة العربية وبمشاركة فلسطينية. وقد عمل رئيس مصر السابق حسني مبارك على خنق غزّة، لكن ردّ فعلها كان عنيفاً فاجتاح الناس الحدود الإستعمارية بين فلسطين ومصر وفتحوا طريقهم نحو شراء إحتياجاتهم بالقوّة. وقف مبارك مذهولاً وكذلك بقيّة العالم، ولم يمتلك أحد أيّ ردّ سوى ترك أهل غزّة يذهبون ويجيئون حتى تمتلئ مخازنهم بالبضائع والإحتياجات اليومية.
ذهب الصهاينة والعرب بعد ذلك إلى الخيار الآخر وهو خيار الحرب. قرّر الكيان الصهيوني إسقاط حكم حماس بالقوّة بالنيابة عن العرب وبالأصالة عن أنفسهم، وشنّ الحرب أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009. صرّح قادة صهاينة أن الحرب تهدف إلى إنهاء حكم حماس في غزّة، وتفاءل فلسطينيون من أهل أوسلو بالحملة الصهيونية على القِطاع على أمل أن ينتصر الكيان وتعود سلطة رام الله إلى القِطاع. وقد تبيّن خلال الحرب وِفقاً للتصريحات الصهيونية أن دولاً عربية قدّمت مساعدات أمنية للكيان، ورجّح فلسطينيون أن هذه الدول هي مصر والأردن والإمارات والسعودية. قال الصهاينة إن دولاً عربية شجّعت الكيان على الاستمرار في الحرب حتى اقتلاع حماس، لكن المقاومة الفلسطينية التي شكّلتها عدّة فصائل على رأسها حماس والجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية صمدت وقاتلت ببسالة وإقدام ومنعت الصهاينة من تحقيق أهدافهم. فشل الصهاينة في القضاء على المقاومة، وفشلوا في منع إطلاق الصواريخ من القِطاع، وباء تفاؤل العرب بخيبة كبيرة إلى درجة أن أحد القادة الفلسطينيين شتم الذّات الإلهية غضباً عندما سمع في الأخبار أن الكيان قرّر وقف إطلاق النار. وأذكر هنا أن أهل أوسلو وزّعوا الحلوى على الناس وفي السجون الصهيونية عندما علموا أن الصهاينة قتلوا الشيخ سعيد صيام الذي كان يعمل وزير داخلية حماس بضربة جويّة.
شنّ الصهاينة حرباً جديدة على غزّة عام 2012 وبسقف طموحات أقل من سقف عام 2008. ظنّ الصهاينة أن المقاومة الفلسطينية قد أُنهكت وغير قادرة على الحرب، لكنّهم تفاجأوا بأن المقاومة باتت أكثر قوّة وصلابة وأفضل تدريباً. لقد عملت المقاومة ليل نهار من أجل تطوير قدراتها، وكان واضحاً أنها استفادت كثيراً من تجربة حزب الله في حرب تموز/2006. لم يستطع الصهاينة وقف صواريخ المقاومة، ولم يستطيعوا التقدّم داخل قِطاع غزّة مائة متر. لم يتعلّم الصهاينة الدرس فكرّروا الحرب عام 2014 والتي كانت هوجاء وبهدف التدمير والقتل. ركّز الصهاينة على تدمير البيوت وقتل الناس المدنيين وفشلوا في دخول أراضي القِطاع، وقد تفوّق الفلسطينيون بقتال الأنفاق وأحالوا الحرب إلى كابوس على رؤوس الجنود الصهاينة. لقد صمدت غزّة على الرغم من التآمر العربي مُتعدّد الجوانب عليها.
ولهذا ستبقى غزّة تحت الحِصار. العرب والصهاينة وأهل الغرب والشرق سيستمرون في حِصار غزّة ما دام هناك مقاومة. لقد فشل الصهاينة في حروبهم، وفشل العرب في ضغوطهم، وخيّب أهل غزّة آمال العرب وغيرهم في إمكانية ثورة الناس على المقاومة. لقد أثبت أهل غزّة جَلَداً مُنقطع النظير وتحمّلوا المشاقّ والصِعاب، وما زالت لديهم المقدرة على ردّ الصاع صاعين. إنهم مستعدّون للقتال وهم يدركون أن قدراتهم العسكرية قد تطوّرت نوعياً منذ عام 2014. مُعاناة أهل غزّة شديدة، والحياة ضيّقة من كل جوانبها، لكن إرادتهم أصلب من الحديد، وكرامتهم أغلى ما يملكون.
د. عبد الستار قاسم، أكاديمي ومفكر فلسطيني