بين ماضي البلديات الفلسطينية ومستقبلها الرمادي (يافا نموذجا)قراءة تاريخية

بقلم: ناصر إسماعيل اليافاوي

توطئة :
ذهلت حينما كنت اقرأ في تاريخ الحضارة الفلسطينية ، و شد انتباهي ونحن على اعتاب التنافس الانتخابي المتسارع لانتخابات البلدية المزمع عقدها في اكتوبر من العام 2016م طبيعة وواقع البلديات ومدى خدماتها في فلسطين قبيل النكبة ، ووقفت بعد اكثر من سبعين عاما على واقع البلديات والشخصيات في غزة ، وتمنيت ان لو عشنا في تلك الردحة من الماضي ، ماضي كان يفتقر للعديد من مقومات الحياة الا الوازع الداخلي الوطني ، والرغبة في العمل وخدمة الوطن البعيدة عن الفصائلية والحزبية الضيقة هو المهيمن على عقول وقلوب الناس والشخصيات الرائدة ..
ماضي عريق وانجاز فلسطيني اعرق تم تحقيقه في بلديات فلسطين الام ، ولولا حجم المخاطر والمؤامرات الخارجية والتقاعس الاقليمي بحكم مخرجات موضوعية ودوافع ذاتية ، لأصبحت بلديات فلسطين الاولى عالميا ، وانعكس ذلك على اقتصادها السياحي ..
واليوم ورغم كافة الامكانيات والمساعدات والدعم اللوجستي ، والثورة في اقتصاد المعرفة والاتصال والتواصل العالمي ، الا ان المواطن لايزال يرزح تحت أعباء الفقر والحاجة الماسة لمقومات ومتطلبات الحياة اليومية ، من مأكل ومشرب ومسكن ، وتعبيد شوارع وتوفير مياه صالحة للشرب ، وانارة للطرقات والبيوت ..
قضايا حياتية يومية يحتاج المواطن لملامستها، ولكنها مسلوبة منه ليرتفع شعار يحيا الحزب ويموت الشعب ، وها هو المواطن يتنظر عسي ان تغير الانتخابات هذا الواقع الاسود المفروض عليه ، ورغم الوعودات والتعهدات الموسمية الا ان العقل الجمعي للمواطن يخشى من المستقبل الرمادي ، طالما ان الشعار هو الشعار والكذب سيد الموقف والدعايات القذرة لاتزال يانعه ، واستغلال المواطن المحتاج ورشوته بشعارات وكابونات مؤقته لشراء ذمته ، ليحيا المشروع الحزبي من جديد ، ولازال اللون الرمادي هو سيد الموقف ..
مخرجات بلديات فلسطين قبل الاحتلال ارقى من مخرجات الحاضر يافا نموذجا :
قراءة من الناحية التاريخية
قد تأسس أول مجلس بلدي بيافا سنة 1875م برئاسة عارف بيك السعيد. و كان مقره في البلدة القديمة و حدثت اول انتخابات في عام 1927م و فاز فيها عاصم السعيد الذي اقام مبنى جديد للبلدية في شارع جمال باشا في عام 1932 و بقي المبنى مقرا للبلدية حتى عام 1948م .
في عام 1936م، أصبحت أنشطة البلدية غير مواكبة للتوسع العمراني الكبير، وفي الأربعينات اتصلت سلطات الاحتلال البريطاني بالدكتور "يوسف هيكل"، وطلبت منه أن يتولى رئاسة المجلس البلدي في يافا، لأنهُ عُرف بالكفاءة. فطلب الدكتور أن يتولى الرئاسة بواسطة الانتخابات، فتعيّن د. يوسف هيكل لمُدة مؤقتة جرت بعدها انتخابات، خلالها قُسِّمت مدينة يافا إلى ثلاث دوائر، كل دائرة تشمل أحياء، مُقسمة حسب المنطقة.
وقد فازت في هذه الانتخابات "قائمة الدكتور يوسف هيكل"، بـِ: 92% من الأصوات. وصدر قرار تعيين الدكتور يوسف هيكل، رئيسا لمجلس بلدية يافا. وظلَّ رئيسا لها حتى عام 1948م .
خلال هذه الفترة قَدَّم لمدينة يافا الكثير من الأعمال ، وطلب من الحكومة المصريّة ،أنْ توفر له مهندسين ليقوموا بتنظيم المدينة، فكان المهندس :"عثمان رفقي رُستم"، والمهندس: "علي المليجي مسعود".
أمّا المُوظفين في البلدية هم كثر منهم:
خليل حجار، سعد الدين الدباغ ، حربي الايوب ، اسحاق خورشيد، درويش أبو العافية، عبد الحميد ياسين، عارف جبر ،محمد نسيبة. وغيرهم .
الأعمال التي واجهتها البلدية :
1- مد المجاري الصحية لإحياء لم يكن فيها مجار للصرف الصحي.
2- رصف العديد من الشوارع بالإسفلت .
3- توسيع بعض الطرق الرئيسية.
4- رش المبيدات الحشرية في المدينة.
5- ردم الحفر التي تبرِّك في فصل الشتاء ،منها حي البصّة.
6- رش الشوارع بالمياه، في فصل الصيف وذلك لتلطيف الجو ومنع الغُبار.
دوائر تابعة لبلدية يافا:
إدارة المطافئ : رأس هذه الإدارة موظف إنجليزي يدعى (mr.dent) ، تقع هذه الدائرة في "البصة" شرق مدينة يافا، بجوار خزان الماء، وذلك لتسهيل الحصول على الماء من الخزان واستعمالها في إطفاء الحرائق.
كان المسئول عن الموظفين العرب هو السيد" خليل مصطفى الهباب". وقد تأسست هذه الدائرة قبل عام 1936م، وذلك بناءا على طلب الأهالي ،خاصة بعد نشوب حريق في عمارة الشعراوي، الواقعة في شارع أرشيد، ولم تكن دائرة مطافي في يافا وقد عجزت مطافي تل أبيب من الوصول مبكرا لموقع الحريق لإخمادها، وقتها سعى أهل "يافا" بالمطالبة بإنشائها.
فأنشأت هذه الدائرة وكان لها فرعاً آخر، يقع داخل الميناء تحت مكتب مدير الميناء.
خزانات المياه:
خزان البصة: وهو الحاووز.
خزان العجمي : وهو للشرب، يروي سُكان حي العجمي والأحياء المجاورة.
وكانت البلدية تلجا إلى الخزانات عصر كل يوم لتملئ منها ،وتوزع الماء على الأماكن في البلد حسب الحاجة ،وترش الشوارع بالماء في وقت الحر الشديد .
وكان في يافا خزانان آخران :- * خزان الجبلية : بناه احمد أبو سيف ليستخدمه في سقي بيارته ،ويبيع الماء للسكان المجاورين ،وكان فيه سبيل ماء للناس المارة.
* خزان أبو طه: أيضا كان يستخدمه لشقي بيارته ،ويبيع الماء للمجاورين وفيه سبيل للعامة كذلك.
المسلخ:
بني المسلخ عام 1923م، في محلة البصة .وعين عليه أطباء بيطريين .وكان مدير المسلخ دكتور يوناني يُدعى: "مخالاتي " . وكان مفتش الصحة رجل من آل الشامي. بذلك أصبح الذبح مراقبا وصحيا .
وقد عينت البلدية عُمّال للمسلخ، للذبح والسلخ ولوازمه. كان منهم : مصطفى الحج هاشم، محمود الشوا، كامل الكلخ، ومصطفى العش، وكامل البنا ،وحمد كلش، وغيرهم.
أمّا سبب إنشاء المسلخ هو عدم وجود مكان للذبح ،فقد كان الناس سابقا يذبحون على شاطئ البحر ،مقابل القشلة، فبادرة البلدية بإنشاء المسلخ .
كثير من الخدمات قدمت قبل اكثر من سعين عاما لا زلنا نحتاج الى تحقيق خمسها اليوم في زمن تتزاحم فيها الشعارات والأقوال وتغيب الافعال ، بل يغيب المواطن ويعيش في غربة ذاتية واجتماعية خطيرة ، فلننفض غبار الذل والتبعية والطاعة العمياء ولتحرر نفوسنا وعقولنا من سطوة الخراصين الكذابين للنهض من جديد ..


بقلم د ناصر اسماعيل اليافاوي