مجدداً، حرصت جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية على دعوة الفلسطينيين إلى الوحدة الوطنية التي تبدأ بحركة فتح وتنتهي بمصالحة شاملة، خلال مباحثات جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني في القاهرة 24 أغسطس الجاري، أثيرت فيها العديد من الملفات العربية، كان أبرزها الملف الفلسطيني.
استبشرت قطاعات واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني خيراً بهذه الدعوة التي لم تكن الأولى من نوعها، ولكنها الأبرز والأهم في وقت يستعد فيه الفلسطينيين لخوض الإنتخابات البلدية دون سابق تحضير، وفي ظل ظروف ملتبسة أثارت تساؤلات كثيرة حول الحاجة والتوقيت والمآلات.
وكانت عدة مبادرات تصالحية أطلقها النائب والقيادي الفلسطيني محمد دحلان، لاقت إستحسان كبير داخل حركة فتح وفي الشارع الفلسطيني الذي يتأثر بكل ما يجري داخل الحركة التي ما زالت تقود النظام السياسي الفلسطيني بكل ما يعتريه من هشاشة واخفاقات وأزمات استوجبت التحديث الديمقراطي الإنتخابي منذ زمن بعيد، تلتها مبادرة أخرى من قيادات فتحاوية وبيان جيد من اللجنة المركزية لحركة فتح، كان له وقع إيجابي داخل الأوساط الفتحاوية وحفّزهم للنهوض من كبوة استمرت قرابة عشر سنوات، بعد الإخفاق الكبير الذي منيت به الحركة في إنتخابات المجلس التشريعي والإخفاقات المتلاحقة في مؤسسات أكاديمية ونقابية.
دعوة الوحدة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني، فرصة مثالية لكل الحركة السياسية الفلسطينية تبدأ بفتح وحماس، وتنتهي بإغلاق حقبة سوداء شاذّة غيرت مسار التحرر الوطني الفلسطيني، دعوة تؤسس لمرحلة يشتاق لها غالبية أبناء الشعب الفلسطيني، ويطالب بها، لكنها ستصطدم ببعض المستفيدين من حالة التيه وغياب المؤسسة والنظام، جماعات المصالح داخل حركتي فتح وحماس، وشخصيات تمكنت من السلطة وعاثت فيها فساداً بعد أن غابت كل أشكال الرقابة والمحاسبة المفترضة في أيّ نظام سياسي يحترم نفسه وشعبه، ويطمح لأن يكون نموذج يشار له بالبنان.
جماعات المصالح في النظام السياسي الفلسطيني ليسوا كثر، لكن تأثيرهم كبير، وقد حولوا حياة الشعب الفلسطيني إلى جحيم، ساهموا في إحباط الناس وأغرقوهم في هموم يومية لا حصر لها، والأخطر من ذلك، حرفوا مسار المواجهة المطلوبة مع الإحتلال الإسرائيلي وإلى مواجهة داخلية وسجال إعلامي أساء لكل الفلسطينيين، وجعلوا من قضيتهم الوطنية المركزية، قضية بالكاد تذكر ضمن أجندات المجتمع الدولي، ومكّنوا بعض الدول الطفيلية مثل "إمارة قطر"من لعب دور تخريبي متساوق مع الإحتلال، تبتز الناس في قوت يومهم كما فعلت مع موظفي فرع السلطة في قطاع غزة.
المبادرة الأردنية المصرية ستكشف هؤلاء، وستفضح النوايا والمنتوى، ولكنها بكل تأكيد ستكون حافزاً كبيراً لكل الوطنيين المخلصين لاستكمال جهود المصالحة الحقيقية الشاملة، وفرضها على جميع أطراف الأزمة الفلسطينية، بما تحمله المصالحة من معانٍ سياسية، وانعكاسات على الأداء الداخلي الفلسطيني، وفي شكل علاقة السلطة مع الشعب، والأحزاب مع السلطة الحاكمة، وتفعيل إنجازات تحققت وجرى مصادرتها، كقضية الإنتخابات والحريات العامة والخاصة والمشاركة السياسية في رسم مستقبل الشعب الفلسطيني.
قيادة حركة فتح أمام فرصة تاريخية لن تتكرر إذا ما حصلت الإنتخابات البلدية وأغفلت استحقاق سابق على هذه الإنتخابات، والحركة السياسية جمعاء أمام تحدٍ حقيقي، لنفض غبار مرحلة، بل أوساخ مرحلة أساءت للجميع، للشهداء وعوائلهم، للمعتقلين والجرحى والشباب الذين يقارعون الإحتلال في مختلف مناطق الضفة القدس، وإلى قطاع غزة الذي تعرض وما زال لجرائم الإحتلال والإهمال معاً.
تحديات كبرى أمام الشعب الفلسطيني وأحزابه السياسية، والعرب يمدون لهم يد العون من جديد، سنداً قوياً في معركة طويلة مع إحتلال يقود حكومته غلاة اليمين المتطرف، ويستفيد من ضعف النظام السياسي الفلسطيني بأكبر قدر ممكن، بطشاً وقتلاً واستيطاناً، وفوق كل ذلك عنجهية محميّة أمريكياً جعلت من اسرائيل رئيساً للجنة القانونية في منظمة الأمم المتحدة!
لا خيار أمام الشعب الفلسطيني سوى الوحدة الوطنية الشاملة، كمقدمة للمواجهة والمفاوضات والبناء والتطوير والإعمار والتنمية، ولا فرصة أمام أحزاب تبطش بالشعب وتستمر بحكمه، فالمعادلة واضحة والتجارب كثيرة في العالم، هناك نهاية للرؤساء والأحزاب المستبدة، ويوجد نهاية لأحزاب حكمت وسقطت من وعي الشعب.
بقلم: محمد أبو مهادي