مع أن لي رأيا في الانتخابات وأخشى من تداعياتها السلبية بل وأتمنى حتى الآن أن يتم تأجيلها إلى حين أن تصبح جزءا من مصالحة شاملة ومن مسلسل انتخابي متكامل ، وبالرغم من أن الاحزاب حسمت أمرها وجهزت قوائمها الانتخابية – سبق السيف العذل - ، إلا أن ما كتبه الدكتور أحمد يوسف ، في تغريدة له على موقعه ، محذرا من تسابق الأحزاب الوطنية وحركة حماس على تقديم شخصيات من حملة الالقاب العلمية ليكونوا على رأس قوائمها في الانتخابات البلدية ، وما نسمعه ونراه من ترشيح لأشخاص من خارج المدرسة الوطنية وممن عاشوا وما زالوا يعتاشون من عذابات الناس يشكل ظاهرة خطيرة تدفعنا للتحذير مرة أخرى من المآل الذي تسير إليه الانتخابات المحلية .
لا ننكر وطنية ومصداقية كثير من شخصيات القطاع الخاص وحملة الالقاب الاكاديمية ممن ترد أسماءهم في القوائم الانتخابية ، كما نعترف بأن الوطنية ليست حكرا على المنتمين للأحزاب ، ونحن نعيش وضعا مأساويا تتحمل الأحزاب جزءا كبيرا من المسؤولية عنه . ولكن نخشى أن أصحاب التاريخ الوطني والمناضلين الحقيقيين باتوا منبوذين وهناك ، غير إسرائيل بطبيعة الحال ، من يسعى لإقصائهم عمدا بل ومعاقبتهم على انتمائهم وعطائهم الوطني ، من منطلق أن الزمن هو زامن السلطة والدولة و(البزنس الوطني) وهذه مرحلة تحتاج لرجال جُدد وفكر جديد ، وهو كلام قد يكون صحيحا لو انتهى الاحتلال بالفعل ووصلنا مرحلة بناء الدولة ، هذا التوجه بدأ مع فصائل منظمة التحرير عند قيام السلطة ثم انتقل لحركة حماس عندما اصبحت سلطة بدورها وخصوصا بعد توقيعها للهدنة مع إسرائيل وسعيها لترسيخ دولة غزة .
نتفهم خوف الأحزاب من تقديم أسماء حزبية فاقعة في انتمائها الحزبي يعود لأنها غير متأكدة من شعبيتها في المنطقة التي تحكمها ، وهو اعتراف منها بتراجع شعبيتها ، وندرك أن ليس كل مناضل يصلُح ليكون رئيس بلدية ، كما أن الوطنيين الصادقين والمخلصين من خارج الاحزاب أكثر عددا من الحزبيين من أصحاب انتماء الراتب والوظيفة وليس انتماء ممارسة نضالية .لكن لو تحلت القيادات السياسية للأحزاب ، صاحبة الحل والربط بموضوع الانتخابات ، بالموضوعية والنزاهة والإدراك السليم لخطورة هذه الانتخابات وأنها ليست مجرد انتخابات لمجالس خدماتية وليست مجرد منافسة سياسية لإثبات الوجود ومناكفة الطرف الآخر ، لو حدث ذلك لاستطاعت أن توائم وتوازن في الاختيار بحيث تختار من يجمع بين الوطنية المهنية ويكون مؤهلا وطنيا لتحديات ما بعد الانتخابات .
إن قلقنا مما يجري مرجعه أن كثيرا من الأحزاب تُعلي مصالحها الحزبية على المصلحة الوطنية ، وتقلل من خطورة الانتخابات في ظل الانقسام الجغرافي والسياسي والأيديولوجي ، أو تعرف خطورتها ولكنها مُكرَهَة على التجاوب معها نتيجة ضغوط خارجية ، أو لأنها تبطن غير ما تعلن وفي جعبتها مفاجآت ، وحتى تتجنب خسارة الانتخابات وهي خسارة ليس لإدارة بلديات بل خسارة سياسية من وجهة نظرها ، فهي لم تتورع عن ترشيح أشخاص من خارجها بغض النظر عن وطنيتهم بل ومهنيتهم ، حتى تزعم في حالة فوزهم أنهم يمثلونها والأصوات التي حصلوا عليها تمثلها ، وإن خسرت أية قائمة يكون من السهل التبرؤ منها والقول بأن اصحابها غير منتمين لها ! .
أن تتم إدارة البلديات من تجار وسماسرة ومقاولين وأغنياء الثورة والحصار و الانقسام و فساد السلطتين ، وأصحاب القاب حصلوا على شهاداتهم بينما كان المناضلون الحقيقيون يتعرضون للموت والمطاردة والاعتقال ، وممن ليس لهم تاريخ أو تجربة نضالية ، فهذه مصيبة ، لأن هؤلاء لن يكونوا مخلصين عندما يديروا البلديات وربما يديروا ما سيتبقى بيد الفلسطينيين من الاراضي المحتلة عام 1967 بعد حين ، إذا ما قررت إسرائيل والجهات المانحة إنهاء الدور الوظيفي السياسي لسلطتي الضفة وغزة وهو ما تخطط له إسرائيل ، مع الاحترام لأصحاب الألقاب والمهنيين والعاملين في القطاع الخاص المخلصين ممن ترشحوا للانتخابات . نرجو أن تعي الأحزاب خطورة ما هي مقدِمة عليه ، وأن يعي الشعب ذلك عندما يذهب / أو إذا ذهب لصناديق الانتخابات.
بقلم/ د. إبراهيم ابراش