العدالة هي الحقيقة المتحركة

بقلم: حنا عيسى

"ليس من العدل أن تطلب من الآخرين ما لست أنت مستعدا لفعله"

(إلينور روزفلت)

تعد العدالة واحدة من أكثر الموضوعات قدسية وشيوعاً في السلوك الاجتماعي. ويمكن أن تتخذ وجوهاً متضاربة جداً حتى ضمن المجتمع الواحد. فأينما كان هناك أناس يريدون شيئاً، ومتى ما كانت هناك موارد يراد توزيعها، فإن العامل الجوهري المحرك لعملية اتخاذ القرار سيكون أحد وجوه العدالة. وللعدالة سيادة على غيرها من المفاهيم المقاربة، كالحرية والمساواة، ذلك لأنها لا تقف عند حد معين.

العدالة: هي مفهوم عدم الانحياز في محاكمة أي إنسان لأي أمر، وهي رؤية إنسانیة للمحيط الذي يعيش فیه‌ کل فرد شرط أن ینظم هذه‌ الرؤیة قانون وضعي یشارك فی صياغتها الکل بعيداً عن التحکم. والعدالة عكس الظلم والجور والتطرف. وهي مفهوم أخلاقي يقوم على الحق والأخلاق، والعقلانية، والقانون، والقانون الطبيعي والإنصاف، هي القوانين الطبيعية التي وجدت مع وجود الكون. والقانون يختلف عن العدالة بأن العدالة هي القانون الإلهي أما القانون فهو من صنع البشر وقد ينسجم مع العدالة وقد لاينسجم معها.

والعدل موجود في جميع الديانات ومطلوب ومحبب في جميع المجالات في تربية الأبناء والإنفاق عليهم والتعامل معهم، وفرص العمل والحكم بين الناس والتعليم والحقوق جميعها، فبالعدل تتطور الأمم وكل شخص يأخذ حقّه ويشجعه ويعينه على المثابرة والطموح حيث أن إمكانياتك وعملك هي من يحدد قيمتك ومكانتك بين الناس في حال تحقّقت العدالة وفي النزاعات كل فهو يضبط المجتمع ولا يعتدي أحد على آخر وبين الدول لا ظلم ولا هضم للحقوق بميزان القوى وإنما من يحكم علاقاتهم هو أن كل طرف يأخذ حقّه.

تعتبر العدالة قاعدة إجتماعية أساسية لإستمرار حياة البشر مع بعضهم البعض، فالعدالة محور أساسي في الأخلاق وفي الحقوق وفي الفلسفة الاجتماعية وهي قاعدة تنطلق منها بحوث إيجاد المقاييس والمعايير الأخلاقية والقانونية.

والعدالة هي الجوهر الأساسي للفكر السياسي برمته، حسب رأي أرسطو، وهي الفضيلة التي تنطوي تحتها، وتترتب عليها، جميع الفضائل السياسية الأخري، بل إن قيمة العدل تبدو شرطا أساسيا لوجود «الدولة» بتنظيمها القانوني والاجتماعي والسياسي، فإذا وجد العدل في مجتمع بشري ما فإننا نكون أمام دولة، أما إذا غاب العدل فإننا نكون أمام أي شكل اجتماعي، لكنه ليس الدولة، ولذا يرى أفلاطون أنها السمة الأساسية للنظام السياسي الفاضل.

وتنقسم العدالة من الناحية النظرية إلي نوعين، الأول هو: العدالة التبادلية، التي تقوم علي المساواة المطلقة، بشكلها الرياضي البحت. والثاني هو: العدالة التوزيعية، التي تقوم على مبدأ الاستحقاق، أي أن يحصل كل فرد علي ما يستحقه وفق إمكاناته واستعداداته وظروفه.

تاريخ العدالة:

وجدت العدالة منذ أقدم العصور رموزاً لها في الأساطير والشعر والنحت والعمارة، بوصفها مطلباً جوهرياً يثير بشكل صارخ أو صامت أي إنسان على أساس قوة وجوده، ويعبّر في الوقت ذاته عن الشكل الذي يتحقق في إطاره ذلك الإنسان. فمن الناحية التاريخية، يعد إنسان وادي الرافدين أقدم مشرعي إحكام العدالة، إذ أن الشرائع العراقية القديمة تسبق أقدم ما هو معروف من شرائع وقوانين في سائر الحضارات الأخرى كالفرعونية والاغريقية والرومانية بعشرات القرون. فقد وضع الإنسان العراقي القديم تصوراته لموضوع العدالة والظلم في صميم نظرته للألهة والكون والإنسان. فارتبطت العدالة لديه بالنظام مثلما ارتبطت قيم الخير كلها به، وارتبط الظلم بالفوضى مثلما ارتبطت قيم الشر كلها به.

أهداف العدالة:

§       الانصاف والمساواة.

§       التوازن وعدم التعدي.

§       حماية المصالح الفردية والعامة.

 

أشكال العدالة:

·   العدالة المساواتية: تساوي البشر عن طريق التخلي عن التمييز بين المجموعات البشرية القائم على الجنس أو العرق أو العقيدة أو ما شابه و هنا يصح القول: "كل البشر تلد حرة ومتساوية في حقوقها الطبيعية".

·       العدالة السياسية: حق العمل السياسي الوطني والعالمي.

·   العدالة القضائية: وضع القوانين المتوازنة، وتناسب العقوبة مع الجريمة، والحق في المحاكمة العادلة والعلنية.

·   عدالة المبادلة: كتهذيب دفع تعويضات الأضرار وتسويتها عمليا، والإبتعاد عن العين بالعين والسن بالسن، ليتحول الضرر (حسب الإمكانية) إلى قيمة معقولة وممكنة.

·   العدالة الاجتماعية: التوزيع العادل للثروات وأماكن العمل وفرصه، وفرص سد الحاجات المعيشية والطبية والغذائية وما شابه.

·       عدالة الحماية الاجتماعية: كحماية المعاقين والأقليات وتحقيق القدرة على العيش والتعايش.

·   عدالة الأجيال: التناغم بين جيل اليوم وجيل المستقبل من خلال التوازن بين التعويض التقاعدي والـتأمين التقاعدي، ومن خلال التوازن البيئي والاستفادة من الثروات الباطنية دون النسيان أنها محدودة، ومحاولة اختراع وتحسين أدوات إنتاج الطاقة المتجددة ليتم توريث أرض تُمكن الجيل القادم من العيش عليها.

أنواع العدالة ومضامينها:

ü عدالة الحاجات (العدالة الماركسية): يتم بموجبها توزيع الموارد بين الأفراد على أساس تلبية أكثر حاجاتهم إلحاحاً، بصرف النظر عن مدخلاتهم أو أدائهم، ودون الأخذ بمبدأ التكافؤ.

ü عدالة التكافؤ: تظهر هذه العدالة لدى الأفراد المنتمين إلى جماعة معينة، ممن يدركون أنفسهم بوصفهم وحدة واحدة، إذ يشترك الجميع في تقاسم المخرجات بالتساوي:(الفرد من أجل الجماعة، والجماعة من أجل الفرد).

ü عدالة الإنصاف: تبرز في مواقف الاعتماد المتبادل، كما في السوق، حيث يعمل الفرد على تحقيق التكافؤ بين مخرجاته واستثماراته.

ü عدالة القانون: تعني أن العدالة ليست أكثر أو أقل مما يقرره ممثلو السلطة القانونية للمجتمع. ويمكن توظيف الأسس التي تقوم عليها أشكال العدالة الثلاثة السابقة، في تطوير القوانين وتقويمها وتعديلها. ولكن ما أن يُسن القانون، حتى يصبح المحدد الوحيد لاستحقاقات الفرد في موقف معين، بصرف النظر عن حاجاته واستثماراته ومدخلاته وآرائه.

" الظلم في أي مكان تهديد للعدل في كل مكان"

 ( مارتن لوثر كينغ الابن )

بقلم/ د. حنا عيسى