تضاعف الاهتمام العربي بترتيب البيت الفلسطيني، وفي هذا الاتجاه ظهرت مؤشرات قوية على هذا الاهتمام وبشكل خاص من قبل مصر والأردن، ومنطقيًا تُشاطر دول الخليج نظراءها في هذا الاهتمام، ولا بد أنها تنخرط في الجهود الرامية لذلك.
الدوافع مفهومة وقوية وملحة، فالشأن الفلسطيني لم يعد خاصًا بأهله، بل إنه تغلغل وتعمق في الواقع المحيط.
في مصر يعتبرون القضية الفلسطينية قضية أمن قومي على المستويين السياسي والاستراتيجي، وفي الأردن يعتبرونها إلى جانب السياسي والاستراتيجي قضية أمن اجتماعي بحكم الواقع الذي أسسه ونمّاه التداخل بين مكونات المجتمعين التوأمين على مدى عقود خلت وعقود سوف تأتي.
وكلما كانت تنشأ أزمة فلسطينية داخلية كان المصريون والأردنيون، يشعرون بصداها داخل بلدانهم ومجتمعاتهم، وهذا ما منح البلدين المهمين مزايا استثنائية للتدخل في الشأن الفلسطيني، كلٌ حسب طريقته وإمكاناته، وإذا كانت مصر قامت وعلى مدى السنوات العشر الماضية بجهد حثيث ومباشر لإنهاء الانقسام الفلسطيني وعنوانه الأبرز "فتح" و"حماس"، وكان الأردن داعمًا لهذا الجهد دون أن يتوغل فيه، إلا أن طغيان تأثير أجندات أخرى على الوضع الفلسطيني، أدى إلى إفشال المحاولات المصرية جميعًا، وفرضت الأجندات الأخرى تعميقًا للانقسام ووصول محاولات المصالحة إلى حد الاستحالة.
وفي هذا الوقت بالذات ظهرت الحاجة إلى بدايات جديدة لجهد يبذل من أجل ترتيب البيت الفلسطيني، يقوم على أساس إعادة ترتيب الأولويات، فلكي لا يكون جهد المصالحة بين "فتح" و"حماس" مجرد جهد ضائع بلا جدوى، بل ويحقق نتائج عكسية كما أثبتت التجربة فقد اتجه التفكير في البداية الجديدة إلى "فتح" أولاً، والعنوان المعتمد لهذه البداية الجديدة هو إنجاز مصالحات فتحاوية/ فتحاوية تقوي الحركة الكبرى وتؤهلها لمواجهة تحديات قادمة مثل خلافة الرئيس عباس وإنجاز المصالحة مع "حماس"، ذلك في الطريق إلى فتح الملف السياسي مع إسرائيل سواء عبر مفاوضات مباشرة أو صيغ إقليمية ودولية.
ويجري في هذه الأثناء تركيز واضح على مصالحة بين المفصولين والفاصلين، وتتناثر حول هذا الموضوع أخبار كثيرة يصعب التحقق من صدقيتها لأنها في معظم الحالات أخبار مسربة وخلاصات مستنتجة، غير أن مصالحات "فتح" مع "فتح" تبدو محفوفة بالمحاذير وضعف ضمانات النجاح، ذلك بفعل الواقع الراهن للحركة الكبرى، المكتظ بصراع مركب بين أجيال متعددة تتزاحم على المواقع والنفوذ.
وفي وضع فلسطيني مشرعة أبوابه على كل أنواع الرياح العاتية، يكون للمؤثر الخارجي إسهام وافر في إثارة المشكلات والتأثير على الحلول، ومن بين هذه الأبواب الكثيرة باب قوي الحضور والتأثير في مجريات الأمور هو الباب الإسرائيلي.
إن الحاجة العربية، وأخص بالتحديد هنا قوى ودول الاعتدال، تزداد إلحاحًا لبلوغ حالة من الاستقرار الداخلي ينفع في الترتيبات المحتملة لحل فلسطيني إسرائيلي وعربي إسرائيلي، وأمام ذلك لا مناص من الإقلاع عن التعامل مع أزمات "فتح" الداخلية بمنطق عشائري كان ينفع حين لم يكن لـ"فتح" أي منافس جدي في قيادة الفلسطينيين بأي اتجاه تريد، أما الآن وبعد أن توغلت "فتح" في مشروع سياسي غاية في التشعب والتعقيد، وبعد أن تعثر هذا المشروع على نحو كارثي وتدخل العالم كله في تشكيل السياسة الفلسطينية، ومن ينسى كيف ولدت حكومة محمود عباس في زمن عرفات، فالحالة الجديدة تستجوب معالجة أكثر نجاعة وضمانًا للنتائج، ومن وجهة نظري لا مناص من دعم وتطوير ورعاية صيغة المؤسسات بديلاً عن العشائرية، وأم هذه المؤسسات ومبتدأها وخبرها هو المؤتمر العام الذي يميز الحركة السياسية عن العشوائية العشائرية، وأن يشارك في هذا المؤتمر ممثلون حقيقيون عن كل الأطياف التي تعج بها الحركة الكبرى، وإذا كان لا بد من مصالحات تزيل الأحقاد والضغائن المتراكمة فينبغي أن تكون عاملاً تمهيديًا يسبق المؤتمر ويساعد على إنجاحه، ولا أخال أمرًا كهذا بغائب عن ذهن وحسابات كل المعنيين برؤية "فتح" قوية واحدة موحدة وحاضنة للحالة الفلسطينية المعقولة والمقبولة محليًا وإقليميًا ودوليًا، مقتدين بالقول الشائع والصادق: "إن صلح حال فتح صلحت الساحة الفلسطينية".
نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني