التجربة الديمقراطية الفلسطينية ... والانتخابات المحلية

بقلم: عباس الجمعة

تشكل الانتخابات المحلية في الضفة وقطاع غزة تحولا ديمقراطيا على المستوى الفلسطيني ، ونحن نتلطع ان تتميز هذه العملية الانتخابية بنزاهة وشفافية عالية ، لانها ستقرر على المستوى الشعبي مستقبل التحول الديمقراطي الفلسطيني ، وعلى الرغم مما مثلته تجربة الديمقراطية الفلسطينية كحالة استثنائية تستحق الاهتمام، نرى ان هذه العملية تجري في ظل إصطفافات الفصائل والقوى والاحزاب والفعاليات وتحديدا حركتي فتح وحماس مما يؤكد من وجود صعوبات وخاصة انها انتخابات بلدية ومحلية .

لذلك فاننا نتطلع نحن الى هذه الانتخابات بانها نقطة تحول ديمقراطي ، ونأمل ان لا تؤثر اي عوامل داخلية تؤثر على مجرى الانتخابات لانها تعتبر نقيضا للممارسة الديمقراطية، ناهيك عما تسبب به ذلك من تبعات بخلق حالة من الانقسام في النظام السياسي الفلسطيني، وتعطيل آليات عمل الديمقراطية وتطورها.

وفي ظل حالة الانقسام الفلسطيني الكارثي وفي ظل وجود نظامين سياسيين مختلفين، يجسدها وجود مؤسسات متوازية وكيانين منفصلين، واحد في قطاع غزة وآخر في الضفة الغربية، نخشى من تكبيل عملية التحول الديمقراطي الفلسطيني، ووضع القيود على واقع الديمقراطية الفلسطينية ومستقبلها عموما، مما يشكل انتكاسة امام التجربة الديمقراطية الفلسطينية، سواء كانت تلك العوامل إسرائيلية أو أمريكية غربية أو عربية، وخاصة ونحن نرى الضغوط الخارجية التي تمارس على الجميع ، ولكن نحن على ثقة بشعبنا الفلسطيني الذي يستعد للانتخابات المحلية باعتبار انتخابات البلدية والمحلية هي خدماتية ، ولكن بنفس الوقت هي انتخابات سياسيه بامتياز ، لا بد لها ان تكون خطوة اولية على طريق انهاء الانقسام الكارثي واستعادة الوحدة الوطنية التعددية ، ولا بد من اعتبارها خطوة أولى تمهد للانتخابات التشريعية والرئاسة ، والمجلس الوطني ، التي يتطلع اليها الشعب الفلسطيني بشوق كبير للخلاص من أوضاع وتراكمات القلق والاحباط واليأس بسبب انسداد الأفق السياسي بالنسبة لحل الدولتين وتراجع مفهوم المشروع الوطني الذي بات صراعاً على السلطة والمصالح على حساب القضية والدولة والاستقلال من ناحية ، وتفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبطالة والفقر وهجرة الشباب والجريمة من ناحية ثانية.

من هنا يجب ان تكون هذه الانتخابات من وجهة نظرنا بوابة لمناخ شعبي وسياسي في مواجهة سياسة التطبيع ، وخاصة في ظل مرحلة جديدة تسعى كل القوى الخارجية الدولية والاقليمية ان تفرض على الشعب الفلسطيني مزيداً من الضغوط ، وخاصة ان دولا عربية تهرول باتجاه التطبيع والاعتراف بدولة العدو الصهيوني ، لهذا على الجميع ان يسعى بكل الجهود من اجل انهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية وتطبيق اليات اتفاق المصالحة وحماية منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني والسعي بكل جهد من اجل تطوير وتفعيل مؤسسات المنظمة على ارضية شراكة وطنية حقيقة .

ان المشاركة في الانتخابات المحلية هي واجب على كل مواطن فلسطيني ، لانها تنطلق من تلك الرؤى الوطنية الفلسطينية ومن التجربة الديمقراطية ، لانها ستشكل القدرة على مجابهة التدخلات الخارجية من خلال وحدة الصف واختيار الناخب لأصحاب الخبرة والكفاءة والنزاهة ، باعتبار هذا الاختيار للمجالس البلدية والمحلية يعزز من عوامل الصمود ومواصلة النضال من اجل تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني .

امام كل ذلك نقول أن كافة التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني لن تدفعه الى اليأس او الاستسلام أو تثنيه لمطالبته بانهاء الانقسام الكارثي ، رغم ما يجري في المنطقة من هجمة امبريالية صهيونية رجعية هدفها استمرار الصراع الطائفي الدموي من خلال استخدام قوى ارهابية ، الا ان ارادة الشعوب وصمودها ومقاومتها المستمرة ستفشل المشروع الامبريالي ، ولهذا رغم ما يجري فان الشعب الفلسطيني يستعد بشوق كبير للمشاركة في الانتخابات البلدية والمحلية ، وهذا يستدعي من الجميع ان يسعوا الى انجاح العملية الانتخابية، كل حسب برنامجه في اطار من المنافسة والتعدد، ويجب ان تبقى بوصلة النضال مواجهة التحديات والضغوطات ، من اجل الوصول بهذه الانتخابات الى الطريق الذي يسعى اليها الشعب الفلسطيني طريق انهاء الانقسام وتعزيز الوحدة بهدف الوصول الى نظام سياسي وطني ديمقراطي فلسطيني تعددي في المرحلة الراهنة ويفتح بوابات الامل للشعب الفلسطيني وخاصة للشباب الذين يرسمون بدمائهم خارطة فلسطين من اجل تحرير الارض والانسان

ختاما : نقول للجميع ان هذه الانتخابات هي خدماتية وسياسية في آن معا وسيكون لها التأثير المباشر لانهاء الانقسام، وهي مقدمة لأجراء انتخابات تشريعيه ورئاسية ومجلس وطني، رغم ادراكنا لعمق الانقسام ، فلا يجوز الضغط على القوائم والفصائل والفعاليات من اجل تمرير قائمة هنا وهناك على حساب الشعب ، فمن يريده الشعب يجب ان يقبل به الجميع ، لأن الشعب الفلسطيني اليوم يتطلع ايضا لبرامج تتبنى مصالحه ، وأفكار عملية تستطيع تخليصه من مشاكله الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والفكرية، وتقدم له نخب و شخصيات يشرعون لمصلحة الشعب الذي هو مصدر السلطات ولا يشرعون لمصلحة هذا أو ذاك، الأمر ليس صعبا، فمن يفتش جيدا يمكن أن يجد من يمثله ويقدم له رؤية واقعية وتشخيصا حقيقيا لأزماته، ويضع برنامجه على طريق الديمقراطية الحقيقية، ديمقراطية يقتنع بها هو قبل غيره، فالمشكلة دوما أن هناك من يتحدث عن الديمقراطية والحقوق والمساواة والعدالة ثم ينسى كل ما كان يقوله عندما يجلس على الكرسي، وينسى ما قاله عن الديمقراطية والحقوق والمساواة والعدالة الاجتماعية.

بقلم / عباس الجمعة

كاتب سياسي