هل ما تزال فلسطين قضية مركزية في العالم العربي؟ سؤال طرح في مراحل مختلفة وبقي التناقض قائماً بين المعلن، وهو التزام النظام العربي مركزية القضية، وبين المسكوت عنه، وهو إدارة الظهر لمتطلبات الالتزام ومقوماته ، من الواضح تماما ان المواقف التي تؤكد على ترابط القضية الفلسطينية ما تزال تحظى بإجماع شعبي عربي غير محدود ، لأن ما يحدث في المنطقة مرتبط بمواقف الشعوب من فلسطين وقضيتها ، ومن المشروع الصهيوني الذي يقوم على أرضها . بل إن كل ما يجري في المنطقة العربية من أحداث وصراعات وأطماع استعمارية مرتبط أيضاً بما يجرى لفلسطين ، وما يحدث فيها ، ومن هنا نرى ان خطاب دولة الرئيس نبيه بري في الذكرى الثامنة والثلاثون لتغيب سماحة الامام موسى الصدر يشكل نقطة تحول مهمة على مستوى الوطني والقومي ، فكانت كلمة دولة رئيس بمثابة نقطة ارتكاز لكافة الدول والقوى بأن فلسطين هي البوصلة .
مركزية القضية الفلسطينية تعود للناصرية والأنظمة القومية والأحزاب القومية زالتقدمية واليسارية العربية التي ربطت معاركها ضد الاستعمار والامبريالية بالموقف الرافض لوجود كيان الاحتلال الاستعماري على ارض فلسطين ، حين ذاك جرى التعامل مع القضية الفلسطينية كقضية مركزية، لم تكن فلسطين خياراً تضامنياً وأخلاقياً حدث بفعل الروابط القومية فقط، بل جاء جراء اصطدام مهمة التحرر الوطني العربي بمواجهة العدو الصهيوني الاستعماري المعادي ، الا ان نكسة حزيران وهزيمة الأنظمة القومية وإقرارها بوجود إسرائيل ضمن حدود آمنة ومعترف بها وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 242، شكل هزيمة عسكرية فرضت تراجعا سياسيا ، حيث استعاضت عن تحرير الجيوش العربية لفلسطين بدعم الثورة والمقاومة الفلسطينية.
في ظل تردي الوضع العربي، وما يخيم على المنطقة من جهة، واستفحال الخلافات العربية من جهة أخرى، تتطلب من الجميع اعادة المشروع القومي من خلال بعده وأهميته بل وضرورته وتجعل منه الحل الذي لا حل غيره للخروج من الواقع المتردي، وبناء المستقبل العربي ، من خلال مواجهة كافة المخاطر التي تتعرض لها المنطقة من قوى الامبريالية والاستعمارية والصهيونية، ومطامعها في الوطن العربي، ومؤامراتها عليه، وتقسيمه لتسهيل سيطرتها عليه، ونهب ثرواته، واستنزاف طاقاته.
ان مسؤولية تعثر المشروع القومي وتراجعه، يشكل عجز لاستنهاض الشعوب العربية وقواها التقدمية والقومية ، عن حماية المشروع القومي وتحقيقه وتطويره ، وخاصة للاسف نرى التطبيع وخطاب التسوية والصلح مع كيان الاحتلال، فبات المشروع القومي وقضاياه شبه غائب عن اهتماماتهم وكتاباتهم، حيث مست مواقفها المصير القومي العربي ، وخاصة القضية الفلسطينية ، باعتبارها القضية التي حظيت ولا تزال بإجماع شعبي عربي غير محدود رغم ما يجري في المنطقة من أحداث وصراعات وأطماع استعمارية مرتبط أيضاً بما يجرى لفلسطين ، وما يحدث فيها ، لهذا إذا استمر الواقع العربي على هذه الحال ، فإن الخطر لن يكون على أرض فلسطين وحدها ، وعلى حقوق شعبها ، وفي مقدمتها حق اللاجئين في العودة ، بل سيمتد
ليطال الأمة العربية وبلدانها بأسرها نتيجة وجود مخاطر إقليمية أخرى تستغل حالة الضعف العربي.
ان المكانة التي احتلتها فلسطين منذ القدم ضمن معادلة الأمن القومي العربي ، والقيمة المعنوية والروحية التي مثلتها فلسطين ، تؤكد اليوم ان المعيار الحقيقي لوطنية وقومية أي نظام أو حزب عربي ، حسب موقفه منها بل إن وحدة الموقف من فلسطين والعمل على دعم نضال وصمود شعبها تشكل عنصراً جامعاً لوحدة النضال العربي
امام كل ذلك اليوم تتعرض فلسطين ، بما فيها القدس ، وحقوق اللاجئين الفلسطينيين الى هجمة هدفها الانقضاض على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ، في ظل صمت السياسات العربية الراهنة ، بل البعض يسعى الى الإعداد لمشروع عربي يقوم على الانصياع للسياسات الأمريكية ، وتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وهذا يستدعي موقفا عربيا على المستوى الرسمي والشعبي ، لأن الطريق الأوحد لاستعادة وتحرير الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة ، وحماية حق العودة والقدس من الضياع ، ووقف حالة الانقسام والانهيار التي تتعرض لها الأمة العربية ، يتطلب قيام جبهة شعبية عربية تتشكل من كافة القوى والاحزاب العربية من خلال التحرك الجماهيري الذي يفرض إرادته على الأنظمة الرسمية العربية .
إن الشعوب العربية التي يستفزها التخاذل الرسمي العربي، وتستثيرها مساعي التطبيع المتسارعة بين الدول العربية والكيان العنصري الصهيوني، لا ترى في هذه الخطوة الاّ تسليماً بالمشيئة الاسرائيلية، واستسلاماً أمام نفوذها وسطوتها، وتخلياً صريحاً عن أوراق يجب أن تبقى الحكومات العربية متمسكة بها، مما يتطلب من بعض الدول العربية أن تعيد النظر في قراراتها، أمام كل هذه المخاطر، المتعددة الجوانب والأطراف التي تهدد حق العودة. أتساءَل عن دورنا نحن أطراف الحركة الشعبية الفلسطينية المدافعة عن حق العودة إن كان يتناسب مع حجم هذه المخاطر.
إن حل القضية الفلسطينية يرتبط بحرية الشعوب العربية وبقوى التحرر العالمي التي دمجت مهمة دعم نضال الشعب الفلسطيني والانتصار لقضيته بالنضال ضد العولمة المتوحشة ونهبها وحروبها التدميرية. ستعود القضية الفلسطينية قضية للشعوب العربية، وفي مركز اهتمامها، وقضية لشعوب العالم. وعند ذلك، سيجد الشعب الفلسطيني حريته الحقيقية.
ختاما : نرى امام كل ذلك إن دورنا لم يرتقي على المستوى الفلسطيني، إلى الحد الذي يجعلنا قادرين على درء هذه المخاطر، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة، صحيح أن حركتنا نمت، واتسعت، لا نبالغ اذا قلنا ان هناك اوساطاً تبذل جهوداً لافشال المصالحة، كما ان اوساطاً وطنية لديها الكثير من الشكوك بامكانية نهاية الانقسام الفلسطيني الكارثي بالاستناد الى تجارب سابقة، ومن هنا نرى ان نجاح الانتخابات المحلية في الضفة وغزة ممكن ان يشكل خطوة، على طريق بث الحياة والنشاط في منظمة التحرير الفلسطينية والوقوف وراءها، باعتبارها المرجعية الوطنية الوحيدة للتعبير عن ارادة الشعب الفلسطيني. والسير في طريق الاجراءات من اجل الانتخابات الرئاسية والتشريعية ، يعطي الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية دفعة قويةلتأمين اوسع تأييد عربي للنضال الوطني الفلسطيني ولدعمه اقتصادياً وسياسياًوالتقارب بين الاطراف العربية على الاقل، على قاعدة الاشتراك في
الضغط على حكومة الاحتلال على الصعيد الدولي ، والعمل على دعم نضال الشعب الفلسطيني بمواجهة الاحتلال ومشاريعه ، على طريق استعادة الحقوق المشروعة في الحرية واقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس .
بقلم/ عباس الجمعة